إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الناس كائن بينهم قتال وإنا نخاف أن يصدوك

          1640- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بن سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ☻ أَرَادَ الحَجَّ عَامَ نَزَلَ) أي(1): في عام نزل (الحَجَّاجُ) بن يوسف الثَّقفيُّ (بِابْنِ الزُّبَيرِ) ملتبسًا(2) به على وجه المقاتلة بمكَّة، وذلك أنَّه لمَّا مات معاوية بن يزيد بن معاوية، ولم يكن استخلف بقي النَّاس بلا خليفةٍ شهرين وأيَّامًا، فاجتمع رأي أهل الحلِّ والعقد من أهل مكَّة فبايعوا عبدَ الله بن الزُّبير، وبايع أهل الشَّام ومصر مروان بن الحكم، ثمَّ لم يزل الأمر كذلك إلى أن تُوفِّي مروان ووُلِّي ابنه عبد الملك، فمنعَ النَّاسَ الحجَّ خوفًا أن يبايعوا ابن الزُّبير، ثمَّ بعث جيشًا أمَّر عليه الحجَّاج، فقدم مكَّة، وأقام الحصار من أوَّل شعبان سنة اثنتين وسبعين بأهل مكَّة إلى أن غلب عليهم، وقتل ابن الزُّبير وصلبه. (فَقِيلَ لَهُ) أي(3): لابن عمر، والقائل له ابناه عبد الله وسالمٌ كما في «مسلمٍ»: (إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ) برفع «قتالٌ» فاعلٌ، ويجوز النَّصب على التَّمييز، والجملة في موضع رفع خبر «إنَّ» (وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ) عن البيت (فَقَالَ) ابن عمر: ({لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21] إِذن أَصْنَعَ) نُصِب بـ «إذًا»، وهي حرف جزاءٍ وجوابٍ، وقِيل: اسمٌ، والأصل في: إذًا أكرمك: إذا جئتني أكرمك، ثمَّ حُذِفت الجملة وعُوِّض التَّنوين عنها وأُضمِرت «أن»، وعلى الأوَّل: فالأصحُّ أنَّها بسيطةٌ لا مُركَّبةٌ من «إذ» و«أن»، وعلى البساطة: فالصَّحيح أنَّها النَّاصبة لا «أن» مضمرةٌ بعدها، وتنصب المضارع بشروطٍ: أن تكون مُصدَّرةً، وأن يكون الفعل متَّصلًا بها أو منفصلًا بقَسَمٍ، وأن يكون مستقبلًا، يُقال: سآتيك غدًا، فتقول: إذًا أكرمك وإذًا والله أكرمك، فتنصب فيهما، وترفع وجوبًا إن قلت: أنا إذًا أكرمُك، لعدم تصدُّرها، وإذًا _يا عبد الله_ أكرمُك للفصل بغير القسم، أو حدَّثك إنسانٌ حديثًا فقلت: إذًا تصدق لعدم الاستقبال، وقد ظهر ممَّا ذُكِر: أنَّ «أصنعَ» هنا منصوبٌ لأنَّ إذن مُصدَّرةٌ و«أصنعَ» متَّصلٌ بها مستقبلٌ، وأنَّ قول العينيِّ: إذا كان فعلها مستقبلًا وجب الرَّفع _كما هو(4) هنا_ سهوٌ أو سبق(5) قلمٍ، والمعنى: إن صُدِدت عن البيت أصنع (كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) من التَّحلُّل حين حُصِر بالحديبية (إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً) كما أوجبها النَّبيُّ صلعم في قصَّة الحديبية (ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا(6) كَانَ بِظَاهِرِ البَيْدَاءِ) موضعٌ بين مكَّة والمدينة قدَّام ذي الحليفة (قَالَ: مَا شَأْنُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ) بالرَّفع، أي: واحدٌ في حكم الحصر، وإنَّه إذا كان التَّحلُّل للحصر جائزًا(7) في العمرة _مع أنَّها غير محدودةٍ بوقتٍ_ فهو في الحجِّ أجوز، وفيه: العمل بالقياس‼ (أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي، وَأَهْدَى) بفتح الهمزة فعلٌ ماضٍ من الإهداء (هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ) بقافٍ مضمومةٍ ودالين مهملتين بينهما تحتيَّةٌ ساكنةٌ مُصغَّرًا: موضعٌ قريبٌ من الجحفة، زاد في «باب من اشترى هديه من الطَّريق وقلَّده» [خ¦1708]: حتَّى قدم، فطاف بالبيت وبالصَّفا؛ أي(8): إلى أن قدم مكَّة فطاف بالبيت (9) للقدوم وبالصَّفا (وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ) أي: حرم من أفعاله، وهي المُحرَّمات السَّبع (وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، فَنَحَرَ وَحَلَقَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى) أي: أدَّى (طَوَافَ الحَجِّ، وَالعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ) الذي طافه يوم النَّحر للإفاضة بعد الوقوف بعرفة، فهو مراده(10) بـ «الأوَّل»، قال في «اللَّامع»: لأنَّ «أوَّل»(11) لا يحتاج أن يكون بعده شيءٌ، فلو قال: أوَّل عبدٍ يدخل فهو حرٌّ فلم يدخل إلَّا واحدٌ عُتِق، والمراد: أنَّه لم يجعل للقِران طوافين بل اكتفى بواحدٍ، وهو مذهب الشَّافعيِّ وغيره خلافًا للحنفيَّة، وقال بعضهم: المراد بالطَّواف الأوَّل: الطَّواف بين الصَّفا والمروة، وأمَّا الطَّواف / بالبيت _وهو طواف الإفاضة_ فهو ركنٌ، فلا يُكتفَى عنه بطواف القدوم في القران ولا في الإفراد (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ☻ : كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) وهذا موضع التَّرجمة.


[1] «أي»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[2] في (ب) و(س): «متلبِّسًا».
[3] «أي»: ليس في (د).
[4] «هو»: ليس في (ص).
[5] «أو سبق»: ليس في (د).
[6] «إذا»: ليس في (ص).
[7] في (ج): «جائزٌ».
[8] «أي»: ليس في (م).
[9] «وبالصَّفا، أي: إلى أن قدم مكَّة فطاف بالبيت»: سقط من (د).
[10] في (د): «فمراده».
[11] في (د): «الأوَّل».