عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

{والمرسلات}
  
              

          ░░░77▒▒▒ (ص) سُورَةُ {وَالْمُرْسَلَاتِ}
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة {وَالْمُرْسَلَاتِ}) وهذا هكذا في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية الباقين <المرسلات> بدون لفظ: (سورة)، وهي مَكِّيَّةٌ بغير خلافٍ، قاله أبو العَبَّاس، وقال مقاتلٌ: فيها مِنَ المَدَنِيِّ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ}[المرسلات:48] وقال السَّخاويُّ: نزلت بعد «الهمزة» وقبل «ق»، وهي ثمانُ مئةٍ وستَّة عشر حرفًا، ومئةٌ وإحدى وثمانون كلمةً، وخمسون آيةً.
          و{المُرْسَلَات}: الرِّياح الشديدات الهبوب، و{النَّاشِرَات}: الرياح اللَّينة.
          قوله: {عُرْفًا} نصبٌ على الحال؛ أي: المرسلات يتبع بعضها بعضًا حال كونها كعُرْف الفرس، وعلى تفسير {المرسلات} بالملائكة يكون نصبًا على التعليل؛ أي: لأجل العرف؛ أي: المعروف والإحسان.
          (ص) {جُمَالَاتٌ} حِبَالٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ. كَأَنَّهُ جُمَالَاتٌ صُفْرٌ}[المرسلات:32-33] وفسَّر (الجِمَالَات) بالحبال، وهي الحبال التي تُشدُّ بها السفن، هذا إذا قرئ بِضَمِّ الجيم، وأَمَّا إذا قرئ بالكسر، فهو جمع (جِمَالةٍ)، و(جمالة) جمع (جمَل) زوج الناقة، وقال ابن التين: ينبغي أن يُقرَأ في الأصل بالضَّمِّ؛ لأنَّه فسَّرها بالحبال، وقد قال مُجاهدٌ في قوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}[الأعراف:4] هو حبل السفينة، وعن ابن عَبَّاسٍ وسعيد بن جُبَيرٍ: {جُمَالَاتٌ صُفْرٌ} هي حبال السفن، يجُمَع بعضها إلى بعضٍ حَتَّى تكون كأوساط الرجال، وفي رواية أبي ذرٍّ: <وقال مُجاهدٌ: {جِمَالَاتٌ} حبالٌ>.
          (ص) {ارْكَعُوا} صَلُّوا، {لَا يَرْكَعُونَ} لَا يُصَلُّونَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ}[المرسلات:48] وفسَّر قوله: ({ارْكَعُوا}) بقوله: (صَلُّوا)، وقوله: ({لَا يَرْكَعُونَ}) بقوله: (لَا يُصَلُّونَ) أطلق الركوع وأراد به الصلاة، وهو مِن باب إطلاق الجزء وإرادة الكلِّ.
          [وقوله: ({لَا يَرْكَعُونَ}) سقط في رواية غير أبي ذرٍّ، وفي بعض النُّسَخ: <وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ارْكَعُوا}...> إلى آخره].
          (ص) وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَذَا يَومُ لَا يَنْطِقُونَ} {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} فَقَالَ: إنَّهُ ذُو أَلْوَانٍ؛ مَرَّةً يَنْطِقُونَ، وَمَرَّةً يُخْتَمُ عَلَيْهِمْ.
          (ش) حاصل السؤال: عن كيفية التلفيق بين قوله: {لَا يَنْطِقُونَ} وقوله: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} وبين قوله: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} لأنَّ هذه الآية تدلُّ على أنَّهم ينطقون. وحاصل الجواب: أنَّ يوم القيامة ذو ألوانٍ؛ يعني: يومٌ طويلٌ ذو مواطنَ مختلفةٍ، فينطقون في وقتٍ ومكانٍ، ولا ينطقون في آخرَ.
          وقوله: {لَا يَرْكَعُونَ} لم يثبت إلَّا في رواية أبي ذرٍّ.