عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

{والذاريات}
  
              

          ░░░51▒▒▒ (ص) سُورَةُ {وَالذَّارِيَاتِ}
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة {والذَّارِيَاتِ})، وهي مكِّيَّةٌ كلٌّها، قاله مقاتلٌ وغيرُه، وقال السخاويُّ: نزلت بعد «سورة الأحقاف» وقبل «سورة الغاشية»، وهي ألفٌ ومئتان وسبعة وثمانون حرفًا، وثلاث مئة وستُّون كلمة، وستُّون آية.
          قوله: ({وَالذَّارِيَاتِ}) قسمٌ على ما نذكره الآن إن شاء الله.
          (ص) ♫
          (ش) لم تثبت لغير أبي ذرٍّ البسملة ولا قوله: (سورة).
          (ص) قَالَ عَلِيٌّ ☺ : الرِّيَاحُ.
          (ش) أي: قال عليُّ بن أبي طالبٍ: المراد بـ({الذَّارِيات}) (الرِّيَاحُ) وكذا وقع في رواية الأكثرين، ووقع في رواية أبي ذرٍّ: <قال عليُّ: {الذَّارِياتُ} الرياح> رواه أبو مُحَمَّدٍ الحَنْظَلِيُّ عن / أبي سعيدٍ الأشجِّ: حَدَّثَنَا عُقْبَة بن خالد السكونيُّ: حَدَّثَنَا سعيد بن عُبَيدٍ الطائيُّ، عن عليِّ بن ربيعة: أنَّ عبد الله بن الكوَّاء سأل عليًّا ☺ ما {الذاريات}؟ قال: الريح، قال أبو مُحَمَّدٍ: روي عن ابن عَبَّاسٍ وابن عمر ومجاهدٍ والحسن وسعيد بن جُبَيرٍ وقتادة والسُّدِّيِّ وخُصَيفٍ مثل ذلك، وروى ابن عُيَينةَ في «تفسيره» عن ابن أبي حُسَينٍ: سمعت أبا الطُّفيل قال: سمعت ابن الكوَّاء سأل عليَّ بنَ أبي طالبٍ ☺ عن: {الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا}[الذاريات:1] قال: الرياح، وعن: {الْحَامِلَاتِ وِقْرًا}[الذاريات:2] قال: السحاب، وعن: {الْجَارِيَاتِ يُسْرًا}[الذاريات:3] قال: السفن، وعن: {الْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} قال: الملائكة، وصحَّحه الحاكم مِن وجهٍ آخرَ عن أبي الطُّفيل، وأخرجه عبد الرَّزَّاق مِن وجهٍ آخرَ عن أبي الطُّفيل قال: شهدتُ عليًّا ☺ وهو يخطب، وهو يقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيءٍ يكون إلى يوم القيامة إلَّا حدَّثتكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما مِن آيةٍ إلَّا وأنا أعلمُ بليلٍ أُنْزِلت أم بنهارٍ؟ أم في سهلٍ أم في جبلٍ؟ فقام ابن الكوَّاء _وأنا بينه وبين عليِّ وهو خلفي_ فقال: ما {الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا}؟ فذكر مثله، وقال فيه: ويلك! سَلْ تفقُّهًا، ولا تسأل تعنُّتًا.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: {تَذْرُوهُ} تُفَرِّقُهُ.
          (ش) أي: قال غيرُ عليٍّ ☺ في قوله تعالى: {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}[الذاريات:5] (تُفَرِّقُهُ) وهذا في (سورة الكهف) وهو قوله ╡ : {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}[الكهف:45] وإِنَّما ذكره هنا لأجل قوله: {وَالذَّارِيَاتِ}، يقال: ذَرَتِ الرِّيحُ الترابَ تَذْرُوه ذَرْوًا، وقال الجَوْهَريُّ: ذَرَتِ الريحُ الترابَ وغيرَه تَذْرُوه وتَذْرِيه ذَرْوًا وذَرْيًا؛ أي: سَفَتْه.
          (ص) {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} يَأكُلُ وَيَشْرَبُ فِي مَدْخَلٍ وَاحِدٍ ويَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ.
          (ش) أي: {وَفِي أَنفُسِكُمْ} آياتٌ {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} أفلا تنظرون بعين الاعتبار؛ لأنَّه أمرٌ عظيمٌ حيث (يَأكُلُ وَيَشْرَبُ) في موضعٍ واحدٍ و(يَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ) ؛ أي: القُبُل والدُّبُر.
          (ص) {فَرَاغَ} فَرَجَعَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ}[الذاريات:26] وفسَّر (رَاغَ) بقوله: (رَجَعَ) وكذا قال الفَرَّاء، وفي التفسير: {فَرَاغَ} فعدَلَ ومالَ إبراهيم ◙ ، وعن الفَرَّاء: لا ينطق بالرَّوغ حَتَّى يكون صاحبه مُخْفِيًا لذهابه أو مجيئه.
