عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

سورة {ق}
  
              

          ░░░50▒▒▒ (ص) سَورَةُ {ق}.
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة {ق})، وهي مّكِّيَّةٌ كلُّها، وهي ألفٌ وأربع مئةٍ وأربعٌ وتسعون حرفًا، وثلاث مئة وسبعٌ وخمسون كلمةً، وخمسٌ وأربعون آيةً.
          وعن ابن عَبَّاس: أنَّهُ اسمٌ مِن أسماء الله تعالى أقسم اللهُ به، وعن قتادة: اسمٌ مِن أسماء القرآن، وعن القُرَظيِّ: افتتاح اسم الله تعالى: قديرٌ وقادرٌ وقاهرٌ وقريبٌ وقاضٍ وقابضٌ، وعن الشعبيِّ: فاتحة السورة، وعن عِكْرِمَة والضَّحَّاك: هو جبلٌ محيطٌ بالأرض مِن زمرُّدةٍ خضراء، خُضرةُ السماء منه، وعليه كتف السماء، وما أصاب الناسَ مِن زمرُّد مَا سقط مِن ذلك الجبل، وهي روايةٌ عن ابن عَبَّاسٍ، وعن مقاتلٍ: هو أَوَّل جبلٍ خُلِقَ، وبعده أبو قُبَيسٍ.
          (ص) ♫
          (ش) لم تثبت البسملة إلَّا لأبي ذرٍّ.
          (ص) {رَجْعٌ بَعِيدٌ} رَدٌّ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}[ق:3] وفسَّر قوله: ({رَجْعٌ بَعِيدٌ}) بقوله: (رَدٌّ) أي: الردُّ إلى الحياة بعيدٌ؛ فَإِنَّهُم ما كانوا يعترفون بالبعث، يقال: رجعته رجعًا فرجع هو رجوعًا، قال تعالى: {فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ}[التوبة:83].
          (ص) {فُرُوجٍ} فُتُوقٍ، وَاحِدُهَا: فَرْجٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} أي: وزيَّنَّا السماء وما لها مِن فُتوقٍ وشُقوقٍ، و(الفُرُوج) جمع (فَرْجٍ)، وعن ابن زيدٍ: الفُرُوج: الشيءُ المتفرِّق بعضُه مِن بعضٍ، وعن الكسائيِّ: معناه: ليس فيها تفاوتٌ ولا اختلافٌ.
          (ص) {مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} وَريدَاهُ فِي حَلْقِهِ، وَالحَبْلُ: حَبْلُ الْعاتِقِ.
          (ش) لم يثبت هذا إلَّا لأبي ذرٍّ، وأشار به إلى قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:16] أي: نحن أقدرُ عليه مِن حبل الوريد؛ وهو عِرْق العُنُق، وأضاف الشيءَ إلى نفسه؛ لاختلاف اللفظين، والتفسيرُ الذي ذكره رواه الفِرْيَابيُّ عن ورقاء عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد، ورواه الطَّبَريُّ من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاس.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} مِنْ عِظَامِهِمْ.
          (ش) أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} أي: (مِنْ عِظَامِهِمْ)، ذكره ابنُ المنذر عن عليِّ بن المبارك عن زيدٍ عن ابن ثور عن ابن جُرَيْج عن مجاهد، وادَّعى ابنُ التين أنَّهُ وقع <مِن أعظامِهِم> وأنَّ صوابه: (مِن عظامِهِم) لأنَّ (فَعْلًا) بفتح الفاء / وسكون العين لا يُجمَع على (أفعال) إلَّا خمسة أحرفٍ نوادر، وقيل: مِن أجسامهم.
          (ص) {تَبْصِرَةً} بَصِيرَةً.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ}، وفسَّر ({تَبْصِرَةً}) بقوله: (بَصِيرَةً) أي: جعلنا ذلك تبصرةً.
          قوله: {مُّنِيبٍ} أي: مُخلِصٍ.
