عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

الممتحنة
  
              

          ░░░60▒▒▒ (ص) سورة الْمُمْتَحِنَةِ.
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة المُمْتَحِنَة).
          قال السهيليُّ: هي بكسر الحاء؛ أي: المُختَبِرة، أُضِيف إليها الفعل مجازًا كما سُمِّيت سورة (براءة) المُبَعْثِرَةَ والفاضحةَ؛ لِمَا كشفت عن عيوب المنافقين، ومَن قال بفتح الحاء فَإِنَّهُ أضافها إلى المرأة التي نَزَلت فيها، وهي أمُّ كلثوم بنت عُقْبَة بن أبي مُعَيطٍ، وهي امرأة عبد الرَّحْمَن بن عوفٍ وأمُّ ولدِه إبراهيم، وقال مقاتل: الممتَحَنَة اسمها: سُبَيعة، ويقال: سُعيدة بنت الحارث الأسلميَّة، وكانت تحت صيفي بن الراهب، وقال ابن عسكرٍ: كانت أمُّ كلثوم تحت عَمْرو بن العاص، قال: وروي أنَّ الآية نزلت في أميَّة بنت بشرٍ من بني عَمْرو بن عوفٍ أمِّ عبد الله بن سهل بن حُنَيْف، وكانت / تحت حسَّان بن الدحداحيَّة، ففرَّت منه، وهو حينئذٍ كافرٌ، فتزوَّجها سهل بن حُنَيْف.
          وقال أبو العَبَّاس: هي مدنيَّةٌ بلا خلافٍ، وقال السخاويُّ: نزلت بعد «سورة الأحزاب» وقبل «سورة النساء»، وهي ألفٌ وخمسُ مئةٍ وعشرة أحرفٍ، وثلاثُ مئةٍ وثمانٌ وأربعون كلمةً، وثلاثُ عشرة آيةً.
          وليست فيها بسملةٌ عند الجميع.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ، فَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْحَقِّ مَا أَصَابَهُمْ هَذَا.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} الآيَةَ [الممتحنة:5] وفسَّره بقوله: (لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ...) إلى آخره، ورواه عبد بن حُمَيدٍ عن شَبابَة، عن ورقاء، عن ابن أبي نَجيحٍ عنه، ورواه الحاكم: مِن طريق آدم بن أبي إياسٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، وقال: على شرط مسلمٍ، وفي «تفسير النَّسَفِيِّ»: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} أي: لا تسلِّطْهم علينا فيفتنوننا بعذابٍ لا طاقة لنا به، وقيل: لا تظفرهم علينا فيظنُّوا أنَّهم على الحقِّ ونحن على الباطل.
          (ص) {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} أُمِرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلعم بِفِرَاقِ نِسَائِهِمْ، كُنَّ كَوَافِرَ بِمَكَّةَ.
          (ش) أشار به إلى قوله ╡ : {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}[الممتحنة:10] معناه: أنَّ الله تعالى نهى عن التمسُّك بعِصَم الكوافر، و(العِصَم) جمع (عِصمة) وهي ما اعتُصِم به، يقال: مسكتُ بالشيء وتمسَّكت به.
          و({الْكَوَافِرِ}) جمع (كافرة) نهى الله تعالى المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات وأمرهم بفراقهنَّ، وقال ابن عَبَّاسٍ: يقول: لا تأخذوا بعقد الكوافر، فمَن كانت له امرأةٌ كافرةٌ بِمَكَّةَ؛ فلا يعتدَّنَّ بها، فقد انقضت عصمتُها منه، وليست له بامرأةٍ، وإن جاءتكم امرأةٌ مسلمةٌ مِن أهل مكَّة، ولها بها زوجٌ كافرٌ؛ فلا تعتدنَّ به، فقد انقضت عصمته منها.
          وقال الزُّهْريُّ: لمَّا نزلت هذه الآية طلَّق عمر ☺ امرأتين كانتا له بِمَكَّةَ مشركتين؛ قُرَيبة بنت أميَّة، فتزوَّجها بعدَه معاويةُ وهما على شركهما بِمَكَّةَ، والأخرى: أمُّ كلثومٍ الخزاعيَّة أمُّ عبد الله، فتزوَّجها أبو جهمٍ وهما على شركهما، وكانت عند طلحة بن عُبَيد الله أروى بنت ربيعة، ففرَّق بينهما الإسلام.