إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت

          1641- 1642- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى) التُّسْتَريُّ المصريُّ الأصل، قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ) بفتح العين وسكون الميم (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ القُرَشِيِّ: أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ) بن العوَّام، حذف المؤلِّف المسؤولَ عنه، وقد بيَّنه مسلمٌ فقال‼: إنَّ رجلًا من العراق قال لي: سل عروة عن رجلٍ يهلُّ بالحجِّ، فإذا طاف أيحلُّ(1) أم لا؟ فإن قال لك: لا يحلُّ فقل له: إنَّ رجلًا يقول ذلك، فسألته فقال: لا يحلُّ من أهلَّ بالحجِّ إلَّا بالحجِّ، قلت: فإنَّ رجلًا كان يقول ذلك، قال: بئسما قال، فتصدَّى لي الرَّجل فسألني فحدَّثته قال: فقل له: إنَّ رجلًا كان يخبر: أنَّ رسول الله صلعم قد فعل ذلك، وما شأن أسماء والزُّبير فعلا ذلك؟ فجئت عروة، فذكرت له ذلك، فقال: من هذا؟ فقلت(2): لا أدري، فقال: ما باله لا يأتيني بنفسه يسألني، أظنُّه عراقيًّا، قلت: لا أدري، قال: فإنَّه قد كذب (فَقَالَ: قَدْ) ضُبِّب في «اليونينيَّة» على لفظ: «قد»(3) (حَجَّ النَّبيُّ(4) صلعم ، فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ ♦ ) الفاء في «فأخبرتني» كالتَّفصيل للمجمل؛ يعني: فأخبر عروة: أنَّ النَّبيِّ صلعم قد حجَّ، ثمَّ فصَّله بإخبار عائشة (أَنَّ(5) أَوَّل شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ) مكَّة (أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ) ليس فيه دلالةٌ على اشتراط الوضوء إلَّا إذا انضمَّ إليه قوله صلعم : «خذوا عنِّي مناسككم» المرويُّ في «مسلمٍ» (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةًٌ) بالرَّفع على أنَّ «كان» تامَّةٌ، أي: لم توجد بعد الطَّواف عمرةٌ، ولغير أبي ذرٍّ: ”عمرةً“ بالنَّصب على أنَّها ناقصةٌ (ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق ( ☺ ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالبَيْتِ) بنصب «أوَّلَ» خبر «كان»، ورفع «الطَّوافُ» اسمها (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةًٌ) بعد الطَّواف، و«عمرةًٌ»: بالرَّفع والنَّصب (ثُمَّ) حجَّ (عُمَرُ) بن الخطَّاب ( ☺ مِثْلُ ذَلِكَ) برفع «مثلُ» أي: مثل ما حجَّ أبو بكرٍ (ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ) بن عفَّان ( ☺ ، فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالبَيْتِ) برفع «أوَّلُ» و«الطَّوافُ» كما في فروعٍ من(6) «اليونينيَّة» كهي(7)، مبتدأٌ وخبرٌ في موضع نصبٍ مفعولٌ ثانٍ لـ «رأى» القلبيَّة، وفي بعض الأصول: ”أوَّلَ شيءٍ بدأ به الطَّوافَ“ بنصب «أوَّلَ» بدلٌ من الضَّمير، والطَّواف: مفعولٌ ثانٍ لـ «رأيته» والأوَّل الضَّمير؛ كذا أعربه البرماويُّ والعينيُّ كالكِرمانيِّ، وفيه نظرٌ لأنَّ «رأى» البصريَّة لا تتعدَّى لمفعولين، لكن يحتمل أن تكون بمعنى «تيقَّنت» فتتعدَّى(8) لهما (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةًٌ) بالرَّفع والنَّصب، وقوله: «ثمَّ حجَّ عثمان» هو من قول عروة، وما قبله من قول عائشة _فيما قاله الدَّاوديُّ_ وقال أبو عبد الملك: منتهى حديث عائشة عند قوله: «ثمَّ لم تكن عمرة»، ومن قوله: «ثمَّ حجَّ أبو بكرٍ...» إلى آخره من كلام عروة. انتهى. قال الحافظ ابن حجرٍ: فعلى هذا يكون بعض هذا منقطعًا لأنَّ عروة لم يدرك(9) أبا بكرٍ ولا عمر، نعم أدرك عثمان، وعلى قول الدَّاوديِّ: يكون الجميع متَّصلًا. وهو الأظهر.
