عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

الواقعة
  
              

          ░░░56▒▒▒ (ص) سورة الْوَاقِعَةِ.
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة الواقعة).
          قال أبو العَبَّاس: مكِّيَّة، واختُلِف في: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ}[الواقعة:27] وفي: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ}[الواقعة:81]، والأُولَى نَزَلَت في أهل الطائف وإسلامِهم بعدَ الفتحِ وحُنَين، والثانيةُ نَزَلَت في دعائه بالسُّقْيَا، فقيل: مُطِرْنَا بنَوْءِ كذا، فنَزَلت: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}، وكان عليٌّ يقرؤها: {وتجعلون شُكْرَكُم}.
          وهي ألفٌ وسبعُ مئةٍ وثلاثةُ أحرفٍ، وثلاثُ مئةٍ وثمان وسبعون كلمةً، وستٌّ وتسعون آيةً، والمرادُ بـ(الواقعة) القيامةُ.
          (ص) ♫
          (ش) لم تثبتِ البسملةُ إلَّا لأبي ذرٍّ وحدَه.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رُجَّتْ} زُلْزِلَتْ.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قولِه تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا}[الواقعة:4]، وفسَّره بقوله: (زُلْزِلَتْ)، رواه الفِرْيَابيُّ مِن طريق ابنِ أبي نَجِيحٍ عن مجاهدٍ، وقال الثَّعلبيُّ: أي: رجفَتْ وتحرَّكَتْ تحريكًا، مِن قولِهم: السهم يرتجُّ في الغَرَض؛ أي: يهتزُّ ويضطرب، وأصلُ (الرَّجِّ) في اللغةِ التحريكُ، يُقال: رَجَجْتُه فارتجَّ، فإن ضاعَفْتَه قُلْتَ: رَجْرَجْتُه فتَرَجْرَج.
          (ص) {بُسَّتْ} فُتَّتْ وَلُتَّتْ كَمَا يُلَتُّ السَّوِيقُ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}[الواقعة:5]، وفسَّره بقوله: (فُتَّتْ)، وهو أيضًا تفسيرُ مجاهدٍ، وكذا: (لُتَّتْ) تفسيرُ مجاهدٍ، ويُقال: بُسَّت ولُتَّت بمعنًى واحدٍ؛ أي: صارت كالدقيق المبسوس؛ وهو المبلول، والبسيسة عند العرب: / الدقيقُ والسويقُ يُلَتُّ ويُتَّخَذ زادًا، وعن عطاءٍ: {بُسَّت} أُذْهِبت ذهابًا، وعنِ ابنِ المُسَيَِّبِ: كُسِرَت كسرًا، وعن الحسنِ: قُلِعَت مِن أصلها، فذهبت بعدما كانت صخورًا صُمًّا، وعن عطيَّة: تُبْسَطُ بسطًا كالرَّمْلِ والتُّرَاب.
          (ص) الْمَخْضُودُ: الْمُوقَرُ حَمَلًا، وَيُقَالُ أيضًا: لَا شَوْكَ لَهُ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ}[الواقعة:284]، وفسَّره بقوله: (الْمُوقَرُ حَمَلًا) بفتح القاف والحاء، هذا تفسيرُ الأكثرين، وقوله: (وَيُقَالُ أيضًا: لَا شَوْكَ لَهُ) لأبي ذرٍّ، و(الخَضْدُ) في الأصل: القَطْعُ؛ كأنَّه خُضِدَ شوكُه؛ أي: قُطِعَ ونُزِعَ، وعنِ الحَسَنِ: لا يعقر الأيدي، وعنِ ابن كَيْسان: هو الذي لا أذى فيه، وعن الضَّحَّاكِ: نظر المسلمون إلى وجٍّ _وهو وادٍ في الطائف مُخَصَّبٌ_ فأعجبهم سِدْرُها، قالوا: يا ليت لنا مثلها، فأنزل اللهُ ╡ هذه الآيةَ.
