إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن بلالًا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي

          620- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قال: أَخْبَرَنَا) وللأَصيليِّ: ”حدَّثنا“ (مَالِكٌ) هو ابن أنسٍ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☺ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي) وللأَصيليِّ: ”يؤذن“ (بِلَيْلٍ) أي: فيه (فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى) أي: إلى أن (يُنَادِيَ) يؤذِّن (ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) الأعمى المذكور في سورة «عبس» واستخلفه النَّبيُّ صلعم ثلاث عشرة مرَّةً، وفي حديث أبي(1) قرَّة عن ابن عمر: «أنَّ ابن أمِّ مكتومٍ كان يتوخَّى الفجر فلا يخطئه».
          فإن قلت: لا مطابقة بين التَّرجمة والحديث إذ لو كان أذانه بعد الفجر لَمَا جاز الأكل إلى أذانه، أُجيب بأنَّ أذانه كان علامةً على أنَّ الأكل صار(2) حرامًا، وقد مرَّ(3) قريبًا نحوه [خ¦617] ووقع في «صحيح ابن خزيمة»: «إذا أذَّن عمرٌو فإنَّه ضرير البصر فلا يغرنَّكم، وإذا أذَّن بلالٌ فلا يَطْعَمَنَّ أحدٌ» وهو يخالف رواية(4) حديث الباب، وجمع بينهما ابن خزيمة _كما نبَّه عليه في «الفتح»_ باحتمال أنَّ الأذان كان نُوَبًا بينهما، أو كان لهما حالتان مختلفتان، فكان بلالٌ يؤذِّن أوَّل ما شُرع الأذان وحده، ولا يؤذِّن للصُّبح حتَّى يطلع الفجر، ثمَّ أردف بابن أمِّ مكتومٍ فكان يؤذِّن بليلٍ، واستمرَّ بلالٌ على حالته الأولى، ثمَّ في آخر الأمر أخَّر ابن أمِّ مكتومٍ لضعفه، واستمرَّ أذان بلالٍ بليلٍ، وكان سبب ذلك ما رواه أبو داود وغيره: أنَّه كان ربَّما أخطأ الفجر فأذَّن قبل طلوعه، وأنَّه أخطأ مرَّةً فأمره ╕ أن يرجع فيقول: ألا إنَّ العبد نام؛ يعني: أن غلبة النَّوم على عينيه منعته من تبيُّن الفجر. واستُنبِط من حديث الباب: استحباب أذان واحدٍ بعد واحدٍ، وجواز ذكر الرَّجل بما فيه من عاهةٍ إذا كان لقصد(5) التَّعريف ونحوه، وغير ذلك ممَّا سيأتي إن شاء الله تعالى في محالِّه.


[1] في غير (ص) و(م): «ابن»، وليس بصحيحٍ.
[2] في (د): «كان» وهو تحريفٌ.
[3] في (م): «قدَّم».
[4] «رواية»: مثبتٌ من (ص) و(م).
[5] في غير (ص) و(م): «القصد» وفي (م): «يقصد».