إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لما مرض رسول الله مرضه الذي مات فيه

          664- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ) بضمِّ العين، ولغير الأَصيليِّ زيادة: ”بن غياثٍ“ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد، وللأربعة: ”حدَّثنا“ (أَبِي) حفصُ بن غياث بن طَلْقٍ؛ بفتح الطَّاء وسكون اللَّام (قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيِّ (قَالَ الأَسْوَدُ) بن يزيد بن قيسٍ النَّخعيُّ المُخضرَم الكبير: (كُنَّا) ولأبوي ذَرٍّ والوقت: «عن إبراهيم عن الأسود قال: كنَّا»، فـ «قال» الثَّانية ثابتةٌ مع «عن»، ساقطةٌ مع(1) «قال الأسود: كنَّا» (عِنْدَ) أمِّ المؤمنين (عَائِشَةَ ♦ ، فَذَكَرْنَا المُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا) بالنَّصب عطفًا على المُواظَبة (قَالَتْ) عائشة: (لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ) ولأبوي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر: ”النَّبيُّ“ ( صلعم مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ)‼ واشتدَّ وجعه، وكان في بيت عائشة ♦ (فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ) أي: وقتها (فَأُذِّنَ) بالصَّلاة؛ بالفاء وضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول، من التَّأذين، وللأَصيليِّ: ”وأُذِّنَ“ قال ابن حجرٍ: وهو أوجه، قال العينيُّ: لم يبيِّن وجه الأوجهيَّة، بل الفاء أوجه على ما لا يخفى. انتهى، فليُتأمَّل. وفي الفرع وأصله عن الأَصيليِّ: ”فأُوذِن“ بالفاء وبعد الهمزة المضمومة واوٌ وتخفيف المُعجَمة، وفي «باب الرَّجل يأتمُّ بالإمام» [خ¦713]: «جاء بلالٌ يُؤْذِن بالصَّلاة» فاستُفِيد منه تسمية المُبهَم، وأنَّ معنى «آذن»: أَعْلَم، قلت: وهو يؤيِّد رواية: ”فأُوذِن“ السَّابقة [خ¦633].
          تنبيهٌ: قال في «المغني»: «لمَّا» يكون جوابُها فعلًا ماضيًا اتِّفاقًا نحو: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ }[الإسراء:67]، وجملةً اسميَّةً مقرونةً بـ «إذا» الفجائيَّة نحو: { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }[العنكبوت:65]، أو بالفاء عند ابن مالكٍ نحو(2): { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ }[لقمان:32] وفعلًا مضارعًا عند ابن عصفورٍ نحو: { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ (3) الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا }[هود:74] وهو مُؤوَّلٌ بـ «جادَلَنَا»، وقِيلَ في آية الفاء: إنَّ الجوابَ محذوفٌ، أي: انقسموا قسمين؛ فمنهم مقتصدٌ، وفي آية(4) المضارع: إن الجواب «جاءته البشرى» على زيادة الواو، أو محذوفٌ، أي: أقبل يجادلنا. قال ابن الدَّمامينيِّ: ولم يذكر في الحديث هنا بعد «لمَّا» فعلًا ماضيًا مُجرَّدًا من الفاء يصلح جوابًا لـ «لمَّا»، بل كلُّها بالفاء. انتهى. قلت: يحتمل أن يكون الجواب محذوفًا تقديره: لمَّا مرض ╕ واشتدَّ مرضه فحضرت الصَّلاة