          (ص) {مَنْضُودٍ} الْمَوْزُ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ}[الواقعة:29]، ولم يثبت هذا هنا لأبي ذرٍّ، وفسَّره بـ(الْمَوْزُ)، و(الطلح) جمع (طَلْحَةٍ)، قاله أكثرُ المفسِّرين، وعَنِ الحَسَنِ: ليس هو بموزٍ، ولكنَّه شجرٌ له ظِلٌّ باردٌ طَيِّبٌ، وعَنِ الفَرَّاء وأبي عُبَيدةَ: «الطَّلْحُ» عند العرب: شجرٌ عِظامٌ لها شوكٌ، و(المنضود) المتراكم الذي قد نضده الحمل مِن أوَّله إلى آخره، ليست له سوقٌ بارزةٌ، وفي «المُغْرِب»: النَّضْدُ: ضمُّ المتاعِ بعضِه إلى بعضٍ متَّسِقًا أو متزاحِمًا أو مركومًا، مِن «باب ضرب».
          (ص) وَالْعُرُبُ: الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. عُرُبًا أَتْرَابًا}[الواقعة:63-73]، وفسَّرها بـ(الْمُحَبَّبَاتُ) جمع (المُحَبَّبَةِ)، اسمُ مفعولٍ مِنَ الحُبِّ، وقال ابنُ عُيَينةَ في «تفسيره»: حَدَّثَنَا ابنُ أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {عُرُبًا أَتْرَابًا} قال: هي المُحَبَّبة إلى زوجِها، وقال الثعلبيُّ: {عُرُبًا} عواشقُ مُتَحبّبات إلى أزواجهنَّ، قاله الحسنُ ومجاهدٌ وقتادةُ وسعيدُ بن جُبَير وروايةٌ عن ابن عَبَّاسٍ ♥ .
          (وَالعُرُب) جمع (عَروبة)، وأهلُ مَكَّةَ يسمُّونها العَرِبة؛ بكسر الراء، وأهلُ المدينة: الغَنِجة؛ بكسر النون، وأهلُ العراق: الشَّكِلة؛ بفتح الشين المُعْجَمة وكسر الكاف، وقد مرَّ هذا في (كتاب بَدْءِ الخلق) في (صِفَةِ الجنَّة).
          و(الأتراب) المستوياتُ في السِّنِّ، وهو جمع (تِرْبٍ) بكسر التاء وسكون الراء، يُقال: هذه تِرْبُ هذه؛ أي: لِدَتُها.
          (ص) {ثُلَةٌ} أُمَّةٌ.
          (ش) أي: معنى قولِه تعالى: {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ}[الواقعة:39]: (أُمَّةٌ)، وقيل: فرقةٌ.
          (ص) {يَحْمُومٌ} دُخَانٌ أَسْوَدُ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ}[الواقعة:43] وفسَّره بـ(دُخَانٌ أَسْوَدُ)، وتقول العَرَبُ: أسودُ يَحمومٌ؛ إذا كان [شديد] السواد.
          (ص) {يُصِرُّونَ} يُدِيمُونَ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ}[الواقعة:46]، وفسَّره بقولِه: (يُدِيمُونَ).
          و{الْحِنثِ الْعَظِيمِ} الذنبُ الكبيرُ؛ وهو الشِّرْكُ، وعن أبي بكرٍ الأصمِّ: كانوا يُقْسِمُون أنْ لَا بَعْثَ، وأنَّ الأصنامَ أندادُ الله _تعالى اللهُ عن ذلك علوًّا كبيرًا_، وكانوا يُقِيمون عليه، فذلك حِنْثُهم.
          (ص) {الْهِيمُ} الإِبِلُ الظِّمَاءُ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}[الواقعة:55]، ولم يثبت هذا في روايةِ أبي ذرٍّ.
          و({الْهِيمُ}) جمع (هيماء)، يُقال: جملٌ أَهْيَمُ، وناقةٌ هَيْماء، وإِبِلٌ هِيمٌ؛ أي: عِطَاشٌ، وعن قتادةَ: هو داءٌ بالإبل لا تَروَى معه، ولا تزالُ تشرب حَتَّى تهلك، ويقال لذلك الداء: الهُيَام.
          و(الظِّمَاء) بالظاء المُعْجَمة: جمعُ (ظَمْأَى)، والظَّمَأُ: العَطَشُ، قال تعالى: {لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ}[التوبة:120] والاسمُ (الظِّمْءُ) بالكسر، وقومٌ ظِمَاء؛ أي: عِطَاشٌ، والظَّمآن: العَطْشَان.
          (ص) {لَمُغْرَمُونَ} لَمُلْزَمُونَ.
