إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة

          735- وبالسَّند قال: (حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبيُّ (عَنْ مَالِكٍ) إمام دار الهجرة (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن عمر بن الخطَّاب: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ) استحبابًا(1) (حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) بالحاء المُهْمَلَة والذَّال المُعجَمَة، أي: إزاءهما، ندبًا لا فرضًا خلافًا لأحمد بن سيَّارٍ المروزيِّ فيما نقله القفَّال في «فتاويه»(2)، وممَّن قال بالوجوب أيضًا الأوزاعيُّ والحُميديُّ شيخ المؤلِّف، وابن خزيمة من أصحابنا، والمراد بـ «حذو منكبيه» _كما قاله النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ» وغيره_: أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أُذنيه، وإبهاماه شحمتي(3) أُذنيه(4)، وراحتاه منكبيه (إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاة) أي: يرفعهما مع ابتداء التَّكبير، ويكون انتهاؤه مع(5) انتهائه، كما هو(6) الأصحُّ عند الشَّافعيَّة، ورجَّحه المالكيَّة، وقِيلَ: يرفع بلا تكبيرٍ، ثمَّ يبتدئ التَّكبير مع إرسال اليدين وقبل أن يرفع، وقال صاحب «الهداية» من الحنفيَّة: الأصحُّ يرفع ثمَّ يكبِّر لأنَّ الرَّفع صفةُ نفي الكبرياء عن غير الله، والتَّكبير إثباتُ ذلك له، والنَّفي سابقٌ على الإثبات كما في كلمة الشَّهادة (وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ) رفعهما أيضًا (وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ) أي(7): أراد رفعها (مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ / ) أي: حذو منكبيه (أَيْضًا) جوابٌ لقوله: «وإذا رفع رأسه» (وَقَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ) أي: رفع يديه (فِي) ابتداء (السُّجُودِ) ولا في الرَّفع منه، وهذا مذهب الشَّافعيِّ وأحمد، وقال الحنفيَّة: لا يرفع إلَّا في تكبيرة الإحرام، وهو رواية ابن القاسم عن مالكٍ، قال ابن دقيق العيد: وهو المشهور عند أصحاب مالكٍ، والمعمول به عند المتأخِّرين منهم، وأجابوا عن هذا الحديث بأنَّه منسوخٌ(8)، وقال أبو العبَّاس القرطبيُّ: مشهور مذهب مالكٍ أنَّ الرَّفع في المواطن الثَّلاثة هو آخر أقواله وأصحُّها، والحكمة في الرَّفع أن يراه الأصمُّ فيعلم دخوله في الصَّلاة كالأعمى يعلم بسماع التَّكبير، أو إشارةٌ إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود، أو ليستقبل بجميع بدنه، وقال الشَّافعيُّ: هو تعظيمٌ لله واتِّباعٌ لسُنَّة رسول الله صلعم (9).
          وفي هذا الحديث: التَّحديث والعنعنة، وأخرجه النَّسائيُّ في «الصَّلاة».


[1] «استحبابًا»: ليس في (ص) و(م).
[2] «في فتاويه»: ليس في (د).
[3] في (ب) و(س): «شحمة».
[4] في (ص): «أذنه».
[5] في (م): «عند».
[6] في (م): «في».
[7] «أي»: ليس في (د).
[8] قوله: «وأجابوا عن هذا الحديث: بأنَّه منسوخٌ» جاء في (ص) بعد قوله: «أصحُّها» الآتي.
[9] في (م): «رسوله».