عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

سورة الرعد
  
              

          ░░░13▒▒▒ (ص) سُورَةُ الرَّعْدِ.
          (ش) أي: هذا بيان تفسير بعض (سورة الرعد)، قيل: إنَّها مَكِّيَّةٌ، وقيل: مدنيَّةٌ، وقيل: منها مَكِّيٌّ ومدنيٌّ، وهي ثلاثة آلافٍ وخمس مئةٍ وستَّة أحرف، وثمان مئةٍ وخمس وخمسون كلمة، وثلاث وأربعون آية.
          (ص) ♫
          (ش) لم تثبت البسملة إلَّا في رواية أبي ذرٍّ وحده.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ}[الرعد:14] مَثَلُ الْمُشْرِكِ الَّذِي عَبَدَ مَعَ اللهِ إِلَهًا غَيْرَهُ كَمَثَلِ الْعَطْشَانِ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى ظِلِّ خَيَالِهِ فِي الْمَاءِ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ وَلَا يَقْدِرُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ} الآيَةَ[الرعد:14].
          قوله: ({وَالَّذِينَ}) أي: المشركين الذين يدعون الأصنام مِن دون الله يريدون منها من دفع أو رفعٍ لا يستجيبون لهم بشيءٍ مِن ذلك.
          قوله: ({كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ}) أي: إلَّا كباسط كفَّيه، وقال ابن عَبَّاسٍ فيه: (مثل المشرك الذي عبد مع الله إلهًا آخرَ...) إلى آخره، وصله أبو مُحَمَّدٍ عن أبيه: حَدَّثَنَا أبو صالحٍ: حَدَّثَنَا معاوية عن عليٍّ عن ابن عَبَّاسٍ.
          قوله: (لَا يَقْدِرُ) بالراء في رواية الأكثرين، وروي: <فلا يقدم> بالميم، وهو تصحيفٌ وإن كان له وجهٌ مِن حيث المعنى.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: {سَخَّرَ} ذَلَّلَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى}[فاطر:13] وفسَّره بقوله: (ذَلَّلَ) يعني: ذلَّلهما لمنافع خلقه ومصالح عباده.
          {كُلٌّ يَجْرِي} أي: كلُّ واحدٍ / يجري إلى وقتٍ معلومٍ؛ وهو فناء الدنيا وقيام الساعة.
          (ص) {مُتَجَاوِرَاتٌ} مُتَدَانِيَاتٌ.
          أشار به إلى قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ}[الرعد:4] وفسَّر ({مُتَجَاوِرَاتٌ}) بقوله: (مُتَدَانِيَات)، وقيل: متقاربات، يقرب بعضها مِن بعضٍ بالجوار ويختلف بالتفاضل، فمنها عذبةٌ ومنها مالحةٌ ومنها طيَّبةٌ تنبت، ومنها سبخةٌ لا تنبت.
          (ص) وقال مُجَاهِدٌ: {مُتَجَاوِرَاتٌ} طَيِّبُها عَذْبُها وخَبِيثُها السِّباخُ.
          (ش) روى هذا التعليقَ أبو بَكْر بن المنذر عن موسى، عن أبي بكرٍ، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ.
          (ص) {الْمَثُلَاتُ} وَاحِدُهَا: مَثُلَةٌ، وَهْيَ الأَشْبَاهُ وَالأَمْثَالُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ}[الرعد:6] أي: وقد مضت {مِنْ قَبْلِهِمُ} مِن الأمم التي عصت ربَّها، وكذَّبت رسلَها بالعقوبات، و({المَثُلَات} وَاحِدُهَا: مَثُلَة) بفتح الميم وضمِّ الثاء؛ مثل: صَدُقَةٍ وصَدُقَاتٍ، وفسَّر {الْمَثُلَاتُ} بقوله: (وَهِيَ الأَشْبَاهُ وَالأَمْثَالُ)، [وروى الطَّبَريُّ مِن طريق ابن أبي نَجِيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {الْمَثُلَاتُ} قال: الأمثال]، وعن معمرٍ عن قتادة قال: {الْمَثُلَاتُ} العقوبات، ومِن طريق زيد بن أسلم قال: {الْمَثُلَاتُ} ما مثَّل اللهُ به مِن الأمم مِن العذاب، وسكَّن يحيى بن وثَّاب الثاء في قراءته وضمَّ الميم، وقرأ طلحة بن مُصرِّف بفتح الميم وسكون الثاء، وقرأ الأَعْمَش بفتحهما، وفي روايةٍ عن أبي بَكْر بن عَيَّاشٍ بضمِّهما، وبه قرأ عيسى بن عُمَر.