          (ش) أشار به إلى قولِه: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}[الواقعة:66-76]، وفسَّره بقوله: (لَمُلْزَمُونَ) اسمُ مفعولٍ مِنَ الإلزام، واللامُ فيه للتأكيد، وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ وقتادةَ: لمُعَذَّبُون، مِنَ الغرام؛ وهو العذاب، وعن مجاهدٍ: مُلقون للشَّرِّ، وعن مقاتلٍ: مُهلَكُون، وعن مُرَّةَ الهَمْدانيِّ: مُحاسَبون.
          (ص) {مَدِينِينَ} مُحَاسَبِينَ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ}[الواقعة:86] أي: غير مُحَاسَبِينَ، وقال الزَّمَخْشَريُّ: غير مَرْبُوبِين، مِن دانَ السلطانُ رَعِيَّتَه؛ إذ سَاسَهُم، وجوابُ «لولا» قولُه: {تَرْجِعُونَهَا} أي: تَرُدُّون نفسَ هذا الميِّتِ إلى جَسَدِه إذا بَلَغَتِ الحُلْقُوم {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
          (ص) {رَوْحٌ} جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ، {وَرَيْحَانٌ} / الرِّزْقُ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}[الواقعة:88-89] وسقط هذا في روايةِ أبي ذرٍّ.
          وعنِ ابنِ زيدٍ: {رَوْحٌ} عند الموت، {وَرَيْحَانٌ} يُخَبَّأ له في الآخِرَة، وعَنِ الحَسَنِ: أنَّ رُوحَه تخرج في الرَّيحان، وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ ومجاهدٍ: {فَرَوْحٌ} أي: راحةٌ {وَرَيْحَانٌ} مستراحٌ، وعن مجاهدٍ وسعيد بن جُبَير: «الرَّيحانُ» رِزْقٌ، وقد مرَّ هذا عن قريبٍ.
          (ص) {وَنُنْشِئَكُمْ} فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الواقعة:61] أي: نُوجِدكم (فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ) فيما لا تعلمون مِنَ الصُّوَر.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: {تَفَكَّهُونَ} تَعْجَبُونَ.
          (ش) أي: قال غيرُ مجاهدٍ في قولِه تعالى: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}[الواقعة:65]، وفسَّره بقوله: (تَعْجَبُونَ)، وكذا فسَّرَه قتادةُ، وعن عِكْرِمَةَ: تُلامون، وعنِ الحَسَنِ: تندمون، وعنِ ابنِ كَيْسانَ: تحزنون، قال: وهو مِنَ الأضداد، تقول العَرَبُ: تفكَّهْتُ؛ أي: تنعَّمتُ، وتفكَّهتُ؛ أي: حَزِنْتُ، وقيل: التفكُّه: التكلُّم فيما لا يعنيكَ، ومنه قيل للمَزَّاح: فاكِهٌ.
          (ص) {عُرُبًا} مُثَقَّلَةً، وَاحِدُهَا عَرُوبٌ؛ مِثْلُ: صَبُورٍ وَصُبُرٍ، يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ الْعَرِبَةَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ الْغَنِجَةَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ الشَّكِلَةَ.
          (ش) هذا كلُّه لم يثبت في رواية أبي ذرٍّ، وهو مكرَّرٌ؛ لأنَّه مضى في (صِفَةِ الجنَّة)، وهنا أيضًا تَقَدَّمَ، وهو قولُه: (العُرُب: المُحَبَّبَاتُ إلى أزواجهنَّ)، وقد ذكرناه نحن أيضًا عن قريبٍ.
          (ص) وَقَالَ فِي: {خَافِضَةٌ} لِقَوْمٍ إِلَى النَّارِ، وَ{رَافِعَةٌ} إِلَى الْجَنَّةِ.
          (ش) أي: قال غيرُ مجاهدٍ في قولِه تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ. خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ}[الواقعة:1-3] أي: القيامة؛ أي: يوم القيامة تخفض قومًا إِلَى النَّارِ، وترفعُ آخرين إِلَى الْجَنَّةِ، وعن ابنِ عطاءٍ: خَفَضَتْ قومًا بالعدل، ورَفَعَتْ قومًا بالفضل.
          (ص) {مَوْضُونَةٍ} مَنْسُوجَةٍ، وَمِنْهُ وَضِينُ النَّاقَةِ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ}[الواقعة:15] أي: (مَنْسُوجَةٍ)، ولم يثبت هذا لأبي ذرٍّ، وقد تَقَدَّمَ في (صفة الجنَّة).