فأُذِّن أراد ╕ استخلاف أبي بكرٍ في الصَّلاة (فَقَالَ) لمن حضره(5): (مُرُوا) بضمَّتين بوزن: «كُلُوا» من غير همزٍ تخفيفًا (أَبَا بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ (فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ) بتسكين اللَّام الأولى، ولابن عساكر: ”فلِيُصَلِّيَ“ بكسرها وإثبات الياء المفتوحة بعد الثَّانية، والفاء عاطفةٌ، أي: فقولوا له قَوْلي: فليصلِّ، وقد خرج بهذا الأمر أن يكون من باب(6) قاعدة الأمر بالأمر بالفعل، فإنَّ الصَّحيح في ذلك أنَّه(7) ليس أمرًا بالفعل(8) (فَقِيلَ لَهُ) أي: قالت عائشة له ╕ : (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ) / بهمزةٍ مفتوحةٍ وسينٍ مُهمَلةٍ مكسورةٍ؛ بوزن «فعيلٍ» بمعنى «فاعلٍ»، من الأسف، أي: شديد الحزن، رقيق القلب، سريع البكاء (إِذَا قَامَ مَقَامَكَ) ولغير الأربعة: ”إذا قام في مقامك“ (لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ) وفي رواية مالكٍ عن هشامٍ عنها [خ¦679]: «قالت: قلت: إنَّ أبا بكرٍ إذا قام في مقامك لم يُسْمِع النَّاسَ من البكاء، فَمُرْ عمر» (وَأَعَادَ) ╕ (فَأَعَادُوا) أي: عائشة ومن معها في البيت، نعم وقع في حديث أبي موسى [خ¦678]: «فعادت»، ولابن عمر [خ¦682](9): «فعاودت» (لَهُ) ╕ تلك المقالة: إنَّ أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيفٌ (فَأَعَادَ) هُ ╕ المرَّة (الثَّالِثَةَ) من مقالته: «مُرُوا‼ أبا بكرٍ؛ فليصلِّ بالنَّاس» (فَقَالَ) فيه حذفٌ، بيَّنه مالكٌ في روايته الآتية _إن شاء الله تعالى_ [خ¦679] ولفظه: فقالت «عائشة: فقلت لحفصة: قولي له: إنَّ أبا بكرٍ إذا قام مقامك لم(10) يسمع النَّاس من البكاء، فَمُرْ عمر فليصلِّ بالناس، ففعلت حفصة، فقال رسول الله(11) صلعم : مه» (إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ) الصِّدِّيق، أي: مثلهنَّ في إظهار خلاف ما في الباطن، فإنَّ عائشة ♦ أظهرت أنَّ سبب إرادتها صرف الإمامة عن الصِّدِّيق ☺ لكونه لا يُسمِع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك وهو ألَّا يتشاءم النَّاس به، وهذا مثل زليخا، استدعت النِّسوة وأظهرت لهنَّ الإكرام بالضِّيافة، وغرضها أن ينظرن إلى حُسْن يوسف ويعذِرنها في محبَّته، فعبَّر بالجمع في قوله: «إنَّكنَّ» والمراد عائشة فقط، وفي قوله: «صواحب» والمرادُ زليخا كذلك (مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ) بسكون اللَّام الأولى، وللأَصيليِّ وابن عساكر: ”فليصلِّي“ بكسرها وياءٍ مفتوحةٍ بعد الثَّانية، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”للنَّاس“ باللَّام بدل المُوحَّدة، وفي رواية موسى بن أبي عائشة الآتية _إن شاء الله تعالى_ [خ¦687]: «فأتى بلالٌ إلى أبي بكرٍ فقال له: إنَّ رسول الله صلعم يأمرك أن تصلِّي بالنَّاس، فقال أبو بكرٍ، وكان رجلًا رقيقًا: يا عمر، صلِّ بالنَّاس، فقال له عمر: أنت أحقُّ بذلك منِّي» (فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ) ☺ (فَصَلَّى) بالفاء وفتح اللَّام، ولأبوي ذَرٍّ والوقت: ”يصلِّي“ بالمُثنَّاة التَّحتيَّة بدل الفاء وكسر اللَّام، وظاهره أنَّه شرع فيها، فلمَّا دخل فيها (فَوَجَدَ النَّبِيُّ صلعم مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً) في تلك الصَّلاة نفسها، لكن في رواية موسى بن أبي عائشة [خ¦687]: «فصلَّى أبو بكرٍ تلك الأيَّام، ثمَّ إنَّ رسول الله صلعم وجد من نفسه خفَّةً» (فَخَرَجَ يُهَادَى) بضمِّ أوَّله، مبنيًّا للمفعول، أي: يمشي (بَيْنَ رَجُلَيْنِ) العبَّاس وعليٍّ، أو بين أسامة بن زيدٍ والفضل بن عبَّاسٍ، معتمدًا عليهما متمايلًا في مشيه من شدَّة الضَّعف (كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ) ولابن عساكر: ”إلى رجليه“ (تَخُطَّانِ الأرض) أي: يجرُّهما عليها غير معتمدٍ عليهما(12) (مِنَ الوَجَعِ) وسقط لفظ «الأرض» من رواية الكُشْمِيْهَنِيِّ، وعند ابن ماجه وغيره من حديث ابن عبَّاسٍ بإسنادٍ حسنٍ: «فلمَّا أحسَّ النَّاس به سبَّحوا»(13) (فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ) ☺ (أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلعم ) لضعف صوته، أو لأنَّ مخاطبة من يكون في الصَّلاة بالإيماء أَوْلى من النُّطق، وسقط لفظ «النَّبيُّ» في رواية الأَصيليِّ (أَنْ مَكَانَكَ) نُصِب بتقدير «الزم»، والهمزة مفتوحةٌ والنُّون مُخفَّفةٌ (ثُمَّ أُتِيَ بِهِ) ╕ (حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ) أي: جنب أبي بكرٍ الأيسر كما سيأتي _إن شاء الله تعالى_ في رواية الأعمش [خ¦713] وفي رواية موسى بن أبي عائشة [خ¦687]: فقال: «أجلساني إلى جنبه» فأجلساه. (فقِيلَ لِلأَعْمَشِ) سليمان بن مهران؛ بالفاء قبل القاف، ولغير أبوي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر: ”قِيلَ للأعمش“: (وَكَانَ) بالواو، وللأربعة: ”فكان“ (النَّبِيُّ صلعم يُصَلِّي، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي‼ بِصَلَاتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ) أي: بصوته الدَّالِّ على فعل النَّبيِّ صلعم ، لا أنَّهم مقتدون(14) بصلاته لئلَّا يلزم الاقتداء بمأمومٍ، ويأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى، ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”والنَّاس(15) بصلاة أبي بكرٍ“ (فَقَالَ) الأعمش (بِرَأْسِهِ: نَعَمْ) فإن قلت: ظاهر قوله: فقِيلَ للأعمش... إلى آخره، أنَّه منقطعٌ لأنَّ الأعمش لم يسنده، أُجيب بأنَّ في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متَّصلًا بالحديث، وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة وغيرها، قاله في «الفتح». (رَوَاهُ) وفي روايةٍ: ”ورواه“ أي: الحديث المذكور (أَبُو دَاوُدَ) الطَّيالسيُّ / ممَّا وصله البزَّار (عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران (بَعْضَهُ) نصب بدلٍ من ضمير «رواه»، ولفظ البزَّار: «كان رسول الله صلعم المُقدَّم بين يدي أبي بكرٍ»، كذا رواه مختصرًا.
