إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر

          846- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبيُّ، وللأَصيليِّ‼: ”قال عبد الله بن مسلمة“ (عَنْ مَالِكٍ) إمام دار الهجرة (عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ) بتصغير العبد في الأوَّل، وضمِّ العين وإسكان المُثنِّاة الفوقيَّة في الثَّالث (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا) أي: لأجلنا (رَسُولُ اللهِ) وللأَصيليِّ وأبي ذَرٍّ: ”صلِّى لنا النَّبيُّ“ ( صلعم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ) بحاءٍ مضمومةٍ ودالٍ مفتوحةٍ مُهمَلةٍ مُخفَّفة الياء عند بعض المحقِّقين، وهو الَّذي في الفرع، مُشدَّدةٍ عند أكثر المحدِّثين؛ موضعٌ على نحو مرحلةٍ من مكَّة سُمِّي ببئرٍ هناك، وبه كانت بيعة الرِّضوان تحت الشَّجرة سنة ستٍّ من الهجرة (عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ) بضمير التَّأنيث، عائدٌ إلى «سماءٍ»، و«إِثْر» بكسر الهمزة وإسكان المُثلَّثة في الفرع، ويجوز فتحهما(1)، أي: على أثر مطرٍ كانت(2) (مِنَ اللَّيْلَةِ) ولأبي ذَرٍّ: ”من اللَّيل“ (فَلَمَّا انْصَرَفَ) ╕ من الصَّلاة (أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ) بوجهه الشَّريف (فَقَالَ) لهم: (هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟) استفهامٌ على سبيل التَّنبيه (قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) بما قال (قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ) الكفر الحقيقيَّ لأنَّه قابله بالإيمان حقيقةً لأنَّه اعتقد ما يفضي إلى الكفر، وهو اعتقاد أنَّ الفعل للكوكب، وأمَّا من اعتقد أنَّ الله هو خالقه ومخترعه، وهذا ميقاتٌ له وعلامةٌ بالعادة فلا يكفر، أو المراد: كفر(3) النِّعمة لإضافة الغيث إلى الكوكب، قال الزَّركشيُّ: والإضافة في «عبادي» للتَّغليب، وليست للتَّشريف كهي في قوله: { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }[الحجر:42] لأنَّ الكافر ليس من أهله، وتعقَّبه في «المصابيح» فقال: التَّغليب على / خلاف الأصل، ولِمَ لا يجوز أن تكون الإضافة لمُجرَّد الملك؟ (فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ) بالتَّنوين، وللأربعة: ”مؤمنُ“ بغير تنوينٍ، وثبت قوله: «بي» لأبي ذَرٍّ، وسقطت لغيره، وسقطت واو «وكافرٌ» لابن عساكر وأبي ذَرٍّ (وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا) بفتح النُّون وسكون الواو، في آخره همزةٌ، أي: بكوكب كذا وكذا، سمَّى نجوم منازل القمر أنواءً، وسُمِّي نوءًا لأنَّه ينوء طالعًا عند مغيب مقابله بناحية المغرب، وقال ابن الصَّلاح: النَّوء ليس نفس الكوكب، بل مصدر «ناء النَّجم» إذا سقط، وقِيلَ: نهض وطلع، وبيانه: أنَّ ثمانيةً وعشرين نجمًا معروفة المطالع في أزمنة السَّنة وهي المعروفة بمنازل القمر، يسقط في كلِّ ثلاث عشرة ليلةً نجمٌ منها في المغرب، مع طلوع مقابله في المشرق، فكانوا ينسبون المطر للغارب، وقال الأصمعيُّ: للطَّالع، فتسميةُ النَّجم نوءًا تسميةٌ للفاعل بالمصدر، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”مُطِرنا بنوء كذا وكذا“ (فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ) وسقطت «الواو» لأبوي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر، وقد أجاز العلماء أن يُقال: مُطِرنا في نوء كذا‼.


[1] في (ب) و(م): «فتحها».
[2] في (د): «كان».
[3] في (د): «كفره».