          (ص) {بِمِقْدَارٍ} بِقَدَرٍ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}[الرعد:8] وفسَّره بقوله: (بِقَدَرٍ) و(المقدار) على وزن (مِفْعَال) معناه: بحدٍّ لا يُجاوزه ولا ينقص عنه، وعن ابن عَبَّاسٍ: يقدِّر كلَّ شيءٍ مِمَّا يكون قبل أن يكون وكلَّما هو كائنٌ إلى يوم القيامة.
          (ص) {مُعَقِّباتٌ} مَلَائِكَةٌ حَفَظَةٌ تُعَقِّبُ الأُولى مِنْها الأُخْرَى، ومِنْهُ قِيلَ: العَقِيبُ، يُقالُ: عَقَّبْتُ في إثْرِهِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ}[الرعد:11] وفي رواية أبي ذرٍّ: <يقال: {مُعقِّباتٌ}> فسَّرها بقوله: (مَلَائِكَةٌ حَفَظَةٌ) يتعاقبون باللَّيل والنهار، فإذا صعدت ملائكة النهار عقبتها ملائكة الليل، و(التعقيب) العَود بعد البدء.
          قوله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} أي: لله تعالى معقِّبات، وعن ابن عَبَّاسٍ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} يعني: لمُحَمَّد مِنَ الرَّحْمَن حارسٌ {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ} يعني: من شرِّ الإنس والجنِّ ومن شرِّ طوارق اللَّيل والنهار، وقيل: الضمير في {لَهُ} يرجع إلى الإنسان، و(المعقِّبات) جمع (مُعَقِّبة)، و(مُعَقِّبة) جمع (مُعَقِّب)، فـ(المُعقِّبات) جمع جمعٍ؛ كما قيل: اِبناوات سعدٍ، ورجالات بكرٍ، قاله الثعلبيُّ، وقيل: المعقِّبات: الخدم والحرَس حول السلطان، وقيل: ما يُتعقَّب من أوامر الله وقضاياه.
          قوله: ({يَحْفَظُونَهُ}) أي: يحفظون المستخفيَ باللَّيل والسَّاربَ بالنهار.
          قوله: ({مِنْ أَمْرِ اللهِ}) أي: يحفظونه بأمرِ الله مِن أمر الله، فإذا جاء القَدَر خلَّوا عنه، وعن ابن عَبَّاسٍ: يحفظونه مِن أمر الله ما لم يجئِ القَدَر.
          قوله: (ومِنْهُ قِيلَ: العَقِيبُ) أي: ومِن أصل (المعقِّبات) يقال: العقيب، وهو الذي يأتي في عقب الشيء، وفي بعض النُّسَخ: <ومنه: العَقِب> بلا ياءٍ بمعناه، وعَقِبُ الرجل: نسلُه.
          قوله: (يُقالُ: عَقَّبْتُ في إثْرِهِ) بتشديد القاف في ضبط الدِّمْيَاطِيِّ بخطِّه، وقال ابن التين: هو بفتح القاف وتخفيفها، قال: وضبطه بعضُهم بتشديدها، وفي بعض النُّسَخ بكسرها، ولا وجه له إلَّا أن يكون لغةً.
