عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

سورة الفتح
  
              

          ░░░48▒▒▒ (ص) سُورَةُ الْفَتْحِ.
          (ش) أي: هذا تفسير بعض (سورة الفتح) وهي مدنيَّةٌ، وقيل: نزلت بين الحديبية والمدينة مُنصرَفه مِنَ الحديبية أو بكُراع الغَميم، و(الفتح) صُلْح الحُدَيبية، وقيل: فتح مكَّة، وهي ألفان وأربع مئةٍ وثمانيةٌ وثلاثون حرفًا، وخمسُ مئةٍ وستُّون كلمة، وتسعٌ وعشرون آية.
          (ص) ♫
          (ش) لم تثبت البسملة إلَّا في رواية أبي ذرٍّ.
          (ص) وَقَالَ مُجاهِدٌ: {بُورًا} هَالِكِينَ.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} وفسَّره بقوله: (هَالِكِينَ) أي: فاسدين لا تصلحون لشيءٍ، وهو مِن (بار) كـ(الهُلك) مِن (هَلَكَ) بناءً ومعنًى؛ ولذلك وُصِف به الواحد والجمع، والمذكَّر والمؤنَّث، ويجوز أن يكون جمعَ (بائر) كـ(عَائِذ وعُوذ)، قال النَّسَفِيُّ: والمعنى: وكنتم قومًا فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونيَّاتكم، لا خير فيكم، وهالكين عند الله، مستحقِّين لسخطه وعقابه.
          (ص) وَقَالَ مُجاهِدٌ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم} السَِّحْنَةُ.
          (ش) فسَّر مجاهدٌ (سِيمَا) بـ(السَِّحْنَةِ)، وقال ابن الأثير: السَّحْنَةُ: بشَرة الوجه وهيئاتُه وحاله، وهي مفتوحة السين، وقد تُكسَر، ويقال فيها: السَّحناء أيضًا بالمدِّ، وقيَّده الأصيليُّ وابن السكن بفتحهما، وقال عياضٌ: هو الصواب عند أهل اللُّغة، وهذا التعليق رواه إسماعيل القاضي عن نصر بن عليٍّ، عن بشر بن عُمَر، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، وفي رواية المُسْتَمْلِي والكُشْميهَنيِّ والقابسيِّ: <{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم} السَّجدة> وفي رواية النَّسَفِيِّ: <المسحة>.
          (ص) وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: التَّوَاضُعُ.
          (ش) أي: قال مَنْصُور بن المعتمر عن مجاهدٍ في تفسير (سِيمَا) : (التَّوَاضُعُ) وروى ابن أبي حاتمٍ: حدَّثنا المنذر بن شاذان: حدَّثنا يَعْلَى: حَدَّثَنَا سفيان عن حُمَيد بن قيسٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} قال: الخشوع والتواضع، وقال ابن أبي حاتمٍ أيضًا: حَدَّثَنَا أبي: حدَّثنا عليُّ بن مُحَمَّدٍ الطنافسيُّ: حدَّثنا حُسَين الجُعْفِيُّ عن منصورٍ، عن مجاهدٍ في هذه الآية قال: هو الخشوع، وقال عبد بن حُمَيدٍ: حَدَّثَنَا عمر بن سعدٍ وعبد الملك بن عَمْرو وقَبِيصة، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} قال: الخشوع، وحدَّثني معاوية بن عَمْرٍو، عن زائدة، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: هو الخشوع.
          قُلْت: ينظر الناظر في الذي علَّقه البُخَاريُّ.
          (ص) {شَطْأَهُ} فِرَاخَهُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} وفسَّره بقوله: (فِرَاخَهُ) وهكذا فسَّره الأخفش، يقال: أشطأ الزرع: إذا أفرخ، وعن أنسٍ: {شطْأَه} نباته، وعن السُّدِّيِّ: هو أن يخرج معه الطاقة الأخرى، وعن الكسائيِّ: طرفه.
          (ص) {فَاسْتَغْلَظَ} غَلُظَ.
          (ش) (غَلُظَ) بِضَمِّ اللَّام، ويروى: <تغلَّظ> أي: قوي وتلاحق نباتُه.
