عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

{والصافات}
  
              

          ░░░37▒▒▒ (ص) سُورُةُ {وَالصَّافَّاتِ}
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض سورة: {وَالصَّافَّاتِ} وليس في بعض النُّسَخ لفظ (سورة).
          وهي مَكِّيَّةٌ بالاتَّفاق إلَّا ما روي عن عبد الرَّحْمَن بن زيدان: قوله: {قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ}[الصافات:51]إلى آخر هذه القصَّة.
          وهي ثلاثةُ آلافٍ وثمان مئةٍ [وستَّةٌ وعشرون حرفًا، وثمان مئة وستُّون كلمة، ومئةٌ] واثنان وثمانون آية.
          (ص) ♫
          (ش) ثبتت البسملة هنا عند الكلِّ.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} يُرْمَوْنَ.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ. دُحُورًا}[الصافات:8-9] وفسَّر ({يُقْذَفُونَ}) بقوله: (يُرْمَوْنَ) وفي التفسير: يُرمَون يطردون {مِن كلِّ جانبٍ} مِن جميع جوانب السماء أيِّ جهةٍ صعدوا للاستراق.
          قوله: ({دْحُورًا}) أي: طردًا، مفعولٌ له؛ أي: مطرودون للدحور، ويجوز أن يكون حالًا؛ أي: مدحورين، وهذا إلى قوله: (لَازِبٌ لَازِمٌ) لم يثبت في رواية أبي ذرٍّ.
          (ص) {وَاصِبٌ} دَائِمٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}[الصافات:9] وفسَّره بقوله: (دَائِم) نظيره قوله: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} وعن ابن / عَبَّاس: شديدٌ، وقال الكلبيُّ: موجعٌ، وقيل: خالصٌ.
          (ص) (لَازِبٌ) لَازِمٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}[الصافات:11] وفسَّره بقوله: (لَازِمٌ)، وفي التفسير: {طِينٍ لَّازِبٍ} أي: جَيِّد حُرٍّ، يلصق ويعلق باليد، و(اللازم) مُبدَل الميم، كأنَّه يلزم اليد، وعن السُّدِّيِّ: خالصٌ، وعن مجاهدٍ والضَّحَّاك: متينٌ.
          (ص) {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} يَعْنِي: الْجِنُّ الْكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّياطِينِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}[الصافات:28] وفسَّره بقوله: (يَعْنِي: الْجِنَّ) بالجيم والنون المشدَّدة، هذا هكذا في رواية الكُشْميهَنيِّ، وقال عياضٌ: هذا قول الأكثرين، ويروى: <يعني الحقَّ> بالحاء المُهْمَلة والقاف المشددَّة، فعلى هذا يكون لفظ (الْحَقَّ) تفسيرًا لـ(الْيَمِينِ) ؛ أي: كنتم تأتوننا مِن جهة الحقِّ فتلبسونه علينا.
          وقوله: (الْكُفَّارُ) مبتدأٌ، و(تَقُولُهُ) خبره؛ أي: تقول الكفَّار هذا القول للشياطين، وأَمَّا على رواية: (الجنِّ) ؛ بالجيم والنون: فالمعنى: الجنُّ الكفَّار تقوله للشياطين، وهكذا أخرجه عبد بن حُمَيدٍ عن مجاهدٍ، فيكون لفظ: (الْكُفَّارِ) على هذا صفةً للجنِّ، فافهم فَإِنَّهُ موضعٌ فيه دقَّةٌ.
          (ص) {غَوْلٌ} وَجَعُ بَطْنٍ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ}[الصافات:47] وفسَّر قوله: ({غَوْلٌ}) بقوله: (وَجَعُ بَطْنٍ) وهذا قول قتادة، وعن الكلبيِّ: لا فيها إثمٌ، نظيره: {لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ}[الطور:23] وعن الحسن: صداع، وقيل: لا تذهب عقولهم، وقيل: لا فيها ما يُكرَه، وهذا أيضًا لم يثبت لأبي ذرٍّ.
          (ص) {يُنْزِفُونَ} لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزِفُونَ} وفسَّره بقوله: (لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ) هذا على قراءة كسر الزاي، ومَن قرأها بفتحها، فمعناه: لا ينفذ شرابهم، وفي التفسير: لا يغلبهم على عقولهم ولا يسكرون بها، يقال: نزف الرجل، فهو منزوفٌ ونزيفٌ؛ إذا سكر وزال عقله، وأنزف الرجل: إذا فنيت خمره.
          (ص) {قَرِينٌ} شَيْطَانٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ}[الصافات:51] وفسَّره بقوله: (شَيْطَانٌ) يعني: كان لي قرينٌ في الدنيا، وهذا وما قبله لم يثبت لأبي ذرٍّ.
          (ص) {يُهْرَعُونَ} كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ}[الصافات:7] وفسَّره بقوله: (كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ) أراد أنَّهم يسرعون كالمهرولين، والهرولة: الإسراع في المشي.
          (ص) {يَزِفُّونَ} النَّسَلَانُ فِي الْمَشْيِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ}[الصافات:94] وفسَّر (الزفَّ) الذي يدلُّ عليه: ({يَزِفُّونَ}) بقوله: (النَّسَلَانُ فِي الْمَشْيِ)، و(النَّسَلان) بفتحتين: الإسراع مع تقارب الخُطا، وهو دون السعي، وقيل: هو مِن زفيف النَّعَام، وهو حالٌ بين المشي والطيران، وقال الضَّحَّاك: {يَزِفُّونَ} معناه: يسعون، وقرأ حمزة بِضَمِّ أوَّله، وهما لغتان.
