إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: رأيت رسول الله يستلمه ويقبله

          1611- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) زاد أبو الوقت: ”ابن زيدٍ“ (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ) براءٍ مهملةٍ مفتوحةٍ بعدها مُوحَّدةٌ ثمَّ مُثنَّاةٌ تحتيَّةٌ مُشدَّدةٌ، لا الزُّبير بن عديٍّ كما سيأتي(1) قريبًا إن شاء الله تعالى (قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ) هو الزُّبير الرَّاوي _كما عند أبي داود الطَّيالسيِّ_ عن حمَّادٍ، حدَّثنا الزُّبير: سألت (ابْنَ عُمَرَ) بن الخطَّاب ( ☻ عَنِ اسْتِلَامِ الحَجَرِ) الأسود (فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَسْتَلِمُهُ) بأن يمسَّه بيده (وَيُقَبِّلُهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ) ولأبي الوقت: ”وقال: أرأيت“ (إِنْ زُحِمْتُ) أنا؟ بضمِّ الزَّاي مبنيًّا للمفعول، وفي بعض الأصول: ”إن زُوحِمت“ بالواو (أَرَأَيْتَ إِنْ غُلِبْتُ) أنا؟ بضمِّ الغين مبنيًّا للمفعول، أخبرني ما أصنع؛ هل لا بدَّ من استلامي له في هذه الحالة؟ (قَالَ) ابن عمر: (اجْعَلْ) لفظ (أَرَأَيْتَ) حال كونك (بِاليَمَنِ) أي: اتَّبع السُّنَّة واترك الرَّأي، وكأنَّه فهم عنه من كثرة السُّؤال التَّدريج إلى التَّرك المؤدِّي إلى عدم الاحترام والتَّعظيم المطلوب شرعًا، ثمَّ(2) قال ابن عمر: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ) ظاهره: أنَّ ابن عمر لم ير الزِّحام عذرًا في ترك الاستلام، وروى سعيد بن منصورٍ من طريق القاسم بن محمَّدٍ قال: رأيت ابن عمر يزاحم على الرُّكن حتَّى يدمى، ونقل ابن الرِّفعة: أنَّه تُكرَه المزاحمة، قال ابن جماعة: وفي إطلاقه نظرٌ؛ فإنَّ الشَّافعيَّ قال في «الأمِّ»: إنَّه لا يحبُّ(3) الزِّحام إلَّا في بدء الطَّواف وآخره، والذي يظهر لي أنَّه أراد الزِّحام الذي لا يؤذي، وعن عبد الرَّحمن بن الحارث قال(4): قال رسول الله صلعم لعمر ☺ : «يا أبا حفصٍ إنَّك رجلٌ قويٌّ، فلا تزاحم على الرُّكن؛ فإنَّك تؤذي الضَّعيف، ولكن إن وجدت خلوةً فاستلمه، وإلَّا فكبِّر وامضِ»‼ رواه الشَّافعيُّ وأحمد وغيرهما، وهو مرُسَلٌ جيِّدٌ، ولو أُزيل الحجر _والعياذ بالله_ قبَّل موضعه واستلمه، قاله الدَّارميُّ من الشَّافعيَّة.
          ورواة هذا الحديث الخمسة بصريُّون، وفيه: التَّحديث والعنعنة والسُّؤال، وأخرجه التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ في «الحجِّ»، ووقع في رواية أبي ذرٍّ عن شيوخه عن الكرخيِّ(5) هنا: ”قال محمَّد بن يوسف الفَـِرَبْريِّ: وجدت في كتاب أبي جعفرٍ“ محمَّد بن أبي حاتمٍ ورَّاق المؤلِّف: ”قال أبو عبد الله البخاريُّ: الزُّبير بن عديٍّ“ بالدَّال والمُثنَّاة ”كوفيٌّ“ تابعيٌّ ”والزُّبير بن عربيٍّ“ بالرَّاء؛ الرَّاوي هنا ”بصريٌّ“ تابعيٌّ أيضًا، وفيه تنبيهٌ على أنَّ ما وقع هنا عند الأَصيليِّ عن أبي أحمد الجرجانيِّ(6): ”الزُّبير بن عديٍّ“ بالدَّال وهمٌ، وأنَّ صوابه: «عربيٌّ» براءٍ؛ كذا رواه سائر الرُّواة عن الفَـِرَبْريِّ، حكاه الجيَّانيُّ، فكأنَّ البخاريَّ استشعر هذا التَّصحيف، فأشار إلى التَّحذير منه.


[1] في (ص) و(م): «يأتي».
[2] «ثمَّ»: ليس في (د).
[3] في (م): «يجب»، والمثبت موافقٌ لما في «الأمِّ».
[4] «قال»: ليس في (م).
[5] «الكرخيِّ»: ليس في (م)، وفي النُّسخ جميعها: «الكروخيِّ»، والمثبت موافقٌ لما في «الفتح» (3/566).
[6] في (س): «الجرجابيِّ»، وهو تصحيفٌ.