عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

الطارق
  
              

          ░░░86▒▒▒ (ص) سُورَةُ الطَّارِقِ.
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة الطارق)، وفي بعض النُّسَخ: <الطارق> بلا لفظ (سورة)، وهي مَكِّيَّةٌ، وهي مئتان وأحدٌ وسبعون حرفًا، واثنتان وسبعون كلمةً، وسبع عشرة آيةً، نزلت في أبي طالبٍ؛ وذلك لأنَّه أتى النَّبِيَّ صلعم فأتحفه بلبنٍ وخبزٍ، فبينما هو جالسٌ يأكل إذ انحطَّ نجمٌ فامتلأ ماءً ثُمَّ نارًا، ففزع أبو طالبٍ، وقال: أيُّ شيء هذا؟ فقال النَّبِيُّ صلعم : «هذا نجمٌ رُمِي به، وهو آيةٌ مِن آيات الله تعالى»، فعجب أبو طالبٍ، فأنزل الله تعالى: {وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ} يعني: النجم يظهر ليلًا ويخفى نهارًا، وكلُّ ما جاء ليلًا فقد طَرَق.
          (ص) هُوَ النَّجْمُ، وَمَا أتَاكَ لَيْلًا فَهُوَ طَارِقٌ.
          (ش) أي: الطارق هو النجم.
          قوله: (وَمَا أتَاكَ) أي: الذي أتاك في اللَّيل يُسمَّى طارقًا، مِنَ الطَّرْق، وهو الدَّقُّ، وسُمِّي به لحاجته إلى دقِّ الباب، هذا للنَّسَفِيِّ.
          (ص) {النَّجْمُ الثَّاقِبُ}[الطارق:3] المُضِيءُ.
          (ش) هذا أيضًا للنَّسَفِيِّ.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الثَّاقِبُ} الَّذِي يَتَوَهَّجُ.
          (ش) ثبت هذا لأَبيْ نُعَيْمٍ عن الجُرْجَانِيِّ، وعن السُّدِّيِّ: الذي يُرمَى به، وقيل: {الثَّاقِبُ} الثريَّا.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ذَاتِ الرَّجْعِ} سَحَابٌ يَرْجِعُ بِالمَطَرِ. {ذَاتِ الصَّدْعِ} أرْضٌ تَتَصَدَّعُ بِالنَّبَاتِ.
          (ش) أي: قال مُجاهدٌ في قوله تعالى: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ. وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}[الطارق:11-12] وتفسيره ظاهرٌ، ويقال: يرجع بالغيث وأرزاق العباد كلَّ عامٍ، ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم، وعن ابن عَبَّاسٍ: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ} ذات المطر، {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}: النبات والأشجار والثمار والأنهار.
          (ص) وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: {لَقَوْلٌ فَصْلٌ} لَحَقٌّ.
          (ش) هذا للنَّسَفِيِّ وحده، وقال الثَّعْلَبيُّ: حقُّ وجدٌّ وجزلٌ، يفصل بين الحقِّ والباطل.
          (ص) {لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4] إلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} وفسَّره بقوله: (إلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) ووصله ابنُ أبي حاتمٍ مِن طريق يزيد النحويِّ عن عِكْرِمَة عن ابن عَبَّاسٍ، وإسناده صحيحٌ، لكن أنكره أبو عبيدة وقال: لم نسمع لقول «لَّمَّا» بمعنى: «إلَّا» شاهدًا في كلام العرب.
          وقال النَّسَفِيُّ في «تفسيره»: قرأ ابن عامرٍ وحمزة والكسائيُّ: {لَّمَّا} بتشديد الميم على أن تكون نافيةً، وتكون: {لَّمَّا} بمعنى: إلَّا، وهي لغة هذيلٍ، يقولون: نشدتك الله لمَّا قمت؛ يعنون: إلَّا قمت، والمعنى: ما نفسٌ إلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ مِن ربِّها، والباقون: بالتخفيف، جعلوا «ما» صلةً، و{إن} مُخَفَّفَة مِنَ المثقَّلة؛ أي: إنَّ كلُّ نفسٍ لعليها حافظٌ مِن ربِّها يحفظه عليها ويحصي عليها ما تكسبه مِن خيرٍ أو شرٍّ.
          قُلْت: في كلامه ردٌّ على إنكار أبي عبيدة مجيء شاهدٍ لـ(لَّمَّا) بمعنى (إلَّا).