إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب

          834- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) بكسر العين (قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ) مَرْثَدٍ، بفتح الميم وسكون الرَّاء وفتح المُثلَّثة وآخره دالٌ مُهمَلةٌ، ابن عبد الله اليزنيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو) أي: ابن العاصي‼ (عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ☺ ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلعم : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي(1) صَلَاتِي) أي: في آخرها بعد التَّشهُّد الأخير قبل السَّلام، وقال الفاكهانيُّ: الأَوْلى أن يدعوَ به في السُّجود وبعد التَّشهُّد لأنَّ(2) قوله: «في صلاتي» يعمُّ جميعها، وتُعقِّب بأنَّه لا دليل له على دعوى الأولويَّة، بل الدَّليل الصَّريح عامٌّ في أنَّه بعد التَّشهُّد قبل السَّلام (قَالَ) له ╕ : (قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بارتكاب ما يوجب العقوبة (ظُلْمًا كَثِيرًا) بالمُثلَّثة، ولأبي ذَرٍّ في نسخةٍ: ”كبيرًا“ بالمُوحَّدة، وسقط لأبي ذَرٍّ لفظ «نفسي» (وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ) إقرارٌ بالوحدانيَّة واستجلابٌ للمغفرة (فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً) عظيمةً لا يُدرَك كنهُها (مِنْ عِنْدِكَ) تتفضَّل بها عليَّ، لا تسبُّبَ لي فيها بعملٍ ولا غيره (وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) في هاتين الصِّفتين مقابلةٌ حسنةٌ، فـ «الغفور» مقابلٌ لقوله: «اغفر لي»، و«الرَّحيم» مقابلٌ لقوله: «ارحمني». قال في «الكواكب»: وهذا الدُّعاء من جوامع الكلم(3)، إذ فيه الاعتراف بغاية التَّقصير، وهو كونه ظالمًا ظلمًا كثيرًا، وطلب غاية الإنعام الَّتي هي المغفرة والرَّحمة، فالأوَّل: عبارةٌ عن الزَّحزحة عن النَّار، والثَّاني: إدخال الجنَّة، وهذا هو الفوز العظيم، اللَّهُمَّ اجعلنا من الفائزين بكرمك يا أكرم الأكرمين.
          ورواة هذا الحديث سوى طرفيه مصريُّون، وفيه: تابعيٌّ عن تابعيٍّ، وصحابيٌّ عن صحابيٍّ، والتَّحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «الدَّعوات» [خ¦6326]، وكذا مسلمٌ والتِّرمذيُّ وابن ماجه، وأخرجه النَّسائيُّ في الصَّلاة.


[1] زيد في (د): «آخر».
[2] زيد في (د): «في»، وليس بصحيحٍ.
[3] في (د): «الجوامع».