          (ص) {فَصَكَّتْ} فَجَمَعَتْ أصَابِعَها فَضَرَبَتْ جَبْهَتَهَا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} الآيَةَ [الذاريات:29] وفسَّر ({فَصَكَّتْ}) بقوله: (فَجَمَعَتْ...) إلى آخره، وهو قول الفَرَّاء بلفظه، وفي رواية أبي ذرٍّ: <جمعت> بغير فاءٍ، وروى سعيد بن منصورٍ مِن طريق الأَعْمَش، عن مجاهدٍ في قوله: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} قال: ضربت بيدها على جبهتها، وقالت: يا ويلتاه.
          قوله: {فِي صَرَّةٍ} أي: في صيحةٍ.
          (ص) وَالرَّمِيمُ: نَبَاتُ الأرْضِ إذَا يَبِسَ ودِيسَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}[الذاريات:42] وفسَّر (الرَّمِيمُ) بقوله: (نَبَاتُ الأَرْضِ إِذَا يَبِسَ) أي: جفَّ.
          قوله: (ودِيسَ) بكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف وبالسين المُهْمَلة، مَجهولُ الفعل الماضي مَنَ الدَّوس، وهو وطءُ الشيء بالقَدَم حَتَّى يتفتَّت، وأصله: دُوِسَ، نُقِلَت حركة الواو إلى الدال بعد سلب ضمَّتها، ثُمَّ قُلِبَت الواو ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها، وتفسيره منقولٌ عن الفَرَّاء، وعن ابن عَبَّاسٍ: {كَالرَّمِيمِ} كالشيء الهالك، وعن أبي العالية: كالتراب المدقوق، وقيل: أصله مِنَ العظم البالي.
          (ص) {إِنَّا لِمُوسُعُونَ} أيْ لَذُو سَعَةٍ، وَكَذَلِكَ: {عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ} يَعْنِي: القَوِيِّ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات:47] وفسَّر (الَمُوسِعُونَ) بقوله: (لَذُو سَعَةٍ) لخَلْقِنَا، وعن ابن عَبَّاسٍ: لقادرون، وعنه: لموسِعُون الرِّزَّق على خَلْقِنا، وعن الحسن: لمطيقون.
          قوله: (وَكَذَلِكَ: {[عَلَى] الْمُوسِعِ قَدَرُهُ}) أي: وكذلك في معنى: {لَمُوسِعُونَ} قوله: {وعَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} والحاصل: أنَّهُ عبارةٌ عن السَّعة والقدرة.
          (ص) (الزَّوْجَيْنِ) الذَّكَرَ وَالأُنْثَى.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَمِنْ / كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}[الذاريات:94] والزوجان: (الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) مَن جميع الحيوانات، وفي التفسير: {زوجين} صنفين ونوعين مختَلِفَين، كالسماء والأرض، والشمس والقمر، واللَّيل والنهار، والبرِّ والبحر، والسهل والوَعْر، والشتاء والصيف، والإنس والجنِّ، [والكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والحقِّ والباطل، والذَّكر والأنثى]، والدنيا والآخرة.
          (ص) (وَاخْتِلَافُ الأَلْوَانِ) : حُلْوٌ وَحَامِضٌ، فَهُمَا زَوْجَانِ.
          (ش) الظاهر أنَّهُ أشار بقوله: (وَاخْتِلَافُ الأَلْوَانِ) إلى قوله تعالى: {وَأَلْوَانِكُمْ} في (سورة الروم) وهو قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}[الروم:22] ومِن جملة آياته ╡ اختلافُ ألوان بني آدم، وهو الاختلاف في تنويع ألوانهم؛ إذ لو تشاكلت وكانت نوعًا واحدًا لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطَّلت مصالحٌ كثيرةٌ، وكذلك اختلافُ الألوان في كلِّ شيءٍ، وكذا اختلاف المطعومات حَتَّى في طعوم الثِّمار، فإنَّ بعضَها حلوٌ وبعضَها حامضٌ، أشار إليه بقوله: (حُلْوٌ وَحَامِضٌ).
          قوله: (فَهُمَا زَوْجَانِ) أي: الحلو والحامض، وأطلق عليهما (زوجان) لأنَّ كلًّا منهما يقابل الآخر بالضِّدِّية كما في الذكر والأنثى، فإنَّ الذكر يقابل الأنثى بالذكورة وهي ضدُّ الأنوثة، ولم أر أحدًا مِنَ الشُّرَّاح خصوصًا المدِّعي منهم حرَّر هذا الموضع.