          (ص) {الْمِحَالِ} الْعُقُوبَةُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}[الرعد:13] وفسَّره بقوله: (العُقُوبَة)، وعن عليٍّ ☺ : شديد الأخذ، وعن مجاهدٍ: شديد القوَّة، وعن الحسن: شديد المماحَلة والمماكَرة والمغالَبة، وعن مجاهدٍ في روايةٍ: شديد الانتقام.
          (ص) {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} لِيَقْبِضَ عَلَى الْمَاءِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ}[الرعد:14].
          قوله: {لَا يَسْتَجِيبُونَ} يعني: الذين يُشرِكون ويدعون الأصنام مِن دون الله / {لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} أي: إلَّا كما لا ينفع باسط كفَّيه إلى الماء مِن العطش ليقبضه حَتَّى يؤدِّيه إلى فمه، فلا يتمُّ له ذلك ولا يجمعه، وعن عليِّ ☺ : يعني: كالرجل العطشان الجالس على شفير الماء ويمدُّ يديه إلى البئر، فلا يبلغ قعر البئر، ولا يبلغ إلى الماء، والماء لا ينزو ولا يرتفع إلى يده؛ كذلك لا ينفعهم ما كانوا يدعون مِن دون الله ╡ ، والعرب تضرب لمَن سعى فيما لا يدركه وطَلَبَ ما لا يجده مَثَلًا بالقابض على الماء؛ لأنَّ القابض على الماء لا شيءَ في يده.
          (ص) {رَابِيًا} مِنْ رَبَا يَرْبُو.
          (ش) أشار به إلى قوله ╡ : {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا}[الرعد:17] [وأشار بقوله: ({رَابِيًا} مِنْ رَبَا يَرْبُو) إلى أنَّ اشتقاق {رَابِيًا}] مِن رَبَا يَرْبُو، مِن باب (فَعَل يَفعُل) أي: انتفخ، قاله أبو عُبَيْدةَ، وفي التفسير: رابيًا عاليًا مرتفعًا فوق الماء.
          (ص) {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} وَالْمَتَاعُ مَا تَمَتَّعْتَ بِهِ.
          (ش) أشار به إلى قوله: {ومِمَّا تُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}[الرعد:17] فسَّر (المتاع) بقوله: (وَالْمَتَاعُ: مَا تَمَتَّعْتَ بِهِ).
          قوله: {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} أي: لأجل ابتغاء؛ أي: طلب حليةٍ؛ أي: زينةٍ {أَوْ مَتَاعٍ} وأراد به جواهر الأرض مِنَ الذهب والفضَّة والحديد والصُّفْر والنحاس والرصاص، يُذَاب فيتَّخذ منه الأشياء مِمَّا يُنْتَفع به مِن الحليِّ والأواني وغيرهما.
          قوله: {زَبَدٌ مِثْلُهُ} أي: له زبدٌ إذا أُذِيب مثل الحقِّ، والزبد الذي لا يبقى ولا ينتفع به مثل الباطل.
          (ص) {جُفَاءً} يُقَالُ: أَجْفَأَتِ الْقِدْرُ؛ إِذَا غَلَتْ فَعَلَاهَا الزَّبَدُ، ثُمَّ تَسْكُنُ فَيَذْهَبُ الزَّبَدُ بِلَا مَنْفَعَةٍ، فَكَذَلِكَ يُمَيِّزُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً}[الرعد:17] وفسَّر (الجُفَاء) بقوله: (يُقَالُ: أَجْفَأَتِ الْقِدْرُ...) إلى آخره، وقال أبو عَمْرو بن العلاء: يقال: «أجفأت القِدر» وذلك إذا غلت وانصبَّ زَبَدُها، فإذا سكنت لم يبقَ منه شيءٍ، ونقل الطَّبَريُّ عن بعض أهل اللُّغة أنَّ معنى قوله: {فَيَذْهَبُ جُفَاءً} تُنشِّفه الأرض، يقال: جفأ الوادي وأجفأ؛ بمعنى نشف.