          قوله: ({مَوْضُونَةٍ}) مَرْمُولة مشبَّكة بالذهب وبالجواهر، قد أُدْخِلَ بعضُها في بعضٍ مضاعفةً؛ كما يُوضَن حلَقُ الدِّرع.
          قوله: (وَمِنْهُ) أي: ومنِ هذا الباب: (وَضِينُ النَّاقَةِ) وهو بطان منسوجٌ بعضه على بعضٍ، يُشَدُّ به الرَّحل على البعير، كالحزام للسرج.
          (ص) وَالكُوبُ: لا آذَانَ لَهُ وَلا عُرْوَةَ. وَالأبَارِيقُ: ذَوَاتُ الآذَانِ وَالعُرَى.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ}[الواقعة:18]، وتفسيرُه ظاهرٌ، و(الأكوابُ) جمعُ (كوبٍ)، و(الأبَارِيقُ) جمعُ (إبريق)، سُمِّيَ بذلك لبَرِيق لونِه.
          (ص) {مَسْكُوبٍ} جَارٍ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَمَاء مَّسْكُوبٍ}[الواقعة:31] أي: (جَارٍ)، وفي التفسير: مصبوب يجري دائمًا في غير أخدودٍ، ولا منقطع.
          (ص) {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
          (ش) عن عليٍّ ☺ : مرفوعة على الأسِرَّة، وعن أبي أُمامةَ الباهليِّ: لو طُرِحَ فراشٌ مِن أعلاها إلى أسفلِها لم يستقرَّ في الأرض إلَّا بعد سبعين خريفًا.
          (ص) {مُتْرَفِينَ} مُتَنَعِّمِينَ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}[الواقعة:45]، وفسَّره بقولِه: (مُتَنَعِّمِينَ)، وهكذا في رواية الأكثرين بتاءٍ مُثَنَّاة مِن فوقُ بعدها نونٌ، مِنَ التَّنَعُّم، وفي رواية الكُشْميهَنيِّ: <مُمَتَّعِين> بميمَين بعدهما تاءٌ، قال بعضُهم: مِنَ التَّمَتُّع، وهو غلطٌ، بل هو مِنَ الإمتاع، يُقال: أمتعتُ بالشيء؛ أي: تمتَّعْتُ به، قاله أبو زيدٍ، وإِنَّما يُقَال: مِنَ التَّمَتُّع إن لو كانت الروايةُ: (متمتِّعين).
          (ص) {مَا تُمْنُونَ} هِيَ النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ. أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}[الواقعة:58-59]، وفسَّر قولَه: {مَا تُمْنُونَ} بقولِه: (النُّطْفَةُ فِي الأَرْحَامِ) لأنَّ {ما تمنون} هي النُّطْفَةُ التي تُصَبَّ في الأرحام، وهو مِن أَمْنَى يُمنِي إِمناءً، وقُرِئَ بفتح التاء، مِن مَنَى يَمْنِي، قال الفَرَّاءُ: يعني: النُّطَف إذا قُذِفَت في الأرحام؛ أأنتم تَخْلُقون تلك النُّطَفَ أم نحن؟
          (ص) {لِلْمُقْوِينَ} لِلْمُسَافِرِينَ، وَالْقِيُّ: الْقَفْرُ.
          (ش) هذا لم يثبت / لأبي ذرٍّ، وأشار به إلى قولِه تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ}[الواقعة:73]، وفسر (المُقْوِين) بـ(المُسَافِرِين)، وهو مِن أقوى؛ إذا دخل في أرضِ القِيِّ، فالقِيُّ والقواء: القَفْرُ الخاليةُ البعيدةُ مِنَ العُمْران والأهلين، ويقال: أَقْوَتِ الدارُ؛ إذا خَلَتْ مِن سُكَّانِها.
          وقال مجاهدٌ: {لِلْمُقْوِينَ} للمستمتِعين بها مِنَ الناس أجمعين؛ المسافرين والحاضرين، يَستضِيئون بها في الظُّلْمَةِ، ويصطلون بها في البَرْد، وينتفعون بها في الطَّبْخِ والخَبْزِ، ويتذكَّرون بها نارَ جهنَّم، ويستجيرون اللهَ منها، وقال قُطْرُب: «المقوي» مِنَ الأضداد، يكون بمعنى الفقير، ويكون بمعنى الغنيِّ، يُقال: أقوى الرجلُ؛ إذا قَوِيَت دوابُّه وإذا كَثُر مالُه.