          (ص) {فَفِرُّوا إِلَى الله} مِنَ الله إِلَيْهِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى الله إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:50] وفسَّره بقوله: (مِنَ الله إِلَيْهِ) يعني: مِن معصيته إلى طاعته، أو مِن عذابه إلى رحمته، وكذا قاله الفَرَّاء، وفي التفسير: أي: فاهربوا مِن عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان ومجانبة العصيان، وعن أبي بكرٍ الورَّاق: فِرُّوا مِن طاعة الشيطان إلى طاعة الله.
          (ص) {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ.
          وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَلَقَهُمْ لِيَفْعَلُوا، فَفَعَلَ بَعْضٌ وَتَرَكَ بَعْضٌ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَهْلِ الْقَدَرِ.
          (ش) أشار به إلى قوله ╡ : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56].
          قوله: ({إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}) كذا ابتداء الكلام عند الأكثرين، وفي رواية أبي ذرٍّ مِن أَوَّل الآية: <{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}> والمعنى بحسب الظاهر: ما خلقت هذين الفريقين [إلَّا ليوحِّدوني، ولكن فسَّره البُخَاريُّ بقوله: (مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الْفَرِيقَيْنِ) ] أي: الجنُّ والإنس (إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ) وإِنَّما خصَّ السعداء مِن الفريقين لتظهر الملازمة بين العلَّة والمعلول، فلو حُمِل الكلام على ظاهره لوقع التنافي بينهما، وهو غير جائزٍ، وعن هذا قال الضَّحَّاك وسفيان: هذا خاصٌّ لأهل عبادته وطاعته، دليله قراءة ابن عَبَّاسٍ ☻: {وَمَا خَلَقْتُ الجَنَّ وَالإِنْسَ مِنَ المؤْمِنِينَ}، وعن عليِّ بن أبي طالبٍ ☺ : معناه: إلَّا لآمُرَهُم بعبادتي وأدعوهم إليها، واعتمد الزَّجَّاج على هذا، ويؤيِّده قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ}[البينة:5].
          فَإِنْ قُلْتَ: كيف كفروا وقد خلقهم للإقرار بربوبيَّته والتذلُّل لأمره ومشيئته؟
          قُلْت: قد تذلَّلوا لقضائه الذي قضى عليهم؛ لأنَّ قضاءه جارٍ عليهم لا يقدرون على الامتناع منه إذا نزل بهم، وإِنَّما خالفه مَن كفر في العمل بما أَمَر به، فأَمَّا التذلُّل لقضائه فَإِنَّهُ غير مُمْتَنعٍ.
          قوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَلَقَهُمْ لِيَفْعَلُوا) أي: التوحيد (فَفَعَلَ بَعْضٌ) منهم (وَتَرَكَ بَعْضٌ) هذا قول الفَرَّاء.
          فَإِنْ قُلْتَ: ما الفرق بين هذين التأويلين؟
          قُلْت: الأَوَّل: لفظٌ عامٌّ أريد به الخصوص، وهو أنَّ المرادَ أهلُ السعادة مِنَ الفريقين، والثاني: على عمومه بمعنى: خلقهم مُعَدِّين لذلك، لكنَّ منهم مَن أطاع ومنهم مَن عصى، ومعنى الآية في الجملة: أنَّ الله تعالى لم يخلقهم للعبادة خلق جِبلَّةٍ واختيارٍ، وإِنَّما خلقهم لها خلقَ تكليفٍ واختبارٍ، فمَن وفَّقه وسدَّده؛ أقام العبادة التي خُلِق لها، ومَن خذله وطرده حُرِمَها وعمل بما خلق له؛ كقوله صلعم : «اعملوا فكلٌّ ميسَّرٌ لِما / خُلِق له»، وفي نفس الأمر: هذا سرٌّ لا يطَّلع عليه غيرُ الله تعالى، وقال: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:23].
          قوله: (وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَهْلِ الْقَدَرِ) أي: المعتزلة، وهم احتجُّوا بها على أنَّ إرادة الله تعالى لا تتعلَّق إلَّا بالخير، وأَمَّا الشرُّ فليس مرادًا له، وأجاب أهل السُّنَّة بأنَّه لا يلزم مِن كون الشيء معلَّلًا بشيءٍ أن يكون ذلك الشيءُ _أي: العلَّة_ مرادًا، ولا يلزم أن يكون غيره مرادًا.
          قالوا: أفعال الله لا بدَّ أن تكون معلَّلةً، أجيب بأنَّه لا يلزم مِن وقوع التعليل وجوبُه، ونحن نقول بجواز التعليل.
          قالوا: أفعال العباد مخلوقةٌ لهم؛ لإسناد العبادة إليهم، أجيب بأنَّه لا حجَّة لهم فيه؛ لأنَّ الإسناد مِن جهة الكسب، وكون العبد مَحَلًّا لها.
