عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

{إنا أنزلناه}
  
              

          ░░░97▒▒▒ (ص) سُورَةُ {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ}.
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ}) هذا في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية غيره: <سورة القدر> وهي مدنيَّةٌ في قول الأكثرين، وحكى الماورديُّ عكسه، وذكر الواحديُّ أنَّها أَوَّلُ سورةٍ نزلت بالمدينة، قال أبو العَبَّاس: مَكِّيَّةٌ بلا خلافٍ، وهي مئةٌ واثنا عشر حرفًا، وثلاثون كلمةً، وخمسُ آياتٍ.
          قوله: ({إِنَّا أَنزَلْنَاهُ}) يعني: القرآن، كنايةٌ عن غير مذكورٍ جملةً واحدةً {فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} مِنَ اللَّوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، فوضعناه في بيت العزَّة، فأملاه جبريل ◙ على السَّفَرة، ثُمَّ كان جبريل ◙ يُنزِله على النَّبِيِّ صلعم نجومًا، كان بين أوَّله وآخره ثلاثٌ وعشرون سنةً.
          (ص) يُقَالُ: الْمَطْلَعُ: هُوَ الطُّلُوعُ، وَالْمَطْلِعُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْلَعُ مِنْهُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر:5] وفيه قراءتان؛ إحداهما: بفتح اللَّام أشار إليه بقوله: (المَطْلَع) يعني: بفتح اللَّام (هُوَ الطُّلوعُ) يعني: هو بمعنى الطُّلوع، وهو مصدرٌ ميميٌّ، وهي قراءة الجمهور، والثانية: بكسر اللَّام، أشار / إليه بقوله: (وَالمَطْلِع) يعني: بكسر اللَّام (الْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْلَعُ مِنْهُ) وأراد به اسمَ الموضع، وهي قراءة الكسائيِّ وخَلَف.
          (ص) {أَنْزَلْنَاهُ} الْهَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ الْقُرْآنِ، {أَنْزَلْنَاهُ} مَخْرَجَ الْجَمِيعِ، وَالْمُنْزِلُ هُوَ اللهُ، وَالْعَرَبُ تُؤكِّدُ فِعْلَ الْوَاحِدِ فَتَجْعَلُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ لِيَكُونَ أَثْبَتَ وَأَوْكَدَ.
          (ش) أراد أنَّ الضمير المنصوب في قوله: {أَنْزَلْنَاهُ} كنايةٌ عن القرآن، يرجع إليه مِن غير أن يسبق ذكره لفظًا؛ لأنَّه مذكورٌ حكمًا باعتبار أنَّهُ حاضرٌ دائمًا في ذهن رسول الله صلعم ، أو لأنَّ السياق يدلُّ عليه، أو لأنَّ القرآن كلَّه في حكم سورةٍ واحدةٍ.
          قوله: (مَخْرَجَ الْجَمِيعِ) بالنصب؛ أي: خرج {إِنَا أَنْزَلْنَاهُ} مَخرَج الجمع، وكان القياس أن يكون بلفظ المفرد؛ بأن يقال: إنِّي أنزلته؛ لأنَّ (المُنْزِل هُوَ اللهُ) وهو واحدٌ لا شريك له.
          قوله: (وَالْعَرَبُ...) إلى آخره: إشارةٌ إلى بيان فائدة العدول عن لفظ المفرد إلى لفظ الجمع، وقال: العرب إذا أرادوا التأكيد والإثبات تذكر المفرد بصيغة الجمع، ولكنَّ هذا ليس بمصطلح، والمصطلح في مثله أن يقال: فائدة ذكر المفرد بالجمع التعظيم، ويُسمَّى بجمع التعظيم.