عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

الحديد
  
              

          ░░░57▒▒▒ (ص) سورة الْحَدِيدُ والْمُجَادِلَةُ.
          (ش) أي: هذا في تفسيرِ بعض (سورةِ الحديد)، و(سورةُ المجادِلة) غيرُ (سورةِ الحديد)، وعقيب (سورةِ الحديد) تأتي (سورةُ المجادِلة)، ولكن وقع في رواية أبي ذرٍّ هكذا: (سورة الحديد) و(المجادلة)، ولغيره: <سورة الحديد> فقط.
          و(سورة الحديد) مكِّيَّةٌ، خلافًا للسُّدِّيِّ، وقال الكلبيُّ: فيها مكِّيَّةٌ وفيها مَدَنِيَّةٌ، وهو الصحيحُ؛ لأنَّ فيها ذِكْرَ المنافقين، ولم يكنِ النفاقُ إلَّا في المدينة، وفيها أيضًا: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ} الآيَةَ [الحديد:10]، ولم تنزل إلَّا بعد الفتح، ولا قتالَ إلَّا بعد الهجرة، وأوَّلُها مَكِّيٌّ، فإنَّ عُمَرَ ☺ قرأه في بيتِ أختِه قبل إسلامِهِ، وقال السَّخَاويُّ: نزلت بعد «سورة الزلزلة» وقبل «سورة مُحَمَّد صلعم ».
          وهي ألفان وأربعُ مئةٍ وستَّةٌ وسبعون حرفًا، وخمسُ مئةٍ وأربعٌ وأربعون كلمةً، وتسعٌ وعشرون آيةً.
          (ص) ♫
          (ش) ثبتت البسملةُ لأبي ذرٍّ دون غيرِه.
          (ص) قَالَ مُجَاهِدٌ: {جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ} مُعَمَّرِينَ فِيهِ.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قولِه تعالى: {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد:7] أي: (مُعَمَّرِينَ فِيهِ)، ولم يَثْبُت هذا لأبي ذرٍّ، وعن الفَرَّاءِ: {مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} أي: مُمَلَّكِين فيه.
          (ص) {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[الحديد:9]، وسقط هذا أيضًا لأبي ذرٍّ.
          (ص) {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} جُنَّةٌ وَسِلَاحٌ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} أي: قُوَّةٌ شديدةٌ {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} مِمَّا يستعملونه في مصالحهم ومعايشهم؛ إذ هو آلةٌ لِكُلِّ صَنْعَةٍ.
          وفسَّر البُخَاريُّ قولَه: ({وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}) بقولِه: (جُنَّةٌ) بِضَمِّ الجيم وتشديد النون؛ أي: سُترة ووقاية.
          قولُه: (وَسِلَاحٌ) يشمل جميعَ آلاتِ الحرب، ورُوِيَ ما فسَّره عن مجاهدٍ، رواه عَبْدُ بنُ / حُمَيدٍ عن شَبابَة، عن ورقاء، عنِ ابنِ أبي نَجيحٍ، عنه.
          (ص) {مَوْلَاكُمْ} أَوْلَى بِكُمْ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ}[الحديد:15] أي: (أَوْلَى بِكُمْ)، كذا قاله الفَرَّاءُ وأبو عُبَيدة، وفي بعضِ النُّسَخ: <{مَوْلَاكُمْ} هو أولى بكم> وكذا وقع في كلام أبي عُبَيدة، وتذكيرُ الضميرِ باعتبار المكان؛ فافهم.
          (ص) {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} لِيَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ.
          (ش) أراد به أنَّ كلمة (لا) صلةٌ، تقديره: لِيَعْلَمَ، وقال الفَرَّاءُ: تُجْعَلُ «لا» صلةً في الكلام إذا دخل في أوَّله جحدٌ، أو في آخِرِه جَحْدٌ كهذه الآية، وقولِه: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ}[الأعراف:12]، وقرأ سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: {لِكَي لَا يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ}.
          (ص) يُقَالُ: {الظَّاهِرُ} عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، {وَالْبَاطِنُ} عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.
          (ش) أشار به إلى قولِه ╡ : {هُوَ الأَوَّل وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الحديد:2]، وفسَّر {الظَّاهِر} و{البَاطِن} بما ذَكَرَه، وكذا فسَّره الفَرَّاءُ، وفيه تفاسيرُ أخرى، ووقع في بعض النُّسَخ: <الظاهر بكلِّ شيءٍ>.
          (ص) {أَنْظِرُونَا} انْتَظِرُونَا.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ}[الحديد:13]، ومعناه: (انْتَظِرُونَا)، وقال الفَرَّاءُ: قرأها يحيى بنُ وثَّاب والأعمشُ وحمزةُ: {أَنْظِرُونَا} بقطع الألف، مِن أَنْظَرْتُ، والباقون على الوصل، وفي بعض النُّسَخ هذا وقع قبل قولِه: (يقال: الظاهر).