إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته

          647- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكيُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ) بن زيادٍ / العبديُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا) ولابن عساكر: ”أخبرنا“ (الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ) ذكوان، حال كونه (يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ) وللحَمُّويي والكُشْمِيْهَنِيِّ: ”في جماعةٍ“ (تُضَعَّفُ) بضمِّ الفوقيَّة وتشديد العين؛ أي: تُزَاد(1) (عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ) منفردًا(2) (خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا) وفي لفظٍ للبخاريِّ وغيره(3): «بخمسٍ وعشرين جزءًا» [خ¦648] ووُجِّه حذف التَّاء من «خمسًا» بتأويل الضِّعف بالدَّرجة أو بالصَّلاة، وتوضيحه: أنَّ «ضِعفًا» مُمَيَّزٌ مُذكَّرٌ، فتجب التَّاء، فأُوِّل بما ذُكِر، وقرَّره البرماويُّ _كالكِرمانيِّ_ بأنَّ التزام التَّاء حيث ذُكِر المميِّز، وإِلَّا فيستوي حذفها وإثباتها، أي: وهو هنا غير مذكورٍ، فجاز الأمران، ولأبوي ذَرٍّ(4) والوقت: ”خمسةً وعشرين ضعفًا“ بإثبات التَّاء، ومذهب الشَّافعيِّ _كما في «المجموع»_ أنَّه(5) من صلَّى في عشرةٍ(6) له(7) سبعٌ وعشرون درجةً، ومن صلَّى مع(8) اثنين كذلك‼، لكنَّ صلاة الأوَّل أكمل، وهو مذهب المالكيَّة، لكن قال ابن حبيبٍ منهم: تَفْضُلُ صلاةُ(9) الجماعةِ الجماعةَ بالكثرة وفضيلة الإمام. انتهى. وروى الإمام أحمد، وأصحاب السُّنن، وصحَّحه ابن خزيمة وغيره، من حديث أُبَيّ بن كعبٍ مرفوعًا: «صلاة الرَّجل مع الرَّجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرَّجلين أزكى من صلاته مع الرَّجل، وما كَثُرَ فهو أحبُّ إلى الله تعالى». واستُدِلَّ بالحديث على سنِّيَّة الجماعة لأنَّه أثبتَ صلاةَ الفذِّ وسمَّاها صلاةً، وهل التَّضعيف المذكور مختصٌّ بالجماعة في المسجد؟ قال في «الفتح»: جاء عن بعض الصَّحابة قصر التَّضعيف إلى خمسٍ وعشرين على التَّجمُّع(10) في المسجد العامِّ، مع تقرير الفضل في غيره، وروى سعيد بن منصورٍ بإسناد حسنٍ عن أوسٍ المعافريِّ: أنَّه قال لعبد الله بن عمرو بن العاصي: أرأيت من توضَّأ فأحسن الوضوء ثمَّ صلَّى في بيته؟ قال: حسنٌ جميلٌ، قال: فإن صلَّى في مسجد عشيرته؟ قال: خمس عشرة صلاةً، قال: فإن مشى إلى مسجد جماعةٍ فصلَّى فيه؟ قال: خمسٌ وعشرون.
           (وَذَلِكَ) أي(11): التَّضعيف المذكور سببه (أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ) من منزله (إِلَى المَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ) أي: إلَّا قصد الصَّلاة المكتوبة في جماعةٍ (لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً) بفتح المُثنَّاة التَّحتيَّة وضمِّ الطَّاء في الأوَّل وفتح الخاء في الثَّاني، قال الجوهريُّ: بالضَّمِّ: ما بين القدمين، وبالفتح: المرَّة الواحدة (إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا) بالخطوة (دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ) بضمِّ راء «رُفِعت» وحاء «حُطَّ» مبنيِّين للمفعول، «ودرجةٌ» و«خطيئةٌ» رُفِعا نائبين عن الفاعل (فَإِذَا صَلَّى) صلاةً تامَّةً (لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ) الَّذي أوقع فيه الصَّلاة من المسجد، وكذا لو قام إلى موضعٍ آخر من المسجد مع دوام نيَّة انتظاره للصَّلاة، فالأوَّل خرج مخرج الغالب، وقد مرَّ مبحث(12) ذلك في «باب من جلس في المسجد ينتظر الصَّلاة» [خ¦659] (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) أي: لم تَزَلِ الملائكة تصلِّي عليه حال كونهم قائلين: يا الله ارحمه، وزاد ابن ماجه: «اللَّهُمَّ تُبْ عليه».
           واستُنبِط منه: أفضليَّة الصَّلاة على سائر العبادات، وصالحي البشر على الملائكة، كما(13) لا يخفى (وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي) ثواب (صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ).
          ورواة هذا الحديث ما بين كوفيٍّ وبصريٍّ ومدنيٍّ، وفيه: رواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ، والتَّحديث والسَّماع والقول.


[1] «أي: تُزاد»: ليس في (د).
[2] «منفردًا»: ليس في (د).
[3] «وغيره»: مثبتٌ من (ص).
[4] في (د): «ولأبي ذَرٍّ».
[5] في (د) و(م): «أنَّ».
[6] في (ص): «جماعة» وعبارة «المجموع» (4/289): «فمن صلَّى في جماعةٍ هم عشرة آلافٍ».
[7] في (ب) و(س): «فله» والمثبت موافقٌ لما في «المجموع» (4/289).
[8] في (م): «في».
[9] «صلاة»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[10] في غير (د): «التَّجميع».
[11] «أي»: مثبتٌ من (ص)، وفي (م): «أنَّ».
[12] في (ص): «بحث».
[13] في (د): «لِما».