          قوله: (فَكَذَلِكَ يُمَيِّزُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ) في الحقيقة إشارةٌ إلى قوله تعالى في أثناء الآيات المذكورة: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ}، وأوضح ذلك بقوله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} ومعنى قول البُخَاريِّ: (فَكَذَلِكَ) أي: فكما ميَّز الله الزبدَ الذي يبقى مِن الذي لا يبقى ولا يُنْتَفع به يُميِّز الحقَّ الذي يبقى ويستمرُّ مِنَ الباطل الذي لا أصل له ولا يبقى.
          (ص) {الْمِهَادُ} الْفِرَاشُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[الرعد:18] وفسَّره بقوله: (الْفِرَاشُ) ولم يثبت هذا إلَّا في رواية غير أبي ذرٍّ.
          (ص) {يَدْرَؤُونَ} يَدْفَعُونَ، دَرَأْتُهُ: دَفَعْتُهُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد:22] وفسَّر قوله: ({يَدْرَؤُونَ}) بقوله: (يَدْفَعُونَ) يقال: درأتُ فلانًا؛ إذا دفعتَه، وأصله مِن الدَّرْء؛ وهو الدفع.
          (ص) {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} أَيْ: يَقُولُونَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد:24] وقَدَّر هنا محذوفًا؛ وهو (يقولون)، وفي التفسير: يدخل الملائكة على أهل الجنَّة فيُسلِّمون عليهم بما صبروا على الفقر في الدنيا، وقيل: على الجهاد، وقيل: على ملازمة الطاعة ومفارقة المعصية، وقيل: على تركهم الشهوات.
          (ص) {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} إِلَيْهِ تَوْبَتِي.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}[الرعد:30] وفي التفسير: وإليه رُجوعي، و(المتاب) مصدرٌ ميميٌّ، يقال: تاب إلى الله توبةً ومَتابًا، والتوبة: الرجوع مِنَ الذنب.
          (ص) {أَفَلَمْ يَيْأَسْ}؟: أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ؟
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}؟ [الرعد:31] وفسَّر: ({أَفَلَمْ يَيْئَسِ}؟) بقوله: (أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ) ؟ وعن ابن عَبَّاسٍ: أفلم يعلم؟ قال الكلبيُّ: {ييأس} يعلم في لغة النَّخَع، وهو قولُ مجاهدٍ والحسن وقتادة، ونقل الطَّبَريُّ عن القاسم بن مَعْنٍ: أنَّهُ كان / يقول: إنَّها لغة هوزان، يقول: يئستُ كذا؛ أي: علمتُه.
          (ص) {قَارِعَةٌ} دَاهِيَةٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ}[الرعد:31] أي: داهيةٌ مهلكةٌ، قاله أبو عُبيدة.
          (ص) {فَأَمْلَيْتُ} أَطَلْتُ، مِنَ الْمَلِيِّ وَالْمِلَاوَةُ، وَمِنْهُ: {مَلِيًّا}[مريم:46]، وَيُقَالُ لِلْوَاسِعِ الطَّوِيلِ مِنَ الأَرْضِ: مَلًى.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}؟ [الرعد:32] وفسَّر (أَمْلَيْتُ) بقوله: (أَطَلْتُ) كذا فسَّره أبو عُبيدة.
          قوله: (مِنَ الْمَلِيِّ) بفتح الميم وكسر اللَّام وتشديد الياء بغير همزٍ، قال الجَوْهَريُّ: المَليُّ: الهَويُّ مِنَ الدهر، يقال: أقام مَليًّا مِنَ الدهر، قال تعالى: {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}[مريم:46] أي: طويلًا، ومعنى مليٌّ مِن النهار؛ أي: ساعةٌ طويلةٌ.
          قوله: (وَالمِلَاوَة) بكسر الميم، يقال: أقمتُ عنده مِلاوةً مِنَ الدهر، ومُلاوة ومَلاوة؛ أي: حينًا وبرهةً، وكذلك مِـُـَلوَة مِنَ الدهر، بتثليث الميم، و(المَلا) مقصورٌ: الواسع مِنَ الأرض، وقال الجَوْهَريُّ: «الملا» مقصورٌ: الصحراء، والمَلَوان: اللَّيل والنهار.
