إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كنت أطيب رسول الله لإحرامه حين يحرم

          1539- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ) القاسم بن محمَّد بن أبي بكرٍ الصِّدِّيق التَّيميِّ المدنيِّ ♥ (عَنْ عَائِشَةَ ♦ زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلعم لإِحْرَامِهِ) أي: لأجل إحرامه (حِينَ يُحْرِمُ) أي: قبل أن يُحرِم كما هو لفظ رواية مسلمٍ والتِّرمذيِّ؛ لأنَّه لا يمكن أن يُراد بالإحرام هنا فعلُ الإحرام، فإنَّ التَّطيُّب في الإحرام(1) ممتنعٌ بلا شكٍّ، وإنَّما المراد إرادةُ الإحرام، وقد دلَّ على ذلك رواية النَّسائيِّ «حين أراد الإحرام»، وحقيقة قولها: «كنت أطيِّب» تطييب بدنه، ولا يتناول ذلك تطييب ثيابه(2)، وقد دلَّ على اختصاصه ببدنه الرِّواية الأخرى التي فيها: «كنت أجد وَبِيصَ الطِّيب في رأسه ولحيته» [خ¦5923] وقد اتَّفق أصحابنا الشَّافعيَّة: على أنَّه لا يُستحَبُّ تطييب الثِّياب عند إرادة الإحرام، وشذَّ المتولِّي فحكى قولًا باستحبابه، نعم؛ في جوازه خلافٌ والأصحُّ الجوازُ، فلو نزعه ثمَّ لبسه ففي وجوب الفدية وجهان، صحَّح البغويُّ وغيره الوجوب (وَلِحِلِّهِ) أي‼: تحلُّله من محظورات الإحرام بعد أن يرمي ويحلق (قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ) طواف الإفاضة، واستُفيد من قولها: «كنت أطيِّب» أنَّ «كان» لا تقتضي التَّكرار لأنَّ ذلك لم يقع منها إلَّا مرَّةً واحدةً في حجَّة الوداع، وعُورِض بأنَّ المدَّعَى تكراره هنا إنَّما هو التَّطيُّب لا الإحرام، ولا مانع من أن يتكرَّر التَّطيُّب(3) للإحرام مع كون الإحرام مرَّةً واحدةً، ولا يخفى ما فيه، واستُفيد منه أيضًا: استحباب التَّطيُّب عند الإحرام، وجواز استدامته بعد الإحرام، وأنَّه لا يضرُّ بقاء لونه ورائحته، وإنَّما يحرم ابتداؤه في الإحرام(4)، وهو قول الجمهور، وعن مالكٍ يحرم لكن لا فدية، وقال محمَّد بن الحسن: يُكرَه أن يتطيَّب قبل الإحرام بما تبقى عينه بعده، واستحباب التَّطيُّب أيضًا بعد التَّحلُّل الأوَّل قبل الطَّواف.


[1] في (ب) و(س): «بالإحرام».
[2] في (ص): «ثوبه».
[3] في (د): «الطِّيب»، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[4] قوله: «وجواز استدامته بعد الإحرام... وإنَّما يحرم ابتداؤه في الإحرام» ليس في (ص).