إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا

          689- وبه قال: (حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) هو ابنُ أنسٍ الأصبحيُّ الإمامُ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ☺ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ) بضمِّ الصَّاد المُهْمَلَة وكسر الرَّاء، أي: سقط (عَنْهُ) أي: عن الفرس (فَجُحِشَ) بجيمٍ مضمومةٍ ثمَّ حاءٍ مُهْمَلَةٍ مكسورةٍ، أي: خُدِشَ (شِقُّهُ الأَيْمَنُ) بأنَّ قُشِرَ جلدُه (فَصَلَّى صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ) المكتوبات، وقيل: من النَّوافل (وَهْوَ) ╕ (قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا) أي: بعد أن كانوا قيامًا، وأومأ لهم ╕ بالقعود (فَلَمَّا انْصَرَفَ) ╕ من الصَّلاة (قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ) أي: ليُقتَدى (بِهِ) في الأفعال الظَّاهرة، ولذا يصلِّي الفرض خلف النَّفل، والنَّفل خلف الفرض، حتَّى الظُّهر خلف الصُّبح، والمغرب والصُّبح خلف الظُّهر في الأظهر، نعم إن اختلف فعل الصَّلاتين كمكتوبةٍ وكسوفٍ أو جنازةٍ فلا على الصَّحيح؛ لتعذُّر المُتابعَة، هذا / مذهب الشَّافعي، وقال غيره: يتابعه في الأفعال والنيَّات مطلقًا (فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا) وسقط هذا في رواية «عط»(1) (فَإِذَا) بالفاء، ولأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر: ”وإذا“ (رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا) وسقط من قوله: «وإذا صلَّى...» إلى آخره لأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر. (وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا) أي: في جميع الصَّلاة(2)، لا أن المراد منه جلوس التَّشهُّد وبين السَّجدتين؛ إذ لو كان مرادًا لقال: وإذا جلس فاجلسوا ليناسب(3) قوله: «فإذا سجد فاسجدوا» (فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ) بالرَّفع على أنَّه تأكيد لضمير الفاعل في قوله: «صلُّوا» ولأبوي ذَرٍّ والوقت: ”أجمعين“ بالنَّصب على الحال، أي: جلوسًا مجتمعين، قال البدر الدَّمامينيُّ: أو تأكيدٌ لـ «جلوسًا»، وكلاهما لا يقولُ به البصريُّون لأنَّ ألفاظ التَّوكيد معارف، أو على التَّأكيد لضميرٍ مقدَّرٍ منصوبٍ، أي: أعنيكم أجمعين.
           (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) أي: البخاريّ: (قَالَ الحُمَيْدِيُّ) بضمِّ الحاء، عبد الله بن الزُّبير المكيُّ: (قَوْلُهُ: إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا هُوَ فِي مَرَضِهِ القَدِيمِ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صلعم ) أي: في مرض موته، حال كونه (جَالِسًا وَالنَّاس خَلْفَهُ قِيَامًا) بالنَّصب على الحال، ولأبي ذَرٍّ: ”قيامٌ“ (لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالقُعُودِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ فَالآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ) وللأَصيليِّ: ”من فعل رسول الله“ ( صلعم ) أي: ممَّا كان قبله مرفوع الحكم.
          وفي رواية ابن عساكر سقط لفظ «قال أبو عبد الله» وزاد(4) في روايةٍ: ”قال الحميديُّ: هذا منسوخٌ لأنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى في مرضِه الَّذي مات فيه والنَّاس خلفه قيام لم يأمرهم بالقعود...“ إلى آخره(5).


[1] «عط»: ليس في (ص) و(م)، وفي (ب) و(س): «عطاء»، وهو تحريفٌ.
[2] في (د): «الصَّلوات».
[3] في (م): «لناسب».
[4] «وزاد»: ليس في (م).
[5] قوله: «لم يأمرهم بالقعود... إلى آخره» سقط من (د).