عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

كتاب النفقات
  
              

          (ص) ♫
          ░░69▒▒ كِتَابُ النَّفَقَاتِ وَفَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَهْلِ.
          (ش) أي: هذا كتاب في بيان أحكام النفقات، وفي بيان فضل النفقة على الأهل، ووقع كذا في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذرٍّ والنَّسَفِيِّ هكذا: <كتاب النفقات، بسم الله الرحمن الرحيم، باب فضل النفقة على الأهل> وليس في رواية أبي ذرٍّ لفظ: (باب).
          (ص) وَقَولِ اللهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}[البقرة:219-220].
          (ش) (وَقَوْلِ اللهِ) بالجرِّ عطفٌ على (النفقاتِ) المجرور، بإضافة لفظ (الكتاب) إليه، وكذا / وقع في رواية الجميع، ووقف النَّسَفِيُّ عند قوله: ({قُلِ العَفْوَ}).
          وفي سبب نزول هذه الآية ما أخرجه ابن أبي حاتمٍ مِن مرسل يحيى بن أبي كثيرٍ بسندٍ صحيحٍ إليه: أنَّهُ بلغه أنَّ معاذ بن جبلٍ وثعلبة سألَا رسولَ الله صلعم فقالا: إنَّ لنا أرقَّاء وأهلين فما ننفق مِن أموالنا؟ فنزلت قوله: {قُلِ العَفْوَ} بالنصب؛ أي: أنفقوا العفوَ، وقرأ الحسن وقتادة وأبو عَمْرو بالرفع؛ أي: هو العفوُ، ومثله قولهم: ماذا ركبت؟ أفرسٌ أم بعيرٌ؟ يجوز فيه الرفع والنصب، واختلفوا في تفسير (العفو) فرُوي عن سالمٍ والقاسم: العفو: فضل المال ما تصدَّق به عن ظهر غنًى، وعن مجاهدٍ: هو الصدقة المفروضة، وقال الزجَّاج: أمرَ الناسَ أن يُنفقُوا الفضل حَتَّى فُرِضَت الزكاة، فكان أهل المكاسب يأخذ مِنَ كسبه كلَّ يومٍ ما يكفيه ويتصدَّق بباقيه، ويأخذ أهل الذهب والفضَّة ما ينفقونه في عامهم وينفقون باقيه، ويقال: العفو: ما سهل، ومنه: «أفضل الصدقة ما تُصُدِّق به عن ظهر غنًى».
          قوله: ({لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}) أي: تتفكَّرون فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا، وقيل: هو على التقديم والتأخير؛ أي: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ في أمر الدنيا والآخرة لعلَّكم تتفكَّرون.
          (ص) وَقَالَ الْحَسَنُ: الْعَفْوُ الْفَضْلُ.
          (ش) أي: قال الحسن البَصْريُّ: المراد بـ{العفو} في قوله: {قُلِ العَفْوَ}: الفضل؛ أي: الفاضل عن حاجته، وهذا التعليق وصله عبد بن حُمَيدٍ عنه، وعن الحسن: لا تنفق مالك حَتَّى تجهد فتسأل الناس.