عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

سورة {يس}
  
              

          ░░░36▒▒▒ (ص) سُورَةُ يس
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة يس) ولم يثبت هذا هنا لأبي ذرٍّ، وقد مرَّ أنَّ في روايته <سورة الملائكة ويس> والصواب إثباته هَهُنا، وقال أبو العَبَّاس: هي مَكِّيَّةٌ بلا خلافٍ، نزلت قبل (سورة الفرقان) وبعد (سورة الجنِّ)، وهي ثلاثة آلاف حرفٍ، وسبع مئةٍ وتسعٌ وعشرون كلمة، وثلاثٌ وثمانون آية.
          (ص) ♫
          (ش) لم تثبت البسملة إلَّا لأبي ذرٍّ خاصَّةً.
          (ص) قَالَ مُجَاهِدٌ: {فَعَزَّزْنَا} شَدَّدْنَا.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ}[يس:14] أي: (شَدَّدْنَا) ورواه أبو مُحَمَّد بن أبي حاتمٍ عن حَجَّاج بن حمزة: حَدَّثَنَا شبابة: حَدَّثَنَا ورقاء، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، ولفظه في «تفسير عبد بن حُمَيدٍ»: (شددنا بثالث)، وكان رسل عيسى ◙ الذين أرسلهم إلى صاحب أنطاكية / ثلاثةً؛ صادقٌ وصدوقٌ وشلوم، والثالث هو شلوم، وقيل: الثالث: شمعون.
          (ص) {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} وَكَانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمُ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}[يس:30] وفسر (الحَسْرة) بقوله: (اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ) في الدنيا، وقال أبو العالية: عاينوا العذاب قالوا: يا حسرة على العباد _يعني: الرسل الثلاثة_ حين لم يؤمنوا بهم، وآمنوا حين لم ينفعهم الإيمان.
          (ص) {أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} لَا يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ. {سَابِقُ النَّهَارِ} يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[يس:40] وفسَّر ({أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ}) بقوله: (لَا يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ).
          قوله: (وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ) أي: سَتْرُ أحدهما الآخرَ؛ لأنَّ لكلٍّ منهما حدًّا لا يعدوه ولا يقصر دونه، فإذا اجتمعا وأدرك كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه قامت القيامة، وذلك قوله تعالى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}.
          قوله: ({سَابِقُ النَّهَارِ}) أي: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ}.
          قوله: (يَتَطَالَبَانِ) أي: الشمس والقمر [كلٌّ منهما يطلب صاحبَه (حَثِيثَيْنِ) أي: حال كونهما حثيثين؛ أي: مُجدَّين في الطلب فلا يجتمعان] إلَّا في الوقت الذي حدَّه الله لهما، وهو يوم قيام الساعة.
          (ص) {نَسْلَخُ} نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، وَيَجْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} وفسَّر قوله: ({نَسْلَخُ}) بقوله: (نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ)، وفي التفسير: نَنْزِع ونُخْرج منه النهار، وهذا وما قبله مِن قوله: ({أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ}) لم يثبت في رواية أبي ذرٍّ.
          (ص) {مِنْ مِثْلِهِ} مِنَ الأَنْعَامِ.
          (ش) أشار به إلى قوله: {وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}[يس:42] أي: مِن مثل الفُلْك (مِنَ الأَنْعَامِ) ما يركبون، وعن ابن عَبَّاسٍ: الإبل: سفن البرِّ، وعن أبي مالكٍ: وهي السفن الصغار.
          (ص) {فَكِهُونَ} مُعْجَبُونَ.
          (ش) [أشار به إلى قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَكِهُونَ}[يس:55] وفسَّره بقوله: (مُعْجَبُونَ) ] هذا في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية غيره: <{فَاكِهُونَ}> وهي القراءة المشهورة، وقال الكسائيُّ: الفاكه: ذو الفاكهة؛ مثل: تامرٍ ولابنٍ، وعن السُّدِّيِّ: ناعمون، وعن ابن عَبَّاسٍ: فرحون.
          (ص) {جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} عِنْدَ الْحِسَابِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ}[يس:75] يعني: الكفَّار، و(الجند) : الشيعة والأعوان مُحضَرُون كلُّهم عند الحساب، فلا يدفع بعضهم عن بعضٍ، ولم يثبت هذا في رواية أبي ذرٍّ.
          (ص) وَيُذْكَرُ عَنْ عِكْرِمَةَ: {الْمَشْحُونِ} الْمُوقَرُ.
          (ش) أي: (ويُذْكَرُ عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابن عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}[يس:41] أنَّ معناه: (الْمُوقَرُ)، وفي التفسير: {الْمَشْحُونِ} الموقَر المملوء، وهي سفينة نوح ◙ حَمَل الآباء في السفينة، والأبناء في الأصلاب، وهذا أيضًا لم يثبت في رواية أبي ذرٍّ.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {طَائِرُكُمْ} مَصَائِبُكُمْ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ}[يس:19] وفسَّره بقوله: (مَصَائِبُكُمْ)، وعن قتادة: أعمالكم، وقال الحسن والأعرج: طيركم.
          (ص) {يَنْسِلُونَ} يَخْرُجُونَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}[يس:51] وفسَّره بقوله: (يَخْرُجُونَ) ومنه قيل للولد: نَسْلٌ؛ لأنَّه يخرج مِن بطن أمِّه.
          (ص) {مَرْقَدِنَا} مَخْرَجِنَا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}؟ الآيَةَ[يس:52] وفسَّر (المرقَد) بالمخرَج، وفي التفسير: أي: مِن مَنامِنَا، وعن ابن عَبَّاسٍ وأُبيِّ بن كعبٍ وقتادة: إِنَّما يقولون هذا لأنَّ الله تعالى رفع عنهم العذاب فيما بين النفختين فيرقدون، وقيل: إنَّ الكفَّار لمَّا عاينوا جهنَّم وأنواعَ عذابها، صار ما عُذِّبوا في القبور في جنبها كالنَّوم، فقالوا: {يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}.
          (ص) {أَحْصَيْنَاهُ} حَفِظْنَاهُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}[يس:12] [وفسَّر ({أَحْصَيْنَاهُ}) بقوله: (حَفِظْنَاهُ)، وفي التفسير: أي: علمْنَاه وعددْنَاه / وثبَّتناه في إمامٍ مبينٍ]؛ أي: في اللَّوح المحفوظ.
          (ص) (مَكَانَتُهُمْ) وَ(مَكَانُهُمْ) وَاحِدٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ}[يس:67] وقال: إنَّ المكانة والمكان بمعنًى واحدٍ، وروى الطَّبَريُّ مِن طريق العوفيِّ يقول: لأهلكناهم في مساكنهم.