          (ثُمَّ) حجَّ (مُعَاوِيَةُ) بن أبي سفيان (وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ) بن الخطَّاب (ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ ابن الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ) كذا للكُشْمِيْهَنِيِّ: ”ابن الزُّبير“ يعني: أخاه عبد الله‼، قال عياضٌ / : وهو تصحيفٌ، وللمُستملي والحَمُّويي(10): ”مع أبي الزُّبير“ وهو الصَّواب، والمعنى: قال عروة: ثمَّ حججت مع والدي الزُّبير(11)، فـ «الزُّبير»: بدلٌ من «أبي» (فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةًٌ) بالرَّفع، ولأبي ذرٍّ: بالنَّصب(12) (ثُمَّ رَأَيْتُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ) ولأبي ذرٍّ: ”ثمَّ لا تكون“ (عُمْرَةًٌ) بالرَّفع والنَّصب(13) (ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةً) أي: لم يفسخها إلى العمرة، قال أبو عبد الله الأُبِّيُّ: وإكثار عروة من الاحتجاجات يشبه أن يكون احتجاجًا بعملٍ أو إجماعٍ (وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ فَلَا يَسْأَلُونَهُ) أي: أفلا يسألونه؟ فهمزة الاستفهام مُقدَّرةٌ (وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى) عُطِف على فاعل «لم ينقضها» أي: لا ابن عمر ولا أحدٌ من السَّلف الماضين (مَا كَانُوا يَبْدَؤُوْنَ بِشَيْءٍ حِيْنَ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ مِنَ الطَّوَافِ بِالبَيْتِ) قال ابن بطَّالٍ: لا بدَّ من زيادة لفظ: «أوَّل» بعد لفظ: «أقدامهم» وتعقَّبه الكِرمانيُّ فقال: الكلام صحيحٌ بدون زيادةٍ؛ إذ معناه: ما كان أحدٌ منهم يبدأ بشيءٍ آخر حين يضع قدمه في المسجد لأجل الطَّواف، أي: لا يصلُّون تحيَّة المسجد ولا يشتغلون بغير الطَّواف، وأمَّا كون «من» بمعنى «لأجل» فهو كثيرٌ، قال الحافظ ابن حجرٍ: وحاصله: أنَّه لم يتعيَّن حذف لفظ «أوَّل»، بل يجوز أن يكون الحذف في موضع آخر، لكنَّ الأوَّل أَولى لأنَّ الثَّاني يحتاج إلى جعل «من» بمعنى «من أجل»، وهو قليلٌ، وأيضًا: فلفظ: «أوَّل» قد ثبت في بعض الرِّوايات، وثبت أيضًا في مكانٍ آخر من الحديث نفسه. انتهى. وتعقَّبه العينيُّ بأنَّ جعله «من»(14) بمعنى: «من أجل» قليلًا غيرُ مُسلَّمٍ، بل هو كثيرٌ في الكلام: لأنَّ أحد معاني «مِنْ» التَّعليلُ كما عُرِف في موضعه، وقوله: وأيضًا فقد ثبت لفظ: «أوَّل» في بعض الرِّوايات مُجرَّد دعوى فلا يُقبَل إلَّا ببيانٍ. انتهى. وفي رواية الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”حتَّى يضعوا“ نُصِب بحذف النُّون من «يضعوا» بـ «أن» مُقدَّرةً بعد «حتَّى» التي للغاية، وهي أوضح في المعنى. (ثُمَّ لَا يَحِلُّونَ) فيه: أنَّه(15) لا يجوز التَّحلُّل بطواف القدوم (وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي) أسماء (وَخَالَتِي) عائشة بنتَيْ(16) أبي بكرٍ الصِّدِّيق ♥ (حِينَ تَقْدَمَانِ لَا تَبْتَدِئَانِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنَ البَيْتِ، تَطُوفَانِ بِهِ، ثُمَّ لَا تَحِلاَّنِ) أي(17): سواءٌ كان إحرامهما بالحجِّ وحده أو بالقِران خلافًا لمن قال: إنَّ من حجَّ مفردًا وطاف حلَّ بذلك كما نُقِل عن ابن عبَّاسٍ، ولأبي ذرٍّ: ”ثمَّ إنَّهما لا تحلَّان“ فزاد لفظ: «إنَّهما»، والأفعال الأربعة بالمُثنَّاة الفوقيَّة، وفي بعض الأصول: بالتَّحتيَّة.
          (وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي) أسماء (أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا) عائشة (وَالزُّبَيْرُ) بن العوَّام (وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ) هما عبد الرَّحمن بن عوفٍ وعثمان بن عفَّان (بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ) الأسود (حَلُّوا) من العمرة، قال المازريُّ(18)‼: والمراد بالمسح الطَّواف، وعبَّر عنه ببعض ما يُفعَل فيه، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة:
فلمَّا قضينا من منًى كلَّ حاجةٍ                     ومسَّح بالأركان مَن هو(19) ماسحُ
          لأنَّ الطَّائف إنَّما يمسح الحجر الأسود، فكنَّى بالمسح، ويحتمل أن يكون متأوَّلًا بأنَّ المراد: طافوا وسعوا وحلقوا؛ حلُّوا، وحُذِفت هذه المُقدَّرات اختصارًا للعلم بها.


[1] في غير (د): «يحلُّ»، والمثبت موافقٌ لما في «صحيح مسلمٍ».
[2] في (ص): «فقال»، والمثبت موافقٌ لما في «صحيح مسلمٍ».
[3] قوله: «ضُبِّب في اليونينيَّة على لفظ: قد»، ليس في (د) و(م).
[4] في (ب) و(س): «رسول الله».
[5] في (د): «أنَّه»، وكذا في «اليونينيَّة»، وفي نسخةٍ في هاش (د) كالمثبت.
[6] «من»: مثبتٌ من (م).
[7] «كهي»: ليس في (م).
[8] في غير (ب) و(س): «فيتعدَّى».
[9] «يدرك»: سقط من (ص).
[10] «والحمُّويي»: ليس في (م).
[11] «الزُّبير»: ليس في (د).
[12] في (د): «بالرَّفع والنَّصب».
[13] «بالرَّفع والنَّصب»: ليس في (م).
[14] «من»: ليس في (ص).
[15] في (د): «أي».
[16] في (د): «بنت».
[17] «أي»: مثبتٌ من (ص) و(م).
[18] في (د): «المارزيُّ»، وهو تصحيفٌ.
[19] في غير (د): «منهنَّ». وبهامش (ب): الذي في المعاهد [معاهد التنصيص على شواهد التلخيص2/134]: «من هو ماسح»، ونسب أبيات القصيدة التي منها هذا البيت لكُثَير عزة، ثم قال: وقيل: لابن الطثرية، وقيل لعقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى. قاله نصر الهوريني.