إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

معلق أبي معمر: كان ابن عمر إذا صلى بالغداة بذي الحليفة أمر

          1553- (وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ) بفتح الميمين بينهما مهملةٌ ساكنةٌ، هو عبد الله بن عمرٍو‼ المنقريُّ المُقعَد، وليس هو إسماعيل القطيعيُّ، فيما وصله أبو نُعيمٍ في «مستخرجه» من طريق عبَّاسٍ الدَّورقيِّ عن أبي مَعْمَرٍ، وقال: ذكره البخاريُّ بلا روايةٍ، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) بن سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) السَّختيانيُّ (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ ☻ إِذَا صَلَّى بِالغَدَاةِ) أي: صلَّى الصُّبح بوقت الغداة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”إذا صلَّى الغداة“ بإسقاط المُوحَّدة، أي: الصُّبح (بِذِي الحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ) بضمِّ الرَّاء وكسر الحاء المُخفَّفة (ثُمَّ رَكِبَ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ) راحلته قائمةً (اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ) حال كونه (قَائِمًا) أي: مستويًا على ناقته غير مائلٍ، أو وصفه بالقيام لقيام ناقته، وعند ابن ماجه وأبي عَوانة في «صحيحه» من طريق عبيد الله بن عمر عن نافعٍ(1): «كان إذا أدخل رجله في الغَرْز واستوت به ناقته قائمًا أهلَّ» (ثُمَّ يُلَبِّي) بعد أن يركب راحلته، ولا يقطع تلبيته (حَتَّى يَبْلُغَ المَحْرَمَ(2)) بميمٍ مفتوحةٍ فحاءٍ مهملةٍ ساكنةٍ فراءٍ مفتوحةٍ، ولأبي ذرٍّ وابن عساكر ق(3): ”الحرم“ أي: أرض الحرم، وفي رواية إسماعيل ابن عُليَّة: إذا دخل أدنى الحرم (ثُمَّ يُمْسِكُ) عن التَّلبية، أو المراد بالحرم: المسجد، وبالإمساك عن التَّلبية: التَّشاغل بغيرها من الطَّواف وغيره، وروى ابن خزيمة في «صحيحه» من طريق عطاءٍ قال: «كان ابن عمر يدع التَّلبية إذا دخل الحرم(4)، ويراجعها بعدما يقضي طوافه بين الصَّفا والمروة» فالأولى أنَّ المراد إذا دخل أدنى الحرم كما في رواية إسماعيل ابن عُليَّة، ولقوله بعد: (حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى) بضمِّ الطَّاء مقصورًا مُنوَّنًا، ولأبي ذرٍّ: ”طِوى“ بكسر الطَّاء غير مصروفٍ(5)، وصُحِّح على عدم الصَّرف، كذا(6) في «اليونينيَّة»، ونسب الحافظ ابن حجرٍ كسر الطَّاء لتقييد الأَصيليِّ، وفي «القاموس»: تثليثها(7)، وقال الكِرمانيُّ: الفتح أفصح، وهو وادٍ معروفٌ بقرب مكَّة في صوب طريق العمرة ومساجد عائشة، ويُعرَف اليوم ببئر الزَّاهر، فجعل غاية الإمساك الوصول إلى ذي طُوًى، ومذهب الشَّافعيَّة والحنفيَّة: يمتدُّ وقت التَّلبية إلى شروعه في التَّحلُّل رميًا أو غيره، قال الرَّافعيُّ: ولذلك نقول: المعتمر يقطعها إذا افتتح الطَّواف، وفي «الصَّحيحين» عن الفضل بن عبَّاسٍ قال: «كنت رديف النَّبيِّ صلعم من جَمْع إلى منًى، فلم يَزَلْ يلبِّي حتَّى رمى جمرة العقبة» [خ¦1544] وروى أبو داود عن ابن عبَّاسٍ عن النَّبيِّ صلعم قال: يلبِّي المعتمر حتَّى يستلم الحجر، وعند المالكيَّة خلافٌ: هل يقطع التَّلبية حين(8) يبتدئ الطَّواف أو إذا دخل مكَّة؟ والأوَّل في «المُدوَّنة»، والثَّاني في «الرِّسالة»، وشهَّره ابن بشيرٍ، ونقل الكِرمانيُّ أنَّ في بعض الأصول: ”حتَّى إذا حاذى طُوًى“ بحاءٍ مهملةٍ مِنَ المحاذاة، وحذف كلمة: «ذي»، قال: والصَّحيح هو الأوَّل‼؛ لأنَّ اسم / الموضع «ذو طُوًى» لا «طُوًى» فقط (بَاتَ بِهِ) أي: بذي طُوًى (حَتَّى يُصْبِحَ) أي(9): إلى أن يدخل في الصَّباح (فَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ) الصُّبح، وجواب «إذا» قوله: (اغْتَسَلَ) لدخول مكَّة.
          (وَزَعَمَ) وفي رواية ابن عُلَيَّة عن أيُّوب: ويحدِّث (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم فَعَلَ ذَلِكَ) المذكور من البيتوتة والصَّلاة والغسل.
          (تَابَعَهُ) أي: تابع عبدَ الوارث (إِسْمَاعِيلُ) ابن عُليَّة (عَنْ أَيُّوبَ) السَّختيانيِّ (فِي الغَسْلِ) بفتح الغين المعجمة، ولأبي ذرٍّ: ”في الغُسل“ بضمِّها، أي: وغيره، لكن من غير مقصود التَّرجمة لأنَّ هذه المتابعة وصلها المؤلِّف بعد أبوابٍ [خ¦1573]: عن يعقوب بن إبراهيم قال: حدَّثنا ابن عليَّة به، ولم يقتصر على الغسل، بل ذكره كلَّه إلَّا القصَّة الأولى، وأوَّله: «كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التَّلبية» والباقي مثله، نبَّه عليه(10) في «الفتح»، ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «فإذا استوت به استقبل القبلة»، والله أعلم.


[1] زيد في (د): «قال».
[2] في (د): «الحرم».
[3] «ق»: ليس في (د) و(م).
[4] في (د): «المحرم».
[5] في غير(ص) و(م): «منصرفٍ».
[6] «كذا»: مثبتٌ من (م).
[7] في (د): «بتثليثها».
[8] في (م): «حتى».
[9] «أي»: ليس في (د).
[10] في (د): «على ذلك».