إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يمنعن أحدكم أو أحدًا منكم أذان بلال من سحوره

          621- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ) نسبه لجدِّه لشهرته به، واسم أبيه عبد الله بن يونس بن عبد الله بن قيسٍ التَّميميُّ اليربوعيُّ الكوفيُّ، وَصَفَه أحمدُ بشيخ الإسلام (قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ) هو ابن معاوية الجعفيُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ) بن طرخان (التَّيْمِيُّ) البصريُّ (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) عبد الرَّحمن (النَّهْدِيِّ) بفتح النُّون (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ) نُصِب على المفعوليَّة لأذان الآتي (_أَوْ) قال: (أَحَدًا مِنْكُم_ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ) أكل (سَحُورِهِ) بفتح السِّين: ما يُتسحَّر به، وبضمِّها: الفعل، كالوَضوءِ والوُضوء، وللحَمُّويي: ”من سَحَرِه“ كما في الفرع وأصله(1) ولم يذكرها الحافظ ابن حجرٍ، وقال العينيُّ: لا أعلم صحَّتها (فَإِنَّهُ) أي: بلالًا (يُؤَذِّنُ أَوْ) قال: (يُنَادِي بِلَيْلٍ) أي: فيه (لِيَرْجِعَ) بفتح المُثنَّاة‼ التَّحتيَّة وكسر الجيم المُخفَّفة مضارعُ «رَجَعَ» المتعدِّي إلى واحدٍ كقوله تعالى: { فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ }[التوبة:83] أي: ليردَّ (قَائِمَكُمْ) المتهجِّد المجتهد(2) لينام لحظةً ليصبح نشيطًا، أو يتسحَّر إن أراد الصِّيام (وَلِيُنَبِّهَ) يوقظ (نَائِمَكُمْ) ليتأهَّب للصَّلاة بالغسل ونحوه، وبه قال أبو حنيفة ومحمَّدٌ، قالا: ولابدَّ من أذانٍ آخرَ للصَّلاة لأنَّ الأوَّل ليس لها، بل لما ذكر، واحتجَّ بعضهم لذلك أيضًا بأنَّ أذان بلالٍ كان نداءً كما في الحديث: «أو ينادي» لا أذانًا، وأُجيب بأنَّ للخصم أن يقول: هو أذانٌ قبل الصَّبح أقرَّه الشَّارع، وأمَّا كونه للصَّلاة أو لفرضٍ آخر فذاك(3) بحثٌ آخر، وأمَّا رواية: «ينادي» فمُعارضَةٌ برواية: «يؤذِّن» والتَّرجيح معنا لأنَّ كلَّ أذانٍ نداءٌ ولا عكس، فالعمل برواية / : «يؤذِّن» عملٌ للرِّوايتين وجمعٌ(4) بين الدَّليلين، وهو أَوْلى من العكس إذ ليس كذلك، لا يُقال: إنَّ النِّداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان وإنَّما كان تذكيرًا أو تسحيرًا كما يقع للنَّاس اليوم، لأنَّا نقول: إنَّ هذا مُحدَثٌ قطعًا، وقد تظاهرت(5) الطُّرق على التَّعبير بلفظ الأذان، فحملُه على معناه الشَّرعيِّ مُقدَّمٌ (وَلَيْسَ) أي: قال ╕ : «وليس»(6) وفي روايةٍ: ”فليس“ (أَنْ يَقُولَ) أي: يظهر (الفَجْرُ _أَوِ الصُّبْحُ_) شكٌّ من الرَّاوي، و«الفجرُ» اسم «ليس» وخبره: «أن يقول» (وَقَالَ) أي: أشار ╕ (بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا) ولأبي ذَرٍّ: ”ورفعهما“(7) وفيه إطلاق القول على الفعل فيهما، وفي بعض الأصول: ”بإصبعه“ بالإفراد، وللكُشْمِيْهَنِيِّ من غير «اليونينيَّة»(8): ”بإصبعيه ورفعهما“ (إِلَى فَوْقُ) بالضَّمِّ على البناء (وَطَأْطَأَ) بوزن «دحرج» أي: خفض أصبعيه (إِلَى أَسْفَلُ) بضمِّ اللَّام في «اليونينيَّة» لا غير كـ «فوقُ» وقال أبو ذَرٍّ: ”إلى(9) فوقٍ“ بالجرِّ والتَّنوين لأنَّه ظرفٌ متصرِّفٌ، وبالضَّمِّ على البناء وقطعه عن الإضافة، قال في «المصابيح»: ظاهره أنَّ قَطْعَه عن الإضافة مختصٌّ بحالة(10) البناء على الضَّمِّ دون حالة تنوينه، وهو أمرٌ قد ذهب إليه بعضهم، ففرَّق بين «جئت قبلًا» و«جئت من قبلُ» بأنَّه أعرب الأوَّل لعدم تضمين(11) الإضافة، ومعناه: جئت متقدِّمًا، وبنى الثَّاني لتضمُّنها، ومعناه: جئت متقدِّمًا على كذا، والَّذي اختاره بعض المحقِّقين أنَّ التَّنوين عوضٌ عن المضاف إليه، وأنَّه لا فرق في المعنى بين ما أُعرِب من هذه الظُّروف المقطوعة وما بُنِي منها، قال: وهو الحقُّ. انتهى. وأشار(12) ╕ إلى الفجر الكاذب المُسمَّى عند العرب بذَنَب السِّرْحان(13) وهو الضَّوء المستطيل من العلوِّ إلى السُّفل(14)؛ وهو(15) من اللَّيل، فلا يدخل به وقت الصُّبح، ويجوز فيه التَّسحُّر، وأشار إلى الصَّادق بقوله: (حَتَّى يَقُولَ) أي: يظهر الفجر (هَكَذَا).
           (وَقَالَ زُهَيْرٌ) الجُعْفيُّ في تفسير معنى «هكذا» أي: أشار (بِسَبَّابَتَيْهِ) اللَّتين(16) تليان الإبهام، سُمِّيتا(17) بذلك لأنَّهما يُشار بهما عند الشَّتم(18) (إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الأُخْرَى، ثُمَّ مَدَّهُمَا) كذا للأربعة بالتَّثنية، ولغيرهم: ”مدَّها“(19) (عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ) كأنَّه جمع بين أصبعيه ثمَّ فرَّقهما ليحكي صفة الفجر الصَّادق لأنَّه يطلع معترضًا، ثمَّ يعمُّ الأفق ذاهبًا يمينًا وشمالًا.
          ورواة هذا الحديث‼ الخمسة أوَّلهم(20) كوفيَّان، والآخران بصرَّيان، وفيه: التَّحديث والقول والعنعنة(21)، ورواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ سليمان وأبو عثمان، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «الطَّلاق» [خ¦5298] وفي «خبر الواحد» [خ¦7247] ومسلمٌ وأبو داود والنَّسائيُّ في «الصَّوم» وابن ماجه في «الصَّلاة».


[1] «وأصله»: ليس في (م).
[2] «المجتهد»: ليس في (د).
[3] في (ب) و(س) «فذلك».
[4] في (ب) و(س): «عملٌ بالرِّوايتين وجمعٌ»، وفي (د): «على الرِّوايتين جمعٌ»، وبهامش (ل): «عمل بالرِّوايتين وجمع»، وهو الأنسب.
[5] في غير (ب) و(س): «تظافرت».
[6] «وليس»: ليس في (د).
[7] «ولأبي ذَرٍّ: ورفعهما»: سقط من (د).
[8] «من غير اليونينيَّة»: ليس في (م).
[9] «إلى»: ليس في (د).
[10] في (د) و(م): «في حالة». وكذا هو في مصابيح الجامع.
[11] في مصابيح الجامع: «لعدم تضمُّن» وهذا ينسجم مع سيأتي بعد عدة كلمات.
[12] في غير (ص) و(م): «فأشار».
[13] «السِّرْحان» بالكسر: الذِّئب والأسد، ويقال للفجر الكاذب: سِرْحَانٌ؛ على التَّشبيه «مصباح».
[14] في (د): «من علوٍّ إلى أسفل».
[15] في (م): «وقت».
[16] في (ب) و(ص): «اللَّذين» وفي (م): «الَّذي».
[17] في (د): «سُمِّيا».
[18] في غير (ص) و(م): «السَّبِّ».
[19] قوله: «كذا للأربعة؛ بالتَّثنية، ولغيرهم: مدَّها» ليس في (م).
[20] في غير (ب) و(س): «أوَّلهما».
[21] «والعنعنة»: ليس في (د).