شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ

          ░51▒ بَابُ: مَنْ مَضْمَضَ مِنَ السَّوِيقِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
          فيهِ: سُوَيْدُ بنُ النُّعْمَانِ: (أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم عَامَ خَيْبَرَ، حتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ _وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ_ فَصَلَّى(1) العَصْرَ، ثمَّ دَعَا بِالأزْوَادِ، فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ(2) فَثُرِّيَ، فَأَكَلَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَكَلْنَا، ثمَّ قَامَ إلى المَغْرِبِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ). [خ¦209]
          وفيهِ: ابن عَبَّاسٍ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم(3) أَكَلَ عَنْدَ مَيْمُونَةَ كَتِفًا ثمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ). [خ¦210]
          قال المُهَلَّبُ: في حديث سُوَيْدٍ أنَّ النَّبيَّ صلعم مضمض مَن السَّويق، وليس في حديث ابن عبَّاسٍ ذكر المضمضة ولا في واحدٍ مِن الحديثين(4) أنَّه ◙ غسل يده مِن ذلك، فمباحٌ للإنسان أن يفعل مِن ذلك ما شاء. قال(5): ومعنى المضمضة مِن السَّويق _وإن كان لا دسم له_ أنَّه تُحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشتغل(6) _بتتبُّعه(7) بلسانه_ المُصَلِّي عن صلاته. قال غيره: في(8) حديث سُوَيْدٍ مِن الفقه إباحة اتِّخاذ الزَّاد في السَّفر، وفي ذلك رَدٌّ على الصُّوفيَّة الَّذين يقولون: لا يدَّخر لغدِه(9). وفيه من الفقه: نظر الإمام لأهل العسكر عند قلَّة الأزواد وجمعها، ليقوت من لا زاد معه من أصحابه، وفيه: أنَّ القوم إذا فني أكثر زادهم فواجبٌ أن يتواسوا في زاد من بقي من زاده شيءٌ، فإن أراد الَّذي بقي(10) مِن زاده أن يأخذ فيه الثَّمن فذلك له(11) إن كان عند القوم ثمنٌ(12)، وإن كان ثمنه نزرًا(13) اجتهد فيه بلا بدلٍ، فإنْ لم يكن عندهم ثمنٌ فواجبٌ عليهم أن يتواسوا إلى أن يخرجوا مِن(14) سفرهم إلى موضع يجدون الزَّاد فيه؛ لأنَّ على المسلم أن يواسي أخاه، وقد جاء في الحديث: ((لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ جَارَهُ طَاوٍ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ شَبْعَانٌ لَا يَرْمُقُهُ بِمَا يُمْسِكُ مُهْجَتَهُ))، وفيه: أنَّ للسَّلطان أن يأخذ(15) المحتكرين بإخراج الطَّعام إلى الأسواق عند قلَّته، فيبيعونه مِن أهل الحاجة بسعر ذلك اليوم.
          وقوله: (فَثُرِّيَ) يعني بُلَّ بالماء، لما كان لحقَه من اليُبْسِ والقَدَمِ، ومنه قيل للثَرَى: ثَرَى؛ لرطوبته. وقال صاحب «الأفعال»: يُقال: ثَرِيَتِ الأرضُ وأَثْرَتْ:(16) وَصَلَ نَدَى المطرِ إلى ثَرَاهَا(17).


[1] في (م): ((صلَّى)).
[2] في (ص): ((بها)).
[3] في (ص): ((أن الرسول)).
[4] في (م): ((في أحد الحديثين)).
[5] قوله ((قال)) ليس في (م).
[6] في (م): ((فيشغل)).
[7] في (م) والمطبوع: ((تتبعه)).
[8] في (م): ((وفي)).
[9] في (م): ((لغد)).
[10] زاد في (ص): ((له)).
[11] في (م): ((فله ذلك)).
[12] في (م): ((ثمنه)).
[13] في المطبوع: ((قدرًا))، وفي (م): ((وما كان منه نزرًا)).
[14] في (م): ((عن)).
[15] في (م): ((للسُّلطان أخذ)).
[16] زاد في المطبوع: ((إذا)).
[17] في (م): ((نداها)).