عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

{والشمس وضحاها}
  
              

          ░░░91▒▒▒ (ص) سُورَةُ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}.
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}) وهي مَكِّيَّةٌ، وهي مئتان وسبعةٌ وأربعون حرفًا، وأربعٌ وخمسون كلمةً، وخمس عشرة آيةً.
          (ص) ♫
          (ش) لم تثبت البسملة إلَّا لأبي ذرٍّ.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ضُحَاهَا} ضَوْءَها. {إذَا تَلاهَا} تَبِعَها. و{طَحَاهَا} دَحَاها. {دَسَّاهَا} أغْوَاهَا.
          (ش) أي: قال مُجاهدٌ في قوله ╡ : {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} أي: (ضَوْءَها) يعني: إذا أشرقت وقام سلطانها، ولذلك قيل: وقت الضحى، و: كان وجهه شمس الضحى، وقيل: الضحوة: ارتفاع النهار، والضحى: فوق ذلك، وعن قتادة: هو النهار كلُّه، وقال مقاتلٌ: حرَّها.
          قوله: ({إذَا تَلاهَا} تَبِعَهَا) يعني: قال مُجاهدٌ في قوله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا}[الشمس:2] أي: تبعها فأخذ مِن ضوئها، وذلك في النصف الأَوَّل مِنَ الشهر، إذا غربت الشمس تلاها القمر طالعًا.
          قوله: (وَ{طَحَاهَا} دَحَاهَا) أي: قال مُجاهدٌ في قوله تعالى: {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}[الشمس:6] أي: والذي طحاها؛ أي: دحاها؛ أي: بسطها، يقال: دَحَوتُ الشيء دَحْوًا بسطتُه، ذكره الجَوْهَريُّ، ثُمَّ قال: قال تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}[النازعات:30] وقال في (باب الطاء) : طَحَوتُه مثل دَحَوتُه؛ أي: بسطته.
          قوله: ({دَسَّاهَا} أغْوَاهَا) أي: قال مُجاهدٌ في قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[الشمس:10] أي: أغْوَاهَا؛ أي: خسرت نفسٌ دسَّاها الله فأخملها وخذلها، ووضع منها وأخفى محلَّها حَتَّى عملت بالفجور وركبت المعاصي، وهذا كلُّه ثبت للنَّسَفِيِّ وحده.
          (ص) {فَألْهَمَها} عَرَّفَها الشقَّاءَ وَالسَّعادَةَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:8] أي: فألهم النفسَ فجورَها؛ أي: شقاوتها، و{تَقْوَاهَا} أي: سعادتها، وعن ابن عَبَّاسٍ: بيَّن لها الخير والشرَّ، وعنه أيضًا: وعلَّمها الطاعةَ والمعصيةَ، وهذا أيضًا ثبت للنَّسَفِيِّ.
          (ص) {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} عُقْبَى أحَدٍ.
          (ش) قبلها قوله تعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا. وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} قال: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ} أي: أهلكهم ربُّهم بتكذيبهم رسولَه وعقرهم ناقتَه.
          قوله: {فَسَوَّاهَا} أي: فسوَّى الدمدمة عليهم جميعًا، وعمَّهم بها فلم يُفلِت منهم أحدًا، وقال مُؤَرِّج: الدمدمة إهلاكٌ باستئصالٍ.
          قوله: ({وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}) قال: (عَقْبَى أَحَدٍ) إِنَّما قال: (عُقبَى أحدٍ) مع أنَّ الضمير في {عقباها} مؤنَّثٌ باعتبار النفس، وهو مؤنثٌ، وعبَّر عن النفس بـ(الأحد)، وفي بعض النُّسَخ: <أخذ> بالخاء والذال المعجمتين، وهو معنى الدمدمة، أي: الهلاك العامُّ، وقال النَّسَفِيُّ: {عُقْبَاهَا} عاقبتها، وعن الحسن: لا يخاف الله مِن أحدٍ تَبِعةً في إهلاكهم، وقيل: الضمير يرجع إلى ثمود، وعن الضَّحَّاك والسُّدِّيِّ والكلبيِّ: الضمير في {لا يخاف} يرجع إلى العاقر، وفي الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ؛ تقديره: إذ انبعث أشقاها ولا يخاف عقابها، وقرأ أهل المدينة والشام {فَلَا يَخَافُ} / بالفاء، وكذلك هو في مصاحفهم، والباقون بالواو، وهكذا في مصاحفهم.
          (ص) وَقَالَ مُجاهِدٌ: {بِطَغْواها} بِمعَاصِيهَا.
          (ش) أي: قال مُجاهدٌ في قوله ╡ : {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}[الشمس:11] وقال: (بِمَعَاصِيهَا) ورواه الفِرْيَابيُّ مِن طريق مجاهدٍ: بمعصيتها، قال بعضهم: وهو الوجه.
          قُلْت: لم يبيِّن ما الوجه؟ بل الوجه بلفظ الجمع، ولا يخفى ذلك.
          و(الطغوى) و(الطغيان) واحدٌ، كلاهما مصدران مِن (طغا).