          (وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ) محمَّد بن خازمٍ(16) الضَّرير في روايته عن الأعمش ممَّا وصله المؤلِّف في «باب الرَّجل يأتمُّ بالإمام ويأتمُّ النَّاس بالمأموم» [خ¦713] عن قتيبة عنه: (جَلَسَ) صلعم (عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ) ☺ (فَكَانَ) وفي روايةٍ: ”وكان“ (أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي) حال كونه (قَائِمًا) وعند ابن المنذر من رواية مسلم بن إبراهيم عن شعبة(17): «أنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى خلف أبي بكرٍ»، وعند التِّرمذيِّ والنَّسائيِّ وابن خزيمة من رواية شعبة عن نُعيم بن أبي هندٍ عن شقيقٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى خلف أبي بكرٍ» فمن العلماء من رجَّح أنَّ أبا بكرٍ كان مأمومًا لأنَّ أبا معاوية أحفظ لحديث الأعمش من غيره، واستدلَّ الطَّبريُّ بهذا على أنَّ للإمام أن يقطع الاقتداء به(18) ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصَّلاة، وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصَّلاة، وعلى جواز تقدُّم إحرام المأموم على الإمام، بناءً على أنَّ أبا بكرٍ كان دخل في الصَّلاة، ثمَّ قطع القدوة وائتمَّ برسول الله صلعم ، ومنهم من رجَّح أنَّه كان إمامًا لقول أبي بكرٍ الآتي في «باب من دخل ليؤمَّ النَّاس»: «ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدَّم بين يدي رسول الله صلعم » [خ¦684] وقد جزم بذلك الضِّياء وابن ناصرٍ، وقال: إنَّه صحَّ(19) وثبت أنَّه صلعم صلَّى خلف أبي بكرٍ مقتديًا به في مرضه الَّذي مات فيه، ولا ينكر هذا إِلَّا جاهلٌ. انتهى. وقد ثبت في «صحيح مسلمٍ»: أنَّه صلَّى خلف عبد الرَّحمن بن عوفٍ في غزوة تبوك صلاة الفجر، وكان صلعم قد خرج لحاجته، فقدَّم النَّاسُ عبدَ الرَّحمن فصلَّى بهم، فأدرك صلعم إحدى الرَّكعتين، فصلَّى مع النَّاس الرَّكعة الأخيرة، فلمَّا سلَّم عبد الرَّحمن قام النَّبيُّ صلعم يتمُّ صلاته، فأفزع ذلك المسلمين فأكثروا التَّسبيح، فلمَّا قضى صلعم صلاته أقبل عليهم، ثمَّ قال(20): «أحسنتم»، أو قال: «قد(21) أصبتم» يغبطهم أن‼ صلُّوا لوقتها، ورواه أبو داود بنحوه أيضًا، وقد روى الدَّارقطنيُّ من طريق المغيرة بن شعبة ☺ : أنَّ رسول الله صلعم قال: «ما مات نبيٌّ حتَّى يؤمَّه رجلٌ من قومه».
          ورواة حديث الباب(22) كوفيُّون، وفيه: رواية الابن عن الأب، والتَّحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «الصَّلاة» [خ¦712]، وكذا مسلمٌ والنَّسائيُّ وابن ماجه.


[1] زيد في (م): «كما».
[2] «نحو»: ليس في (د).
[3] في (د): «أبيه»، وليس بصحيحٍ.
[4] في (م): «رواية».
[5] في (م): «حضر».
[6] «باب»: مثبتٌ من (ص).
[7] «أنَّه»: ليس في (م).
[8] في (م): «بالفاعل».
[9] في غير (ص) و(م): «ولابن عساكر» وليس بصحيحٍ.
[10] في غير (ص) و(م): «لا».
[11] في (د): «النَّبيُّ».
[12] في (م): «عليها».
[13] عبارة مطبوع سنن ابن ماجه (1235): «فلما رآه الناس سبحوا بأبي بكر».
[14] في (م): «إلَّا أنَّهم يقتدون»، وليس بصحيحٍ.
[15] زيد في غير (د): «يصلُّون»، وليس بصحيحٍ.
[16] في (د): «حازم»، وهو تصحيفٌ.
[17] في الأصول: «شعيب» والتصحيح من «الأوسط» لابن المنذر (4/203)، وليس في شيوخ مسلم بن إبراهيم من اسمه شعيب.
[18] «به»: ليس في (د).
[19] في (ص): «صحيحٌ».
[20] في (د): «وقال».
[21] «قد»: ليس في (د).
[22] في (م): «الحديث».