          (ص) {حَبَّ الْحَصِيدِ} الْحِنْطَةُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ}[ق:9]، وفسَّره بقوله: (الْحِنْطَةُ) والشعير وسائر الحبوب التي تُحصَد، وهذه الإضافةُ مِن باب: (مسجِدُ الجامع) و(حقُّ اليقينِ) و(ربيعُ الأَوَّلِ).
          (ص) {بَاسِقَاتٍ} الطِّوَالُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ}[ق:10] وفسَّرها بقوله: (طِوَالٌ) يُقال: بَسَق الشيءُ يَبسُقُ بُسُوقًا؛ إذا طال، وقيل: إنَّ بسوقَها استقامتُها في الطُّول، ورُويَ أنَّهُ صلعم كان يقرأ: {باصِقات} بالصاد.
          (ص) {أَفَعَيِينَا} أَفَأَعْيَا عَلَيْنَا.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّل بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}[ق:15] وسقط هذا لأبي ذرٍّ.
          وفسَّر ({أَفَعَيِينَا}) بقوله: (أَفَأَعْيَا عَلَيْنَا) أي: أفَعَجَزْنا عنه وتعذَّر علينا، يقال: عيِيَ عن كذا؛ أي: عَجَز عنه.
          قوله: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} أي: في لَبْسِ الشيطانِ عليهم الأمرَ.
          قوله: {مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} يعني: البعث.
          (ص) {وَقَالَ قَرِينُهُ} الشَّيْطَانُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}، وفسَّر (القرين) بـ(الشَّيْطَانُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ) أي: قُدِّرَ، وعن قتادة: المَلَك الذي وُكِّل به، كذا في «تفسير الثعلبيِّ».
          (ص) {فَنَقَّبُوا} ضَرَبُوا.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ}[ق:36] وفسَّر قوله: (نَقَّبُوا) بقوله: (ضَرَبُوا) وكذا قال مجاهد، وعن الضحَّاك: طافوا، وعنِ النَّضْر بن شُمَيْل: دوَّخوا، وعنِ الفَرَّاء: خرقوا، وعن الْمُؤَرِّج: تباعَدوا، وقُرِئَ بكسر القاف مشدَّدًا على التهديد والوعيد؛ أي: طوِّفوا البلادَ وسِيروا في الأرض وانظروا هَلْ مِن محِيصٍ مِنَ الموت وأمرِ الله تعالى.
          (ص) {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق:37]، وفسَّره بقوله: (لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ) وفي التفسير: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي: استمع القرآنَ وأصغى إليه، {وَهُوَ شَهِيدٌ} حاضِرٌ، تقول العرب: ألقِ إليَّ سمعَك؛ أي: استمِع.
          (ص) حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ.
          (ش) سقط هذا لأبي ذرٍّ، وهذا بقيَّة تفسيرِ قوله تعالى: {أَفَعَيِينَا} وكان حقَّه أن يُكتَبَ عنده، والظاهرُ أنَّهُ مِن تَخْبيطِ الناسِخ.
          (ص) {رَقِيبٌ عَتِيدٌ} رَصَدٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله ╡ : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18] وفسَّره بقوله: (رَصَدٌ) وهو الذي يرصُد؛ أي: يرقُبُ وينظُر، وفي التفسير: {رَقِيبٌ} حافِظ، {عَتِيدٌ} حاضِر.
          (ص) {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} الْمَلَكَانِ كَاتِبٌ وَشَهِيدٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}[ق:37] [وذكر أنَّهما الْمَلَكَانِ؛ أحدُهما الكاتبُ، والآخَرُ شَهِيدٌ، وعنِ الحسن: سائقٌ يسوقها، وشهيدٌ] يشهد عليها بعملِها.
          (ص) {شَهِيدٌ} شَاهِدٌ بِالْقَلْبِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} أي: (شَاهِدٌ بِالْقَلْبِ) وكذا في رواية الكُشْميهَنيِّ: (بِالقَلْب) بالقاف واللام، وفي رواية غيرِه: <بالغيب > بالغين المُعْجَمة وسكونِ الياء آخِر الحروف، وكذا رويَ عن مجاهد.