          (ص) {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} بِمُحْكَمِ القُرْآنِ، وَيُقَالُ: بِمَسْقَطِ النُّجُومِ إذَا سَقَطْنَ، ومَوَاقِعُ وَمَوْقِعٌ وَاحِدٌ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}[الواقعة:75]، وفسَّره بشيئَين؛ أحدهما: قولُه: (بِمُحْكَمِ الْقُرْآنِ)، وقال الفَرَّاءُ: حَدَّثَنَا فُضَيلُ بنُ عِياضٍ عن منصورٍ، عن المِنْهَالِ بن عَمْرو قال: قرأ عبدُ الله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ} قال: بمُحْكَم القرآن، وكان ينزل على النَّبِيِّ صلعم نُجُومًا، وبقراءته قرأ حمزةُ والكِسَائيُّ وخَلَفٌ، والآخَرُ: بقوله: (مَسْقَطِ النُّجُومِ إذَا سَقَطْنَ)، ومساقطُ النجومِ: مغارِبُها، وعَنِ الحَسَنِ: انكدارُها وانتثارُها يوم القيامة، وعن عطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ: منازِلُها.
          قوله: {فَلَا أُقْسِمُ} قال أكثرُ المفسِّرين: معناه: أُقسِم، و(لا) صلةٌ، وقال بعضُ أهلِ العربيَّة: معناه: فليس الأمرُ كما تقولون، ثُمَّ استأنفَ القسم فقال: {أُقسِم}.
          قوله: (وَمَوَاقِعُ وَمَوْقِعٌ وَاحِدٌ) ليس قولُه: (وَاحِدٌ) بالنظر إلى اللفظ، ولا بالنظر إلى المعنى، ولكن باعتبار أنَّ ما يُستَفاد منهما واحدٌ؛ لأنَّ الجمعَ المضافَ والمفردَ المضافَ؛ كلاهما عامَّان بلا تفاوتٍ على الصحيح، قال الكَرْمَانِيُّ: إضافتُه إلى الجمع تستلزم تعدُّدَه، كما يُقال: قَلْبُ القومِ، والمرادُ قلوبُهم.
          (ص) {مُدْهِنُونَ} مُكذِّبُونَ؛ مِثْلُ: {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ}[الواقعة:87] أي: (مُكذِّبُونَ)، وكذا فسَّره الفَرَّاءُ هنا، وقال في قولِه: ({لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}) أي: لو تكفرُ فيكفرون، يُقال: قَد أدهَنَ؛ أي: كَفَرَ.
          قوله: ({أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ}) يعني: القرآن ({مُّدْهِنُونَ})، قال ابنُ عَبَّاسٍ: أي: كافرون، وعنِ ابن كَيْسان: المُدهِن: الذي لم يَفْعَلْ ما يحقُّ عليه ويدفعه بالعِلَل، وعن الْمُؤَرِّج: المُدْهِن: المنافقُ الذي يليِّن جانِبَه ليُخفِيَ كفرَه، وأَدْهَنَ ودَاهَنَ واحدٌ، وأصلُه مِنَ الدُّهْنِ.
          (ص) {فَسَلَامٌ لَكَ} أَيْ: إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأُلْغِيَتْ (إِنَّ) وهو مَعْنَاهَا؛ كَمَا تَقُولُ: أَنْتَ مُصَدَّقٌ مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ؛ إِذَا كَانَ قَدْ قَالَ: إِنِّي مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ، وَقَدْ يَكُونُ كَالدُّعَاءِ لَهُ؛ كَقَوْلِكَ: فَسَقْيًا مِنَ الرِّجَالِ، إِنْ رَفَعْتَ السَّلَامَ فَهْوَ مِنَ الدُّعَاءِ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ. فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}[الواقعة:90-91] وأشار إلى أنَّ كلمةَ (إِنَّ) فيه محذوفةٌ؛ وهو قولُه: (أَيْ: إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ).
          قوله: (وَأُلْغِيَتْ «إِنَّ») بالغين المُعْجَمة، مِنَ الإلغاء، ورُوِيَ: <وأُلْقِيَت> بالقاف، وهو بمعناه.
