إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس

          1684- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ) بكسر الميم وسكون النُّون الأنماطيُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبيعيِّ قال: (سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ) بالتَّنوين، و«عَمْرو» _بفتح العين وسكون الميم_ ابن مهران البصريَّ (يَقُولُ: شَهِدْتُ عُمَرَ) بن الخطَّاب ( ☺ صَلَّى بِجَمْعٍ) بالمزدلفة (الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ) بالمشعر الحرام (فَقَالَ: إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ) بضمِّ أوَّله من الإفاضة، أي: لا يدفعون من المزدلفة إلى منىً (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) وعند الطَّبريِّ من رواية عبيد الله بن موسى عن سفيان: حتَّى يروا الشَّمس على ثَبْيرٍ (وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ) بفتح الهمزة وسكون الشِّين المعجمة وكسر الرَّاء وجزم القاف، فعل أمرٍ مِنَ الإشراق، وثَبِيرُ: بفتح المُثلَّثة وكسر المُوحَّدة والضَّمِّ منادى حُذِف منه حرف النِّداء، وزاد أبو الوليد عن شعبة عند الإسماعيليِّ: كيما نُغير، وفي بعض الأصول: «ثُبَيرْ» كـ «نُغَيرْ»(1) لإرادة السَّجع، قال النَّوويُّ: هو جبلٌ عظيمٌ بالمزدلفة‼ على يسار الذَّاهب إلى منًى ويمين الذَّاهب على عرفاتٍ، وإنَّه المذكور في صفة الحجِّ والمراد في مناسك الحجِّ. انتهى. ومراده: ما ذُكِرَ في المناسك أنَّه يُستَحبُّ المبيت بمنًى ليلة تاسع ذي(2) الحجَّة، فإذا طلعت الشَّمس وأشرقت على ثبيرٍ، يسيرون إلى عرفاتٍ، قال صاحب «تحصيل المرام في(3) تاريخ البلد الحرام»: وهذا(4) غير مستقيمٍ لأنَّه يقتضي أنَّ ثبيرًا المذكور في صفة الحجِّ بالمزدلفة، وإنَّما هو بمنًى على ما ذكره المحبُّ الطَّبريُّ في «شرح التَّنبيه»، بل قال المجد الشِّيرازيُّ في «كتاب الوصل والمنى في بيان(5) فضل منى»: إنَّ قول النَّوويِّ مخالفٌ لإجماع أئمَّة اللُّغة والتَّواريخ، وقال في «القاموس»: وثبير الأَثْبِرة(6)، وثَبيرُ الخضراءِ، والنِّصْع، والزِّنْج، والأعرج، والأحدب، وغَيْنَاء: جبالٌ بظاهر مكَّة. انتهى. وسُمِّي برجلٍ من هُذَيلٍ اسمه: ثَبيرٌ دُفِن به(7)، والمعنى: لتطلع عليك الشَّمس، و«كيما نغير» _بالنُّون_ أي: نذهب سريعًا، يُقال: أغار يغير إذا أسرع في العَدْوِ، وقِيل: نغير على لحوم الأضاحي، أي: ننهبها.
          (وَأَنَّ النَّبِيَّ صلعم ) بفتح همزة «أَنَّ» وفي بعض النُّسخ: بكسرها (خَالَفَهُمْ) فأفاض حين أسفر قبل طلوع الشَّمس (ثُمَّ أَفَاضَ) أي: النَّبيُّ صلعم ، أو ابن مسعودٍ(8)، والمعتمد الأوَّل لعطفه على قوله: «خالفهم»، وفي حديث جابرٍ الطَّويل عند مسلمٍ: فلم يزل واقفًا؛ أي(9): عند المشعر الحرام حتَّى أسفر جدًّا فدفع (قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ) ولابن خزيمة عن ابن عبَّاسٍ: فدفع رسول الله صلعم حين أسفر كلُّ شيءٍ قبل أن تطلع الشَّمس، وهذا مذهب الشَّافعيِّ والجمهور، وقال مالكٌ في «المُدونَّة»: ولا يقف أحدٌ به، أي: بالمشعر الحرام إلى طلوع الفجر والإسفار، ولكن يدفع قبل ذلك، وإذا أسفر ولم يدفع الإمام دفع النَّاس وتركوه، واحتجَّ له بعض أصحابه بأنَّ النَّبيَّ(10) صلعم لم يعجِّل الصَّلاة مغلسًا إلَّا ليدفع قبل الشَّمس، فكلَّما بَعُد دفعه من طلوع الشَّمس كان أَولى، وهذا موضع التَّرجمة.


[1] «كنُغَير»: ليس في (م).
[2] «ذي»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[3] في (ص) و(م): «من».
[4] في (د): «وهو».
[5] «الوصل والمنى في بيان»: ليس في (م).
[6] في (د) و(م): «الأثير»، والمثبت موافقٌ لما في «القاموس».
[7] «وسُمِّي برجلٍ من هذيلٍ اسمه ثبيرٌ، دُفِن به»: ليس في (ص) و(م).
[8] هكذا في الأصول، وبهامش (ب): لعل صوابه: «عمر».
[9] «أي»: ليس في (د).
[10] في (ص): «بالنَّبيِّ».