عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

سورة الروم
  
              

          ░░░30▒▒▒ (ص) سُورَةُ الرُّومِ.
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة الروم)، وهي مَكِّيَّةٌ.
          وفيها اختلافٌ في آيتين؛ قوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ}[لقمان:27] فذكر السُّدِّيَّ أنَّها نزلت بالمدينة، وقوله: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}[لقمان:34].
          وقال السخاويُّ: نزلت بعد: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} وقبل (العنكبوت)، وهي ستُّون آيةً، وثمانُ مئةٍ وتسعة عشر كلمة، وثلاثةُ آلافٍ وخمس مئةٍ وأربعةٌ وثلاثون حرفًا.
          و(الرُّوم) اثنان؛ الأَوَّل: مِن ولد يافث بن نوح ◙ ، وهو رومي بن لنطي بن يونان بن يافث، والثاني: الذين يرجع إليهم المُلْك مِن ولد رومي بن لنطي مِن ولد عيص بن إسحاق ◙ ، غَلبوا على اليونانيِّين، فبطل ذكرُ الأوَّلين، وغلب هؤلاء على المُلْك، وروى الواحديُّ مِن حديث الأَعْمَش عن عطيَّة، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ قال: لمَّا كان يوم بدرٍ ظهرت الروم على فارسٍ فأُعجِب بذلك المؤمنون، فنزلت: {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ} إلى قوله: {يَفْرَحُ المُؤْمِنُون}[الروم:1-4] بظهور الروم على أهل فارس.
          (ص) ♫
          (ش) لم تثبت البسملة ولفظ: (سورة) إلَّا لأبي ذرٍّ.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُحْبَرُونَ} يُنَعَّمُونَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}[الروم:15] وفسَّر ({يُحْبَرُونَ}) بقوله: (يُنَعَّمُونَ).
          وهذا التعليق رواه الحَنْظَلِيُّ عن حَجَّاجٍ: حَدَّثَنَا شبابة: حَدَّثَنَا ورقاء، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، وعن ابن عَبَّاسٍ: يُكرَّمون، وقيل: السماع في الجنَّة.
          (ص) {فَلَا يَرْبُو} مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةٍ يَبْتَغِي أَفْضَلَ مِنْهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ الله}[الروم:39] وهذا قد اختُلِف في معناه؛ فقال سعيد بن جُبَيرٍ ومجاهدٌ وطاووس وقتادة والضَّحَّاك: هو الرجلُ يعطي الرجلَ العطيَّةَ، ويهدي إليه الهديةَ ليأخذ أكثر منها، فهذا ربًا حلالٌ ليس فيه أجرٌ ولا وزرٌ فهذا للناس عامَّة، وفي حقِّ النَّبِيِّ صلعم حرامٌ عليه أن يعطيَ شيئًا فيأخذَ أكثر منه، لقوله تعالى: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ}[المدثر:6] وقال الشعبيُّ: هو الرجلُ يلتزق بالرجل فيحمله ويخدمه ويسافر معه فيحمل له ربح ماله ليجزيَه، وإِنَّما أعطاه التماسَ عونِه ولم يُرِدْ به وجه الله تعالى، وقال إبراهيم: هذا في الجاهليَّة، كان يعطي الرجلُ قرابتَه المالَ، يكثر به ماله.
          قوله: (مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً...) إلى آخره، تفسير قوله: ({فَلَا يَرْبُو}).
          قوله: (يَبْتَغِي) أي: يطلب {أَفْضَلَ مِنْهُ} أي: أكثر منه.
          قوله: (فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا) أي: في هذه العطيَّة، ولا وزرَ عليه.
          (ص) {يَمْهَدُونَ} أَي: يُسَوُّونَ الْمَضَاجِعَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}[الروم:44] وفسَّر ({يَمْهَدُونَ}) بقوله: (يُسَوُّونَ الْمَضَاجِعَ) وكذا رواه الفِرْيَابيُّ مِن طريق ابن أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ؛ أي: يوطِّؤون مقارَّ أنفسهم في القبور أو في الجنَّة.
          (ص) (الْوَدْقُ) الْمَطَرُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ}[الروم:48] وفسَّر ({الْوَدْقَ}) بـ(الْمَطَر) وكذا فسَّره مجاهدٌ فيما روى عنه ابن أبي نَجيحٍ.
          (ص) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻: {هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فِي الآلِهَةِ، وَفِيهِ: {تَخَافُونَهُمْ} أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
          (ش) أي: قال ابن عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ}[الروم:28].
          قوله: (فِي الآلِهَةِ) أي: نزل هذا في حقِّ الآلهة.
          قوله: (وَفِيهِ) أي: وفي حقِّ الله، وهذا على سبيل المثل؛ أي: هل / ترضون لأنفسكم أن يشارككم بعضُ عبيدكم في ما رزقناكم، تكونون أنتم وهم فيه سواء مِن غير تفرقةٍ بينكم وبين عبيدكم، تخافونهم أن يرث بعضُهم بعضَكم، أو أن يستبدُّوا بتصرِّفٌ دونَكم، كما يخاف بعضُ الأحرار بعضًا؛ فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم؛ فكيف ترضون لربِّ الأرباب أن تجعلوا بعض عباده شريكًا له؟!
          (ص) {يَصَّدَّعُونَ} يَتَفَرَّقُونَ، {فَاصْدَعْ}.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}[الروم:43] وفسَّره بقوله: (يَتَفَرَّقُونَ) وكذا فسَّره أبو عُبَيْدةَ، وقيل: هو بمعنى قوله: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا}[الزلزلة:6] وقيل: هو تفاوت المنازل، وفي التفسير: {يَصَّدَّعُونَ} يتفرَّقون فريقٌ في الجنَّة وفريقٌ في السعير، و{يَصَّدَّعُونَ} أصله: يتصدعون، قُلِبَتِ التاء صادًا وأُدْغِمت الصاد في الصاد.
          قوله: ({فَاصْدَعْ}) أشار به إلى قوله ╡ : {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}[الحجر:94] أي: افرُق وأمضِه، قاله أبو عُبَيْدةَ، وأصل (الصَّدْع) الشقُّ في الشيء.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: {ضَعْفٌ} وَ{ضِعْفٌ} لُغَتَانِ.
          (ش) أي: قال غيرُ ابنِ عَبَّاسٍ ☻ في قوله تعالى: {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ} الآيَةَ[الروم:54] الأَوَّل: بفتح الضاد، والثاني: بالضمِّ، وقُرِئ بهما، فالجمهور بالضَّمِّ، وقرأ عاصمٌ وحمزة بالفتح، وقال الخليل: الضُّعف _بالضمِّ_ ما كان في الجسد، وبالفتح: ما كان في العقل.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {السُّوأَى} الإِسَاءَةُ، جَزَاءُ الْمُسِيئِينَ.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ الله}[الروم:10] وفسَّر ({السُّوأَى}) بـ(الإِسَاءَةُ) واختُلِف في ضبط (الإساءة) فقيل: بكسر الهمزة والمدِّ، وجوَّز ابن التين فتح أوَّله ممدودًا ومقصورًا، وقال النَّسَفِيُّ: {السُّوأى} تأنيث (الأسوأ)، وهو الأصحُّ، كما أنَّ (الحسنى) تأنيث (الأحسن).