          قوله: (وَهُوَ مَعْنَاهَا) أراد به أنَّ كلمةَ (إِنَّ) وإِنْ حُذِفَت؛ فمَعْنَاها مُرَادٌ.
          قوله: (كَمَا تَقُولُ...) إلى قولِه: (عَنْ قَلِيلٍ) تمثيلٌ لِمَا ذَكَرَه؛ أي: كقولِكَ لِمَن قال: (إِنِّي مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ) : (أَنْتَ مُصَدَّقٌ مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ) أي: أنتَ مُصَدَّقٌ، إنَّك مُسَافِرٌ عن قليلٍ، فحَذَفْتَ لفظَ: (إنَّ) هنا أيضًا، ولكنَّ معناها مرادٌ.
          قوله: (وَقَدْ يَكُونُ) أي: لفظ (سلام) (كَالدُّعَاءِ لَهُ) أي: لِمَن خاطبتَه مِن أصحاب اليمين، يعني: الدعاء له منهم؛ كقولك: فسَقْيًا لك مِن أصحاب اليمين، وانتصابُ (سَقْيًا) على أنَّهُ مصدرٌ لفعلٍ محذوفٍ تقديرُه: سَقَاك اللهُ سَقْيًا، وأَمَّا رفعُ (السلام) فعلى الابتداء وإن كان نكرةً لأنَّه دعاءٌ، وهو مِنَ المخصّصات، ومعناه: سَلَّمتُ سلامًا، ثُمَّ حُذِفَ الفعلُ ورُفِعَ المصدرُ، وقيل: تعريفُ المصدرِ وتنكيرُه سواءٌ؛ لشموله، فهو راجعٌ إلى معنى العمومِ، وقال الزَّمَخْشَريُّ: معناه: سلامٌ لك يا صاحبَ اليمين مِن إخوانك أصحابِ اليمين؛ أي: يُسَلِّمون عليك، وقال الثعلبيُّ: {فسلامٌ لك} رفع على معنى: فَلَكَ سلامٌ؛ أي: سلامةٌ لك يا مُحَمَّدُ منهم، فلا تهتمَّ لهم، فَإِنَّهُم / سَلِموا مِن عذاب الله تعالى، وقال الفَرَّاءُ: مُسَلَّمٌ لك أنَّهم مِن أصحاب اليمين، ويُقال لصاحب اليمين: إنَّهُ مُسَلَّمٌ لك أنَّك مِن أصحاب اليمين، وقيل: سلامٌ عليك مِن أصحاب اليمين.
          قوله: (إِنْ رَفَعْتَ السَّلَامَ) قيل: لم يقرأه أحدٌ بالنَّصْبِ، فلا معنَى لقوله: (إن رفعت)، وأجيب بأنَّ (سَقْيًا) بالنصب تكون دعاء، بخلاف (السلام) فَإِنَّهُ بالرفع دعاءٌ، وبالنصب لا يكون دعاءً.
          (ص) {تُورُونَ} تَسْتَخْرِجُونَ، أَوْرَيْتُ: أَوْقَدْتُ.
          (ش) أشار به إلى قولِه ╡ : {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ}[الواقعة:71]، ولم يثبت هذا لأبي ذرٍّ، وفسَّر {تُورُونَ} بقوله: (تَسْتَخْرِجُونَ)، وفي التفسير: تقدحون وتستخرجون مِن زندكم، وشجرتُها التي تُقدَح منها النارُ المَرْخُ والعفار.
          قوله: (أَوْرَيْتُ: أَوْقَدْتُ) يعني: معنى (أَوْرَيتُ) : أوقدتُ، وأصلُ (تُورُونَ) تُوريُون، استُثْقِلَت الضمَّة على الياء فنُقِلَت إلى ما قبلها، والتقى ساكنان _وهُمَا الياءُ والواوُ_ فحُذِفَت الياءُ، فصار (تورون).
          (ص) {لَغْوًا} بَاطِلًا. {تَأْثِيمًا} كَذِبًا.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا}[الواقعة:25]، {فيها} أي: في جنَّات النعيم، ورُوِيَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ ☻، هكذا رواه عليُّ بنُ أبي طلحةَ عنه، ورواه ابنُ أبي حاتمٍ مِن طريقه.