إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: خرجنا مع رسول الله لخمس بقين من ذي القعدة

          1709- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام الأعظم (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاريِّ (عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن سعد بن زرارة الأنصاريَّة (قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ♦ تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم ) سنة عشرٍ من الهجرة (لِخَمْسٍ بَقَـِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ) بفتح القاف وكسرها، وسُمِّي بذلك لأنَّهم كانوا يقعدون فيه عن القتال، وقولها: «لخمسٍ بقين(1)» يقتضي أن تكون قالته بعد انقضاء الشَّهر، ولو قالته قبله لقالت: لخمسٍ إن بقين (لَا نُرَى) بضمِّ النُّون وفتح الرَّاء، أي: لا نظنُّ (إِلَّا الحَجَّ) أي: حين خروجهم من المدينة، أو لم يقع في نفوسهم إلَّا ذلك، لأنَّهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحجِّ (فَلَمَّا دَنَوْنَا) أي(2): قَرُبْنا (مِنْ مَكَّةَ) أي: بسَرِف كما جاء عنها [خ¦1788] أو بعد طوافهم بالبيت وسعيهم كما في رواية جابرٍ [خ¦1568] ويحتمل تكريره الأمر بذلك مرَّتين في الموضعين، وأنَّ العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحجِّ إلى العمرة (أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، إِذَا طَافَ) بالبيت (وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ) بفتح أوَّله وكسر ثانيه(3)، أي: يصير حلالًا بأن يتمتَّع.
          (قَالَتْ) عائشة ♦ : (فَدُخِلَ) بضمِّ الدَّال وكسر الخاء مبنيًّا للمفعول (عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ) بنصب «يوم» على الظَّرفيَّة، أي: في يوم النَّحر (بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ(4): نَحَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم ‼ عَنَْ أزْوَاجِهِ) عبَّر في التَّرجمة بلفظ: «الذَّبح» وفي الحديث بلفظ: «النَّحر» إشارةً إلى رواية سليمان بن بلالٍ الآتية _إن شاء الله تعالى(5)_ في «باب ما يأكل من البُدْن وما يُتصدَّق» [خ¦1720] ولفظه: «فدُخِل علينا يوم النَّحر بلحم بقرٍ، فقلت: ما هذا؟ فقِيل: ذبح النَّبيُّ صلعم عن أزواجه» ونحر البقر جائزٌ عند العلماء، لكنَّ الذَّبح مُستحَبٌّ لقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً}[البقرة:67] واستفهام عائشة عن اللَّحم لمَّا دُخِل به عليها استدلَّ به(6) المؤلِّف لقوله: بغير أمرهَّن لأنَّه لو كان الذَّبح بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام(7)، لكنَّ ذلك ليس دافعًا لاحتمال أن يكون تقدَّم علمها(8) بذلك، فيكون وقع استئذانهنَّ في ذلك، لكن لمَّا أُدخِل اللَّحم عليها احتمل أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك، فاستفهمت عنه لذلك، قاله في «فتح الباري»(9)، وقال النَّوويُّ: هذا محمولٌ على أنَّه استأذنهنَّ؛ لأنَّ التَّضحية عن الغير لا تجوز إلَّا بإذنه، وقال البرماويُّ: وكأنَّ البخاريَّ عمل(10) بأنَّ الأصلَ عدمُ الاستئذان.
          (قَالَ يَحْيَى) أي: ابن سعيدٍ الأنصاريُّ بالسَّند المذكور إليه(11) (فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسِمِ) بن محمَّد ابن أبي بكرٍ الصِّدِّيق (فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ) أي: ساقته لك سياقًا تامًّا، ولم تختصر منه شيئًا، ولا غيَّرته بتأويلٍ.
          وهذا الحديث أخرجه في «الحجِّ» [خ¦1720] و«الجهاد» [خ¦2952]، ومسلمٌ في «الحجِّ» وكذا النَّسائيُّ.


[1] «بقين»: ليست في (ص) و(م).
[2] «أي»: مثبتٌ من (م).
[3] في (د): «ثالثه»، وهو تحريفٌ.
[4] في (م): «قالوا»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[5] «تعالى»: ليس في (ب).
[6] «به»: ليس في (ص).
[7] في (د): «استفهام».
[8] في (ص): «عليها»، وهو تحريفٌ.
[9] في غير (ص) و(م): «الفتح».
[10] في (م): «تحمَّل»، وهو تحريفٌ.
[11] «بالسَّند المذكور إليه»: ليس في (م).