عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

كتاب الوضوء
  
              

          ♫
          ░░4▒▒ (ص) كِتَاب الوُضُوءِ.
          (ش) قَدْ ذكرنا أنَّهُ افْتَتَح الكتاب أَوَّلًا بالمقدِّمَةِ؛ وهو (بابُ الوَحي)، ثُمَّ ذَكَرَ الكتُبَ المشتملَةَ على الأبوابِ، وقدَّمَ (كتابَ الإيمانِ) و(كتاب العلم) للمعنى الذي ذكرناه عند (كتاب الإيمانِ)، ثُمَّ شَرَعَ يذكر الكتُبَ المتعلِّقَةَ بالعبادات، وقدَّمها على غيرِها مِن الكُتُبِ المتعلِّقَةِ بنحو (المعاملات) و(الآداب) و(الحدود) وغير ذلك؛ لأنَّ ذِكْرَها عَقِيب (كتاب العلم) و(الإيمان) أنسبُ؛ لأنَّ أصلَ العبادات ومبناها الإيمانُ ومعرفتها على ما يَجِبُ، وينبغي بالعِلْمِ، ثُمَ قُدِّمَ [(كتاب الصلاة) بأنواعها على غيرها مِن كتب العبادات؛ لكونها تاليةَ الإيمان في الكتاب والسُّنَّةِ، ولأنَّ الاحتياجَ إلى معرفتها أشدُّ؛ لكَثْرَةِ دورانها، ثُمَّ قُدِمَّ] (كتابُ الوضوء) ؛ لأنَّه شَرطُ الصلاةِ، وشرطُ الشيء يَسبقُهُ.
          ووقَعَ في بَعضِ النُّسَخِ: <كتابُ الطهارَةِ> وبعده: <بابُ ما جاءَ في الوضوءِ>، وهذا أنسبُ؛ لأنَّ الطهارَةَ أَعمُّ من الوضوءِ، والكتاب الذي يُذْكَرُ فيه نوعٌ من الأنواعِ ينبغي أن يُتَرْجَمَ بِلَفْظٍ عامٍّ حتَّى يَشْمَلَ جميعَ أقسامِ ذلك الكتاب، ثُمَّ الكلامُ في لفظِ (الكِتاب) قَد مَرَّ عندَ (كتاب الإيمان).
          و(الطَّهارَةُ) في اللُّغَةِ مصدرٌ من طَهُـَرَ الشيءُ؛ بِضَمِّ الهاءِ وفَتْحِها، وفي «العُباب»: طَهُرَ الشيءُ وطَهَرَ أيضًا _بالضمِّ وبالفَتْحِ_ أعلى طهارَةً، والطُّهْرُ؛ بالضمِّ: الاسمُ، والطُّهْرَةُ: اسمٌ من التَّطهير، والطُّهْرُ: نقيضُ الْحَيْضِ، والتَّرْكِيبُ يدلُّ على نقاءٍ وإزالَةِ دَنَسٍ، وفي الشَّرْعِ: الطَّهارَةُ: هي النَّظافَةُ عن النَّجاسات.
          و(الوُضُوءُ) بِضَمِّ الواو، من الوَضاءَةِ؛ وهو الْحُسْنُ والنَّظافَةُ، تقولُ: وَضُؤَ الرَّجُل؛ أي: صَارَ وَضِيئًا، والمرأةُ وَضِيئَةٌ، والوَضُوءُ _بالفَتْحِ_: الماءُ الذي يُتَوضَّأُ بِهِ، [وفي «العُباب»: الوَضوءُ أيضًا _يعني: بالفتح_: المَصدَرُ]، مِن تَوضَّأْتُ للصَّلاةِ؛ مثل القَبول، وأنْكَرَ أبو عَمْرو بن العلاء الفَتْحَ في غيرِ القَبولِ، وقالَ الأصْمَعِيُّ: قلتُ لأبي عَمرٍو: وما الوَضوءُ؛ بالفَتْحِ؟ قال: الماءُ الذي يُتَوضَّأُ بِهِ، قلت: فالوُضوءُ؛ بالضَّمِّ؟ قال: لا أَعْرِفُهُ.
          وأمَّا (إسباغُ الوَضوء) ؛ فَبِفَتْح الواوِ لا غَير؛ لأنَّهُ في مَعْنى إبلاغ الوَضوء مواضعَه، وذَكَرَ الأخفشُ في قولِهِ تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[البقرة:224]، فقال: «الوَقودُ» بالفَتْحِ: الْحَطَبُ، و«الوُقودُ» بالضَّمِّ: الإيقادُ، وهو الْمَصْدَرُ، قالَ: ومثل ذلكَ «الوَضوء»؛ وهو الماءُ، والوَضوءُ، وهو الْمَصدَرُ، ثُمَّ قالَ: وزَعَمُوا أنَّهما لُغَتانِ بمعنًى واحد، تقولُ: «الوَقودُ» و«الوُقودُ»: يجوزُ أنْ يَعْنِيَ بهما الحطبَ، ويجوز أنْ يعنيَ بهما الْمَصدرَ، وقال غيرُهُ: «القَبولُ» و«الوَلوعُ» مَفتوحانِ، وهما مصدرانِ شاذَّانِ، وما سِواهما من المصادِرِ؛ فمَبْنِيٌّ على الضَّمِّ.
          قلتُ: الحاصِلُ: أنَّ في (الوُضوءِ) ثلاثُ لغاتٍ:
          أشْهَرُها: أنَّهُ بِضَمِّ الواوِ اسمٌ للفِعْلِ، وبِفَتْحِها اسمٌ للماءِ الذي يُتَوضَّأُ بِهِ، ونقَلَها ابن الأنباريِّ عن الأكثرينَ.
          الثاني: أنَّهُ بِفَتْحِ الوَاوِ فيهما، وهو قولُ جماعاتٍ؛ منهم الخليلُ قال: والضَّمُّ لا يُعْرَفُ.
          الثالثُ: أنَّهُ بالضَّمِّ فيهما، وهي غَرِيبَةٌ ضَعِيفةٌ، حكاها صاحب «المطالِعِ» وهذه اللُّغاتُ الثلاثُ مَثَلُها في الطَّهُورِ.