عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

كهيعص
  
              

          ░░░19▒▒▒ [(ص) سُورَةُ] {كهيعص}
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض سورة {كهيعص}، قال الثعلبيُّ: مَكِّيَّةٌ كلُّها، وقال مقاتلٌ: مَكِّيَّةٌ كلُّها إلَّا سجدتها فَإِنَّها مدنيَّةٌ، وعند القرطبيِّ عنه: نزلت بعد المهاجرة إلى أرض الحبشة، وهي ثمانٌ وتسعون آية، وتسعُ مئةٍ واثنان وستُّون كلمة، وثلاثةُ آلاف وثمان مئة وحرفان.
          واختلفوا في معناها؛ فعن ابن عَبَّاس: اسمٌ مِن أسماء الله تعالى، وقيل: اسم الله الأعظم، وعن قتادة: هو اسمٌ مِن أسماء القرآن، وقيل: اسمٌ مِن أسماء السورة، وعن ابن عَبَّاسٍ أيضًا: [هو قَسمٌ أقسم الله تعالى به، وعن الكلبيِّ: هو ثناءٌ أثنى الله به على نفسه، وعن ابن عَبَّاسٍ أيضًا]: الكاف مِن كريمٍ، والهاء مِن هادٍ، والياء مِن رحيمٍ، والعين مِن عليمٍ وعظيمٍ، والصاد مِن صادقٍ، رواه الحاكم مِن طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جُبَيرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ.
          (ص) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} اللهُ يَقُولُهُ، وَهُمُ الْيَوْمَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، يَعْنِي قَوْلَهُ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} الْكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ أَسْمَعُ شَيْءٍ وَأَبْصَرُهُ.
          (ش) أي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[مريم:38]
          قوله: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر؛ أي: ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة حين لا ينفعهم ذلك، وقيل: أسمِعْ بحديثهم وأبْصِر كيف يُصنَع بهم {يَوْمَ يَأْتُونَنَا} يعني: يوم القيامة.
          قوله: (اللهُ يَقُولُهُ) جملةٌ اسْميَّةٌ.
          قوله: (وَهُمُ) أي: الكفَّار (الْيَوْمَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ) و(اليوم) نصب على الظرف.
          قوله: (الْكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ أَسْمَعُ شَيْءٍ وَأَبْصَرُهُ) لكن هم اليوم _يعني في الدنيا_ في ضلالٍ مبينٍ لا يبصرون ولا يسمعون.
          ثُمَّ تعليق ابن عَبَّاسٍ هذا وصله ابن أبي حاتمٍ مِن طريق ابن جُرَيْجٍ عن عطاءٍ عن ابن عَبَّاسٍ.
          (ص) {لأَرْجُمَنَّكَ} لأَشْتِمَنَّكَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}[مريم:46] وفسَّر قوله: ({لأَرْجُمَنَّكَ}) بقوله: (لأَشْتِمَنَّكَ) وكذا فسَّره مقاتلٌ والضَّحَّاك والكلبيُّ، وعن ابن عَبَّاس: معناه: لأضربنَّك، وقيل: لأُظهِرنَّ أمرك.
          قوله: ({مَلِيًّا}) أي: دهرًا، قاله سعيد بن جُبَيرٍ، وعن مجاهدٍ وعِكرمة: حينًا، وعن قتادة والحسن وعطاء: سالمًا.
          (ص) {وَرِئْيًا} مَنْظَرًا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا}[مريم:74] وفسَّر: ({وَرِئْيًا}) بقوله: (مَنْظَرًا) وصله الطَّبَريُّ مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاسٍ به، وقال الثعلبيُّ: وقرئ بالزاي، وهو الهيئة.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} تُزْعِجُهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا.
          (ش) أي: قال سفيان بن عُيَيْنَةَ في قوله ╡ : {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83] أي: (تُزْعِجُهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا)، وكذا روي عن ابن عَبَّاسٍ ☻، وعن الضَّحَّاك: تأمرهم بالمعاصي أمرًا، وعن سعيد بن جُبَيرٍ: تُغريهم إغراءً، وعن مجاهدٍ: تُشلِيهم أشلاءً، وعن الأخفش: توهِّجهم، وعن الْمُؤَرِّج: تحرِّكهم، و(الأزُّ) في الأصل: الصوت.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لُّدًّا} عُوْجًا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا}[مريم:97] وفسَّر ({لُّدًّا}) بقوله: (عُوْجًا) بِضَمِّ العين، جمع (أعوج)، و(اللُّدُّ) جمع (أَلَدَّ)، يقال: رجلٌ أَلَدُّ؛ إذا كان مِن عادتِه مخاصمةُ الناس، وعن مجاهدٍ: / الألدُّ: الظالم الذي لا يستقيم، وعن أبي عُبَيْدةَ: الألدُّ: الذي لا يقبل الحقَّ ويدَّعي الباطلَ، وتعليقُ مجاهدٍ رواه ابن المنذر عن عليِّ بن أبي طلحة: حَدَّثَنَا زيدٌ: حَدَّثَنَا ابن ثورٍ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن مجاهدٍ.
