عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
  
              

           (ص) ♫
           ░░51▒▒ كِتَابُ الهِبَةِ وَفَضْلِهَا وَالتَّحْرِيضِ عَلَيْهَا.
          (ش) أي: هذا كتابٌ في بيان أحكام الهبة، وبيان فضلها، وبيان التحريض عليها، وفي رواية الكُشْميهَنيِّ وابن شَبُّوْيَه: <والتحريض فيها> واستعماله بـ(على) أكثر، والتحريض على الشيء: الحثُّ والإحماء عليه، والبسملة مقدَّمة على قوله: (كتاب الهبة) عند الكلِّ إلَّا في رواية النَّسَفِيِّ، فَإِنَّها مذكورة بعده.
          وقال صاحب «التوضيح»: أصل الهبة مِن هبوب الريح؛ أي: مروره.
          قُلْت: هذا غلطٌ صريحٌ، بل الهبة مصدرٌ مَن وهب يهب، وأصلها (وَهْبٌ) لأنَّه معتلُّ الفاء؛ كـ(العِدَة) أصلها (وعد)، فلمَّا حُذِفَت الواو تبعًا لفعلِه عُوِّضت عنها الهاء، فقيل: هبةٌ وَعِدةٌ، ومعناها في اللغة: إيصال الشيء للغير بما ينفعه، سواء كان مالًا أو غيرَ مالٍ، يقال: وهبت له مالًا، ووهب الله فلانًا ولدًا صالحًا، ويقال: وهبه مالًا أيضًا، ولا يقال: وهب منه، ويسمَّى الموهوبُ (هِبةً) و(مَوهبة) والجمع (هِبات) و(مواهب)، واتَّهبه منه؛ إذا قَبِله، واستوهبه إيَّاه؛ إذا طَلَبَ الِهبة، وفي الشَّرع: الهبة تمليك المال بلا عِوَض، وقال الكَرْمَانِيُّ: الهبة تمليكٌ بلا عِوَض، وتحتها أنواع؛ كالإبراء: وهي هبة الدَّين ممَّن عليه، والصدقة: وهي الهبة لثواب الآخرة، والهديَّة: وهي ما ينقل إلى الموهوب منه إكرامًا له، وأخذ بعضهم كلام الكَرْمَانِيِّ هذا، وذكر التقسيم المذكور بعد أن قال: الهبةُ تطلق بالمعنى الأعمِّ على أنواعٍ، ثُمَّ قال: وتطلق الهبة بالمعنى الأخصِّ على ما لا يقصد له بدل، وعليه ينطبق قول مَن عرَّف الهبة بأنَّها تمليكٌ بلا عوض انتهى.
          قُلْت: تقسيم الهبة إلى الأنواع المذكورة ليس بالنظر إلى معناها الشرعيِّ، وإِنَّما هو بالنظر إلى معناها اللغويِّ؛ لأنَّ الأنواع المذكورة إِنَّما تنطبق على المعنى اللغويِّ لا الشرعيِّ، فافهم.