شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب النهي عن الاستنجاء باليمين

          ░18▒ باب النهي عَنِ الاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ.
          فيه: ابن أبي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم(1): (إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَنَفَّسْ في الإنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلاءَ فَلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ). [خ¦153]
          وقال المؤلف(2): التنفس في الإناء منهي عنه كما نُهي عن النفخ في الإناء، وإنما السنة إراقة القذَى(3) من الإناء لا النفخ فيه ولا التنفس لئلا يتقذره جلساؤه، وقوله: (لا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ) فهو في معنى النهي عن الاستنجاء باليمين(4) لأن القبل والدبر عورة وموضع الأذى وهذا إذا كان في الخلاء، وأما على الإطلاق على ما روي عن عثمان ☺(5) أنه قال: ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسِست ذكري بيميني مذ بايعت بها رسول الله صلعم، فهذا على إكرام اليمين وإجلال النبي صلعم في مباشرته، وهذا كله عند الفقهاء نهي أدب، قال(6) المُهَلَّب: وفيه فضل الميامن وقد قال علي ☺(7): يميني لوجهي _يعني للأكل وغيره_ وشمالي لحاجتي، وقد نزع لهذا(8) الكلام ابنه الحسن حين امتخط بيمينه عند معاوية فأنكر عليه معاوية وقال: بشمالك.
          وأما الاستنجاء باليمين فمذهب مالك وأكثر الفقهاء أن من فعل ذلك فبئس ما فعل(9) ولا شيء عليه، وقال بعض أصحاب الشافعي وأهل الظاهر: لا يجزئه الاستنجاء بيمينه لمطابقة النهي، والصواب في ذلك قول الجمهور لأن النهي عن الاستنجاء باليمين من باب الأدب كما أن النهي عن الأكل بالشمال من باب أدب(10) الأكل، فمن أكل بشماله فقد عصى ولا يحرم عليه طعامه لذلك، فكذلك(11) من استنجى بيمينه وأزال الغائط فقد خالف النهي ولم يقدح ذلك في وضوئه ولا صلاته ولم يأت حرامًا، وترجم لحديث أبي قَتادة: باب لا يمس ذكره بيمينه إذا بال، وهذا كله من باب الأدب وتفضيل الميامن، ألا ترى قول عثمان ☺: ولا مسِست ذكري بيميني مذ(12) بايعت رسول الله صلعم، فينبغي التأدب بأدب النبي صلعم(13) وسلف الصحابة ♥(14) وتنزيه اليمين(15) عن(16) استعمالها في الأقذار ومواضعها.


[1] في (ص): ((قتادة: أنَّ النبي صلعم))، وقوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[2] قوله ((المؤلف)) ليس في (م).
[3] في (م): ((القذاة)).
[4] في (م): ((باليمنى)).
[5] قوله: ((☺)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((وقال)).
[7] قوله: ((☺)) ليس في (ص).
[8] في (م): ((بهذا)).
[9] في (م): ((صنع)).
[10] قوله: ((أدب)) ليس في (ص).
[11] في (ص): ((وكذلك)).
[12] في (م): ((منذ)).
[13] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[14] قوله: ((♥)) ليس في (ص).
[15] في (م): ((اليمنى)).
[16] في (ص): ((من)).