إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا

          856- وبالسَّند إلى المؤلِّف قال‼: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) عبد الله المُقعَد(1) البصريُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) بن سعيدٍ العنبريُّ(2) البصريُّ (عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ) بن صهيبٍ البُنانيِّ البصريِّ (قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ) قال الحافظ ابن حجرٍ ☼ : لم أعرف اسمه (أَنَسًا) ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ”أنس بن مالك“: (مَا سَمِعْتَ نَبِيَّ اللهِ صلعم فِي الثُّومِ)؟ بفتح تاء «سمعتَ» على الخِطَاب، و«ما»: استفهاميَّةٌ، ولأبي ذَرٍّ: ”يذكر“ وللأَصيليِّ وأبي الوقت: ”يقول في الثُّوم؟“ (فَقَالَ) أنسٌ: (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) أي: الثُّوم (فَلَا يَقْرَبْنَّا) بفتح الرَّاء والمُوحَّدة وبنون التَّأكيد المُشدَّدة (ولَا يُصَلِّيَنَّ مَعْـَنَا) عُطِف عليه بنون التَّأكيد المُشدَّدة أيضًا، وعين «معنا» تُسكَّن وتُفتَح، أي: مصاحبًا لنا، وليس فيه تقييد النَّهي بالمسجد، فيُستَدلُّ بعمومه على إلحاق حكم الجامع بالمساجد كمصلِّى العيد والجنائز، ومكان الوليمة، لكن قد علَّل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة، وترك أذى المسلمين، فإن كان كلٌّ منهما جزءَ علَّةٍ، اختصَّ النَّهي بالمساجد وما في معناها، وهذا هو الأظهر، وإلَّا فيعمُّ النَّهيُ كلَّ مجمعٍ كالأسواق، ويؤيِّد هذا البحث قوله في حديث أبي سعيدٍ عند مسلمٍ: «من أكل من هذه الشَّجرة شيئًا فلا يقربَنَّا في المسجد». قال ابن العربيِّ: ذكر الصِّفة في الحكم يدلُّ على التَّعليل بها، ومن ثمَّ ردَّ على الماورديِّ(3) حيث قال: لو أنَّ جماعة مسجدٍ أكلوا كلُّهم ما له رائحةٌ كريهةٌ لم يُمنَعُوا منه بخلاف ما إذا أكل بعضهم لأنَّ المنع لم يختصَّ بهم، بل بهم وبالملائكة، وعلى هذا يتناول المنع مَنْ تناول شيئًا من ذلك ودخل المسجد مطلقًا وإن كان وحده، قاله في «فتح الباري».
          ورواة هذا الحديث كلُّهم بصريُّون، وفيه: التَّحديث والعنعنة والسُّؤال والقول، وأخرجه البخاريُّ أيضًا في «الأطعمة» [خ¦5451]، ومسلمٌ في «الصَّلاة».


[1] في (د): «المُقدَّميُّ»، وليس بصحيحٍ.
[2] في (د): «العبدريُّ»، وهو تحريفٌ.
[3] في فتح الباري وكوثر المعاني: «المازري».