          (ص) {لُغُوبٍ} نَصَبٍ.
          (ش) أشار به إلى قوله: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}[ق:38] وفسَّره بـ(النَّصَب) وهو التعَب والمشقَّة، ويُروى: <مِن نَصَب> و<النَّصَب>، وقال عبد الرزَّاق عن مَعمَر عن قتادة: قالت اليهود: إنَّ الله خلق الخلقَ في سِتَّة أيام، وفَرَغ مِنَ الخلق يوم الجمعة، واستراح يومَ السبت، فأكذَبَهم الله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: {نَضِيدٌ} الْكُفُرَّى مَا دَامَ فِي أَكْمَامِهِ، وَمَعْنَاهُ: مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ.
          (ش) أي: قال غيرُ مجاهد في قوله تعالى: {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ}[ق:10] وفسَّر (النَّضيد) بـ(الْكُفُرَّى) بِضَمِّ الكاف وفتح الفاء / وتشديد الراء وبالقصر، هو الطَّلْع (مَا دَامَ فِي أَكْمَامِهِ) وهو جمعُ (كِمٍّ) بالكسر، وقد مرَّ الكلامُ فيه عن قريب، وقال مسروقٌ: نخل الجنَّة نضيدٌ مِن أصلها إلى فَرعِها، وثمرُها مُنضَّدٌ أمثالَ القِلال والدِّلاء، كلَّما قَطَفت منه ثمرةً تنبتُ مكانَها أخرى، وأنهارُها تجري في غيرِ أُخدود.
          (ص) {أَدْبَارَ النُّجُومِ} وَ{أَدْبَارَ السُّجُودِ} كَانَ عَاصِمٌ يَفْتَحُ الَّتِي فِي (ق) وَيَكْسِرُ الَّتِي فِي (الطُّورِ)، وَيُكْسَرَانِ جَمِيعًا وَيُنْصَبَانِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}[ق:3] ووافق عاصمًا أبو عَمْرٍو والكسائيُّ، وخالفه نافعٌ وابنُ كثير وحمزةُ فكسروها، وقال الداوديُّ: مَن قرأ: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} بالكسر؛ يريد: عند مَيْلِ النُّجوم، ومَن قرأ بالفتح يقولُ: بعد ذلك.
          قوله ╡ : {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ. وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قوله: {سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} قيل: حقيقة مطلقًا، وقيل: دُبُر المكتوبات، وذكره البُخَاريُّ بعدُ عنِ ابن عَبَّاس، وقيل: صلِّ، فقيل: النوافلَ أدبارَ المكتوبات، وقيل: الفرائض.
          قوله: {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} يعني: الصُّبح، وَ(قَبْلَ المَغربِ) يعني: العصر.
          قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} يعني: صلاة العِشاء، وقيل: صلاة الليل.
          قوله: ({وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}) الرَّكعتان بعد المغرب، ({وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}) الركعتان قبل الفجر، و(الأَدبار) بالفتح: جمع (دُبُر)، وبالكسر: مصدرٌ مِن أَدبَر يُدبِرُ إدبارًا.
          قوله: (وَيُكْسَرَانِ جَمِيعًا) يعني: التي في (ق) والتي في (الطُّور).
          قوله: (وَيُنْصَبَانِ) أراد به: يُفتَحان جميعًا، ورجَّح الطَّبَريُّ الفتح فيهما.
          (ص) قَالَ ابْنُ عَبَّاس: {يَوْمُ الْخُرُوجِ} [يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُبُورِ.
          (ش) أي: قال ابنُ عَبَّاس في قوله تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}[ق:42]
] أي: يوم يخرجُ الناسُ مِن قبورهم، وهذا وصَلَه ابنُ أبي حاتم مِن طريق ابن جُرَيْج عن عطاءٍ عن ابن عَبَّاس بلفظٍ.