          (ص) وَالذَّنُوبُ: الدَّلْوُ الْعَظِيمُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ}[الذاريات:59] ولكنَّ هذا التفسيرَ الذي فسَّره مِن حيث اللُّغة، فإنَّ (الذَّنُوبَ) في اللُّغة: الدَّلْوُ الْعَظِيمُ المملوءُ ماءً، وأهل التفسير اختلفوا فيه؛ فعن مجاهدٍ: سبيلًا، وعن النَّخَعِيِّ: ظرفًا، وعن قتادة وعطاءٍ: عذابًا، وعن الحسن: دَولة، وعن الكسائيِّ: حظًّا، وعن الأخفش: نصيبًا.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ذَنُوبًا} سَجْلًا.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في تفسير ({ذنُوبًا}) : (سَجْلًا) وهو المراد هنا، وفي بعض النُّسَخ وقع هذا بعد قوله: ({صَرَّةٍ} صَيْحَةٍ) وهو تخبيطٌ مِنَ الناسخ، و(السَّجْل) بفتح السين المُهْمَلة وسكون الجيم وباللَّام، وهو الدلو الممتلئ ماءً، ثُمَّ يُستعمَل في الحظِّ والنصيب.
          (ص) {صَرَّةٍ} صَيْحَةٍ.
          (ش) أشار به إلى قوله ╡ : {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} وفسَّر (الصَّرَّة) بالصيحة، وكذا روي عن مجاهدٍ.
          (ص) الْعَقِيمُ: الَّتِي لَا تَلِدُ.
          (ش) أشار به إلى قوله ╡ : {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} هي التي لا تلد، وهي سارة ♀، وكانت لم تلد قبل ذلك، فولدت وهي بنت تسعٍ وتسعين سنةً، وإبراهيم صلوات الله عليه يومئذ ابن مئة سنةٍ.
          (ص) وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: وَالحُبُكُ: اسْتوَاؤُها وَحُسْنُهَا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ}[الذاريات:7] وفسَّر (الحُبُك) باستواء السماء وحُسْنِها، وكذا روى ابن أبي حاتمِ عن الأشجِّ: حَدَّثَنَا ابن فضيل: حدَّثنا عطاء بن السائب، عن سعيدٍ، عن ابن عَبَّاس وقتادة والربيع: ذات الخَلْق الحسن المستوي، وكذا قال عِكْرِمَة، وقال: ألم تر إلى النَّسَّاج نسجَ الثوبَ وأجادَ نَسْجَه؛ قيل: ما أحسن حَبْكه! وعن الحسن: حُبِكَت بالنجوم، وعن سعيد بن جُبَيرٍ: ذات الزينة، وعن مجاهدٍ: هو المتقَن البُنيان، وعن الضَّحَّاك: ذات الطرائق، ولكنَّها تبعد عن الخلائق فلا يرونها.
          (ص) {فِي غَمْرةٍ} فِي ضَلالَتِهِمْ يَتَمَادَوْنَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ}[الذاريات:10-11] وفسَّر (الغمرة) بالضلالة، وقيل: الغمرة: الشُّبْهة والغَفلة، وفي بعض النُّسَخ: <{فِي غَمْرَةٍ} في ضلالةٍ يتمادون يتطاولون>.
          قوله: {سَاهُونَ} أي: لاهون.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: (تَوَاصَوْا) تَوَاطَؤُوا.
          (ش) أي: قال به غيرُ ابن عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}[الذاريات:53] وفسَّر (تَوَاصَوْا) بقوله: (تَوَاطَؤُوا) وأخرجه ابن المنذر مِن طريق أبي عُبَيدة بقوله: تواطؤوا عليه، وأخذه بعضُهم عن بعضٍ، قال الثعلبيُّ: أوصى بعضهم بعضًا بالتكذيب، وتواصَوا عليه، والألف فيه ألف التوبيخ.
          (ص) وَقَالَ: {مُسَوَّمَةً} مُعَلَّمَةً مِنَ السَّمَاءِ.
          (ش) أي: قال غيرُ ابن عَبَّاس أيضًا في قوله تعالى: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ. مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}[الذاريات:33-34] وفسَّر ({مُسَوَّمَةً}) بقوله: (مُعَلَّمَةً مِنَ السَّمَاءِ) وهي مِن السَّومة؛ وهي العلامة.
          (ص) {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} لُعِنُوا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}[الذاريات:10] أي: (لُعِنُوا)، ووقع هذا في بعض النُّسَخ، وعن ابن عَبَّاسٍ: {الْخَرَّاصُونَ} المُرتابون، وعن مجاهدٍ: هم الكهَنة، وقد وقع هنا تقديمٌ وتأخيرٌ في بعض التفاسير في النُّسَخ، ولم يَذكُر في هذه السورة حديثًا مرفوعًا، والظاهر أنَّهُ لم يجد شيئًا منه على شرطه.