          (ص) {وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ الله وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ. وقال الله تعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}[الصافات:158] سَتَحْضَرُ لِلْحِسابِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} الآيَةَ، وهذا كلُّه لم يثبت لأبي ذرٍّ؛ أي: جعل مشركو مكَّة بينه _أي: بين الله_ وبين الجِنَّة _أي: الملائكة، وسَمُّوهم جِنةً: لاجتنانهم عن الأبصار_ وقالوا: الملائكة بنات الله.
          قوله: (وَأُمَّهَاتُهُمْ) أي: أمُّهات الملائكة (بَنَاتُ سَرَواتِ الْجِنِّ) ؛ أي: بنات خواصِّهم، و(السروات) جمع (سَرَاة)، و(السَّرَاة) : جمع (سَرِيٍّ)، وهو جمعٌ عزيزٌ أن يُجمع (فعيلٌ) على (فَعَلَة)، ولا يُعرَف غيره.
          قوله: ({وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ}) أي: إنَّ قائلي هذا القول ({لَمُحْضَرُونَ}) في النار ويعذِّبهم، ولو كانوا مناسبين له أو شركاء في وجوب الطاعة لما عذَّبهم.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} الْمَلَائِكَةُ.
          (ش) أي: قال ابن عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}[الصافات:165-166] ({الصَّافُّونَ}) هم: (الملائكة) هذا أخرجه ابن جريرٍ عنه بزيادة: (صافُّون نسبح له)، وقال الثعلبيُّ: أي: لنحن الصافُّون في الصلاة.
          (ص) / {صِرَاطِ الْجَحِيمِ} {سَوَاءِ الْجَحِيمِ} وَوَسَطِ الْجَحِيمِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات:23] وقوله: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}[الصافات:55] وأشار بهذا أنَّ هذه الألفاظ الثلاثة بمعنًى واحدٍ، وفي التفسير: {صِرَاطِ الْجَحِيمِ} طريق النار، والصراط: الطريق، ولم يثبت هذا لأبي ذرٍّ والذي قبله أيضًا.
          (ص) {لَشَوْبًا} يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ}[الصافات:67] وفسَّر (شَوْبًا) بقوله: (يُخْلَطُ)... إلى آخره.
          قوله: (وَيُسَاطُ) أي: يخلط، مِن ساطه يسوطه سوطًا؛ أي: خلطه، وقال الجَوْهَريُّ: السوط: خلط الشيء بعضَه في بعضٍ، و(الحميم) : هو الماء الحارُّ الشديد.
          (ص) {مَدْحُورًا} مَطْرُودًا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا}[الأعراف:18] لكن هذا في (الأعراف) وليس هنا محلُّه، والذي في هذه السورة هو قوله: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. دُحُورًا} وقد مرَّ بيانه عن قريبٍ، وفسَّر ({مَدْحُورًا}) بقوله: (مَطْرُودًا) لأنَّ الدحر هو الطرد والإبعاد.
          (ص) {بَيْضٌ مَكْنُونٌ} اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ.
          (ش) أشار به إلى قوله ╡ : {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}[الصافات:49] وفسَّره بقوله: (اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ) يعني: في الصفاء واللِّين، و(البَيْض) جمع (بيضة)، وفي التفسير: {مَكْنُونٌ} أي: مستورٌ، وقيل: أي: مصونٌ، وكلُّ شيء صنته، فهو مكنونٌ، وكلُّ شيء أضمرتَه فقد أكننتَه، وإِنَّما قال: {مَكْنُونٌ} مع أنَّهُ صفة {بَيْض} وهو جمعٌ؛ بالنظر إلى اللَّفظ.
          (ص) {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} يُذْكَرُ بِخَيْرٍ.
          (ش) وفي بعض النُّسَخ: <باب وتركنا>، وفي البعض: <باب>.
          قوله: ({وَتَرَكْنَا}) وهذا ثبت للنَّسَفِيِّ وحده؛ أي: تركنا على إلياسين في الآخرين، وقيل: على مُحَمَّدٍ صلعم ، وفي «تفسير النَّسَفِيِّ»: قرأ ابن عامرٍ ونافعٌ ويعقوب: {آل ياسين} بالمدِّ، والباقون: {إِلْياسين} بالقطع والقصر، ومن قرأ: {إلياسين} فهي لغةٌ في (إلياس) ؛ كما يقال: (ميكائين) في (ميكائيل)، وقيل: هو جمعٌ، أراد إلياس وأتباعَه مِنَ المؤمنين.
          قوله: (يُذْكَرُ بِخَيْرٍ) تفسير قوله: ({وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ}) وقيل: أي: ثناءً حسنًا في كلِّ أمَّةٍ إلى يوم القيامة.
          (ص) {يَسْتَسْخِرُونَ} يَسْخَرُونَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ}[الصافات:14] وفسَّره بقوله: (يَسْخَرُونَ).
          (ص) {بَعْلًا} رَبًّا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}[الصافات:125] وفسَّر ({بَعْلًا}) بقوله: (رَبًّا) وهو اسم صنمٍ كانوا يعبدونه، ومنه سُمِّيت مدينتهم بعلبكَّ، ولم يثبت هذا إلَّا للنَّسَفِيِّ.