          (ص) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وِرْدًا} عِطَاشًا.
          (ش) أي: قال عبد الله بن عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا}[مريم:86] وفسَّر ({وِرْدًا}) بقوله: [(عِطَاشًا) و(الوِرْد) : جماعةٌ يَرِدون الماء، اسمٌ على لفظ المصدر، وقال الثعلبيُّ: عِطَاشًا] مشاةً على أرجلهم قد تقطَّعت أعناقهم مِنَ العطش.
          (ص) {أَثَاثًا} مَالًا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: [{هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا}[مريم:74] وفسَّر ({أَثَاثًا}) بقوله: (مَالًا)، وعن ابن عَبَّاسٍ: هيئةً، وعن مقاتلٍ: ثيابًا، وقيل: متاعًا.
          (ص) {إِدًّا} قَوْلًا عَظِيمًا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا}[مريم:89] وفسَّر ({إِدًّا}) بقوله: (قَوْلًا عَظِيمًا) وهو اتِّخاذهم لله ولدًا، وروي هكذا عن ابن عَبَّاسٍ، رواه ابن أبي حاتمٍ مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاسٍ]
.
          (ص) {رِكْزًا} صَوْتًا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: [{أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا}[مريم:98] وفسَّر ({رِكْزًا}) بقوله: (صَوْتًا) وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاسٍ]، وكذا روى عبد الرزَّاق عن قتادة مثله، قال الطَّبَريُّ: الركز في كلام العرب: الصوت الخفيُّ.
          (ص) {غَيًّا} خُسْرَانًا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم:59] فسَّر ({غَيًّا}) بقوله: (خُسْرَانًا) ولم يثبت هذا لأبي ذرٍّ، وروى الطَّبَريُّ مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاسٍ مثله، وعن ابن مسعودٍ: الغيُّ: وادٍ في جهنَّم بعيدُ القعر، أخرجه الحاكم، وعنه: الغي: نهرٌ في جهنَّم، وعن عطاء: الغيُّ: وادٍ في جهنَّم يسيل قيحًا ودمًا، وعن كعبٍ: هو وادٍ في جهنَّم، أبعدُها قعرًا وأشدُّها حرًا، فيه بئرٌ يُسمَّى الهيم، كلَّما خبت جهنَّمُ فتح الله تلك فتُسعَّر بها جهنَّم.
          (ص) {بُكِيًّا} جَمَاعَةُ (بَاكٍ).
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}[مريم:58] وقال: ({بُكِيًّا}) جمع (بَاكٍ) وكذا قاله أبو عُبَيْدةَ.
          قُلْت: أصله: (بُكُويٌ) على وزن (فُعُول)، كـ(قعود) جمع (قاعد)، اجتمعت الواو والياء وسبقَت إحداهما بالسكون، فقُلِبَت ياءً، ثُمَّ أُدْغِمت الياء في الياء، ثُمَّ أُبدِلَت ضمَّة الكاف كسرةً لأجل الياء، فافهم، وقال الثعلبيُّ: هذه الآية نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه.
          (ص) {صِلِيًّا} صَلِيَ يَصْلَى.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا}[مريم:70] وكان ينبغي أن يقول: {صِلِيًّا} مصدر: صَلِيَ يصلَى، من (باب عَلِم يعلَم)، كـ(لقِيَ يلقَى لِقِيًّا) يقال: صَلِي فلانٌ النارَ؛ أي: دخلها واحترق.
          (ص) {نَدِيًّا} وَالنَّادِي واحدٌ: مَجْلِسًا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}[مريم:73] وأنَّ: ({نَدِيًّا} وَالنَّادِي وَاحِدٌ)، ثُمَّ فسَّر قوله: ({نَدِيًّا}) بقوله: (مَجْلِسًا)، وقال أبو عُبَيْدةَ: النَّدِيُّ والنادي واحدٌ، والجمع: أندية، وفسَّر قوله تعالى: {نَدِيًّا} أي: مجلسًا، والنديُّ: مجلس القوم ومجتمعهم، وقيل: أُخِذ مِنَ الندى، وهو الكرم؛ لأنَّ الكرماء يجتمعون فيه.