          (ص) {سُوقِهِ} السَّاقُ: حَامِلَةُ الشَّجَرَةِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} أي: قام على أصوله، و(السُّوق) بالضَّمِّ جمع (ساقٍ)، وفسَّره بقوله: (السَّاقُ: حَامِلَةُ الشَّجَرَةِ) وهي جذعه، وهكذا فسَّره الجَوْهَريُّ.
          (ص) {شَطْأَهُ} شَطْءُ السُّنْبُلِ، تُنْبِتُ الْحَبَّةُ عَشْرًا وَثَمَانِيًا وَسَبْعًا، فَيَقْوَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَذَاكَ قَوْلُهُ ╡ : {فَآزَرَهُ} قَوَّاهُ، وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَمْ تَقُمْ عَلَى سَاقٍ، وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِلنَّبِيِّ صلعم إِذْ خَرَجَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَوَّاهُ بِأَصْحَابِهِ، كَمَا قَوَّى الْحَبَّةَ بِمَا يَنْبُتُ مِنْهَا.
          (ش) قوله: ({شَطْأَهُ} شَطْءُ السُّنْبُلِ...) إلى آخره، ليس بمذكور في بعض النُّسَخ، ولا الشُّرَّاح تعرَّضوا لشرحه.
          قوله: (تُنبِتُ) مِنَ الإنبات.
          قوله: (وَثَمَانِيًا وَسَبْعًا) ويروى: <أو ثمانيًا أو سبعًا> وكلمة (أَوْ) للتنويع؛ أي: تُنبِتُ الحبَّةُ الواحدةُ عشرَ سنابلَ، وتارةً ثمان سنابل، وتارةً سبعَ سنابلَ، قال الله تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ}[البقرة:261].
          قوله: (وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ...) إلى آخره، وفي التفسير: وهو مَثَلٌ ضربه الله تعالى لأصحاب مُحَمَّد صلعم ؛ يعني: أنَّهم يكونون قليلًا / ثُمَّ يزدادون ويكثرون ويقوون، وعن قتادة: مثل أصحاب مُحَمَّدٍ صلعم في الإنجيل مكتوبُ: أنَّهُ سيخرج قومٌ ينبتون نبات الزرع، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
          قوله: (إِذْ خَرَجَ) أي: حين خرج وحدَه، يحتمل أن يكون المراد حين خرج على كفَّار مكَّة وحده يدعوهم إلى الإيمان بالله، ثُمَّ قوَّاه الله تعالى بإسلام مَن أسلم منهم في مكَّة، ويحتمل أن يكون حين خرج مِن بيته وحدَه حين اجتمع الكفَّار على أذاه، ثُمَّ رافقه أبو بكرٍ، ثُمَّ لمَّا دخل المدينة قوَّاه بالأنصار.
          (ص) {دَائِرَةُ السَّوْءِ} كَقَوْلِكَ: رَجُلُ السَّوْءِ، وَ{دَائِرَةُ السَّوْءِ} الْعَذَابُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ} الآيَةَ [الفتح:6] وفسَّرها بقوله: ({دَائِرَةُ السَّوْءِ} الْعَذَابُ) وكذا فسَّره أبو عبيدة، وقيل: دائرة الدَّمار والهلاك، وقراءة الجمهور بفتح السين، وقرأ أبو عَمْرٍو وابن كثيرٍ بالضَّمِّ.
          (ص) {يُعَزِّرُوهُ} يَنْصُرُوهُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {لِيُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَيُعَزِّرُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ} الآيَةَ [الفتح:9] وفسَّره بقوله: (يَنْصُرُوهُ) وكذا روى عبد الرَّزَّاق عن مَعْمَرٍ عن قتادة نحوه، وقيل: معناه: يُعينُوه، وعن عِكْرِمَة: يقاتلون معه بالسيف، وقال الثعلبيُّ بإسناده عن جابر بن عبد الله قال: لمَّا نزلت على النَّبِيِّ صلعم {وَيُعَزِّرُوهُ} قال لنا: «ما ذاكم؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: «لينصروه ويوقِّروه ويعظِّموه ويفخِّموه» وهنا وقفٌ تامٌّ.