          (ص) {أَشَقُّ} أَشَدُّ، مِنَ الْمَشَقَّةِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ وَاقٍ}[الرعد:34] وأراد بقوله: (أَشَدُّ) أنَّ لفظ ({أَشَقُّ}) (أفعَل) التفضيل، مِن شقَّ يشقُّ.
          (ص) {صِنْوَانٌ} النَّخْلَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} وَحْدَهَا، {بِمَاءٍ وَاحِدٍ} كَصَالِحِ بَنِي آدَمَ وَخَبِيثِهِمْ أَبُوهُمْ وَاحِدٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} الآيَةَ [الرعد:4] وفسَّر قوله: ({صِنْوَانٌ}) بقوله: (النَّخْلَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ) وكذا قال ابن عَبَّاسٍ: «الصنوان» ما كان مِن نخلتين أو ثلاثة أو أكثر أصلُهنَّ واحدٌ، وهو جمع (صِنو)، ويُجمَع في القلَّة على (أصْناءٍ) ولا فرق بينهما في التثنية والجمع إلَّا في الإعراب؛ وذلك أنَّ النون في التثنية مكسورةٌ أبدًا غير منوَّنةٍ، وفي الجمع منوَّنةٌ تَجري بجريان الإعراب، والقرَّاء كلُّهم على كسر الصاد إلَّا أبا عبد الرَّحْمَن السُّلَميَّ فَإِنَّهُ يضمُّها.
          قوله: ({وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} وَحْدَهَا) أي: {غَيْرُ صِنْوَانٍ} المتفرِّق الذي لا يجمعُه أصلٌ واحدٌ.
          قوله: ({بِمَاءٍ وَاحِدٍ}) أي: تُسقى بماءٍ واحدٍ، وفي رواية الفِرْيَابيِّ عن مجاهدٍ مثل ما قاله البُخَاريُّ، لكن قال: {تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} قال: بماء السماء.
          قوله: (كَصَالِحِ بَنِي آدَمَ...) إلى آخره: شبَّه الصِّنوان الذي أصله واحدٌ والصِّنوان المتفرِّق الذي لا يجمعُه أصلٌ واحدٌ بصالح بني آدم (وخَبِيثِهِم أَبُوهُم وَاحِدٌ)، وقال الحسن: هذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى لقلوبِ بني آدم؛ فقلبٌ يرقُّ فيخشع ويخضَع، وقلبٌ يسهو ويلْهو، والكلُّ مِن أصلٍ واحدٍ، وكذلك {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} منها ما يُخرِج الطيِّبَ، ومنها ما يُخرِج غيرَ الطيِّبِ، وأصلُها واحدٌ، والكلُّ تُسقَى بماءٍ واحدٍ.
          (ص) السَّحَابُ الثِّقَالُ: الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}[الرعد:12] أي: يُسيِّر السحاب؛ وهو جمع (سحابةٍ)، و{الثِّقَالَ} صفة {السَّحَابَ} أي: الثِّقال بالمطر.
          (ص) {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} تَمْلأُ بَطْنَ وَادٍ.
          (ش) أشار به إلى قوله ╡ : {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}[الرعد:17] يعني: أنزل الله تعالى مِنَ السماء ماءً _يعني: المطر_ فسالت مِن ذلك الماء بقدرها الكبير بقدره والصغير بقدره.
          و(الأَوْدِيَةِ) جمع (وادٍ)، وهو كلُّ مَفرَجٍ بين جبلينِ يجتمع إليه ماءُ المطر، قيل: و(القَدْر) مبلغ الشيء، والمعنى: بقدٍرها مِنَ الماء، فإن صغُر قلَّ الماء، وإن اتَّسع كثُر.
          قوله: (بَطْنَ وَادٍ) هكذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الأصيليِّ: <يملأ كلَّ وادٍ>.
          وفي التفاسيرِ المذكورة اختلافٌ كثيرٌ بالتقديم والتأخير والزيادة والنقصان.