إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: سقيت رسول الله من زمزم فشرب وهو قائم

          1637- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ(1) ابْنُ سَلَامٍ) بتخفيف اللَّام البيكنديُّ، ولأبي ذرٍّ: ”ابن سلَّامٍ“ بتشديدها حيث وقع، قال: (أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ) مروان بن معاوية‼ (عَنْ عَاصِمٍ) هو ابن سليمان الأحول (عَنِ الشَّعْبِيِّ) بفتح المعجمة وسكون المهملة عامر بن شراحيل (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ☻ حَدَّثَهُ قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ، وَهُوَ قَائِمٌ) فيه: الرُّخصة في الشُّرب قائمًا، واستحباب الشُّرب من ماء زمزم، قال ابن المُنيِّر: وكأنَّه عنوانٌ عن(2) حسن العهد وكمال الشَّوق، فإنَّ العرب اعتادت الحنين إلى مناهل الأحبَّة، وموارد أهل المودَّة، وزمزم هو منهل أهل البيت، فالمحترق عليها والمتعطِّش إليها قد أقام شعار المحبَّة، وأحسن العهد للأحبَّة، ولهذا(3) جعل التَّضلُّع منها علامةً فارقةً بين الإيمان والنِّفاق، ولله درُّ القائل:
وما شرقي بالماء إلَّا تذكُّرًا                     لماءٍ به أهلُ الحبيب نُزولُ
          وقال آخر:
يقولون: مِلْحٌ ماءُ فلجةَ آجنٌ                     أَجَلْ هُو مَملوحٌ إلى القلب طيِّبُ
          وقال آخر:
بالله قولوا لنيل مصـرٍ                     بأنِّني عنه في غناءِ
بزمزم العذب عند بيتٍ                     مُعلَّق السِّتر بالوفاءِ
وروى الفاكهيُّ وغيره عن ابن عبَّاسٍ: صلُّوا في مصلَّى الأخيار، واشربوا من شراب الأبرار، قِيل: وما مُصلَّى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب، قِيل: فما شراب الأبرار؟ قال: زمزم.
          (قَالَ عَاصِمٌ) الأحول: (فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ) مولى ابن عبَّاسٍ: والله(4) (مَا كَانَ) صلعم (يوْمَئِذٍ) أي: يوم سقاه ابن عبَّاسٍ من ماء زمزم (إِلَّا) راكبًا (عَلَى بَعِيرٍ) ولابن ماجه من هذا الوجه: قال عاصمٌ: فذكرت ذلك لعكرمة، فحلف بالله ما فعل، أي: ما شرب قائمًا لأنَّه حينئذٍ كان راكبًا، لكن عند أبي داود من رواية عكرمة / عن ابن عبَّاسٍ: أنَّه أناخ فصلَّى ركعتين، فلعلَّ شربه من ماء زمزم كان بعد ذلك، ولعلَّ عكرمة إنَّما أنكر شربه قائمًا لنهيه عنه، لكن ثبت عن عليٍّ عند البخاريِّ [خ¦5615]: أنَّه صلعم شرب قائمًا، فيُحمَل على بيان الجواز، قاله في «فتح الباري».
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «الأشربة» [خ¦5617]، وكذا التِّرمذيُّ.


[1] «هو»: ليس في (د).
[2] في (د): «على».
[3] في (د): «ولذا».
[4] في (ص) و(م): «بالله».