عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

{حم} الزخرف
  
              

          ░░░43▒▒▒ (ص) سورة حم الزُّخْرُفِ.
          (ش) أي: هذا في تفسيرِ بعضِ (حم الزخرف)، وفي بعض النُّسَخ: <سورة الزخرف>، وفي بعضها: <ومِن سورة حم الزخرف>.
          قال مقاتلٌ: هي مكِّيَّة غير آيةٍ واحدةٍ؛ وهي {وَسَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} الآيَةَ[الزخرف:45]، وقال أبو العَبَّاس: مكِّيَّة لا اختلافَ فيها، وهي ثلاثةُ آلافٍ وأربعُ مئة حرفٍ، وثمان مئةٍ وثلاثٌ وثلاثون كلمةً، وتسعٌ وثمانون آيةً.
          وقال ابنُ سِيدَه: «الزُّخْرُف» الذهب، هذا الأصلُ، ثُمَّ سُمِّيَ كلُّ زينةٍ زُخْرُفًا، وزَخْرَفَ البيتَ: زيَّنه، وكلُّ ما زُوِّقَ وزُيِّنَ فقد زُخْرِف.
          (ص) ♫
          (ش) ثبتت البسملةُ هنا عند الكلِّ.
          (ص) {عَلَى أُمَّةٍ} عَلَى إِمَامٍ.
          (ش) أشار به / إلى قولِه تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}[الزخرف:22] كذا وقع في رواية الأكثرين، وفي روايةِ أبي ذرٍّ: <وقال مجاهدٌ...> فذكره، وقال بعضُهم: والأَوَّلُ أولى.
          قُلْت: ليتَ شِعري! ما وجه الأولويَّة؟!
          وفسَّر (الأُمَّة) بـ(الإمام)، وكذا فسَّره أبو عُبَيدة، وروى عبدُ بنُ حُمَيدٍ مِن طريق ابن أبي نَجِيحٍ عن مجاهدٍ: على مِلَّة، وروى الطَّبَريُّ مِن طريق عليِّ بن أبي طلحةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: {عَلَى أُمَّةٍ} أي: على دين، ومِن طريق السُّدِّيَّ مثله.
          (ص) {وَقِيلَهُ يَا رَبِّ} تَفْسِيرُهُ: أَيَحْسِبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، وَلَا نَسْمَعُ قِيلَهُمْ.
          (ش) أشار به إلى قولِه ╡ : {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ}[الزخرف:88]، وفسَّر ({قِيلِهِ يَا رَبِّ}) بقوله: (أَيَحْسِبُونَ...) إلى آخره، وبعضُهم أنكر هذا التفسيرَ فقال: إِنَّما يصحُّ لو كانت التلاوة: «وقيلهم»، وإِنَّما الضمير فيه يرجع إلى النَّبِيِّ صلعم .
          قال الثعلبيُّ: {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ} يعني: وقول مُحَمَّد صلعم شاكيًا إلى ربِّه، وقيل: معناه: وعنده عِلْمُ الساعة وعِلْم قيله، وقال النَّسَفِيُّ: قرأ عاصمٌ وحمزةُ {وَقِيلِهِ} بكسر اللام، على معنى: وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وعِلْمُ قِيلِه، وهذا العطفُ غيرُ قويٍّ في المعنى مع وقوعِ الفَصْلِ بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضًا ومع تنافر النظم، وقرأ الباقون بفتح اللام، والأوجهُ أن يكون الجرُّ والنصبُ على إضمار حرف القَسَم وحذفِه، ويكون قولُه: {إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ} جوابُ القَسَم؛ كأنَّه قيل: وأقسم بقِيلِه [يا ربِّ إنَّ هؤلاء قومٌ لا يؤمنون، والضمير في {قِيلِهِ} للرسول ◙ ، وإقسامُ اللهِ بقِيلِه] رفعٌ منه وتعظيمٌ لرعايته والتجائه إليه.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} لَوْلَا أَنْ أَجْعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا؛ لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ سَقْفًا مِنْ فِضَّةٍ، وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ، وَهْيَ دَرَجٌ وَسُرُرُ فِضَّةٍ.
          (ش) أي: قال ابنُ عَبَّاسٍ في قولِه تعالى: {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَن لِبُيُوتِهِمْ سَقْفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}.
          وقد فسَّر ابنُ عَبَّاسٍ هذه الآيةَ بما ذكره البُخَاريُّ بقوله: (لَوْلَا أَنْ أَجْعَلَ النَّاسَ...) إلى آخره، وهذا رواه ابنُ جريرٍ عن أبي عاصمٍ: حَدَّثَنَا يحيى: حَدَّثَنَا ورقاءُ عن ابنِ أبي نَجِيح، عن مجاهدٍ عنه، وفي التفسير: لولا أن يكونَ الناسُ مجتمعين على الكفر فيصيروا كلُّهم كفَّارًا، قاله أكثرُ المفسِّرين، وعن ابنِ زيدٍ: يعني: لولا أن يكون الناسُ أمَّةً واحدةً في طلب الدنيا واختيارِها على العُقْبى؛ {لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَن لِبُيُوتِهِمْ} بدل اشتمالٍ مِن قوله: {لِمَن يَكْفُرُ}، ويجوز أن يكونا بمنزلة اللامينِ في قولك: وهبتُ له ثوبًا لقميصه.
          قوله: ({سَقْفًا}) قرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عَمْرو بفتح السين على الواحد، ومعناه الجمعُ، وقرأ الباقون بِضَمِّ السين والقاف على الجمع، وقيل: هو جمعُ (سقيف)، وقيل: جمعُ (سقوف) جمع الجمع.
          قوله: ({وَمَعَارِجَ}) يعني: مصاعدَ ومراقيَ ودرجًا وسلاليمَ، وهو جمعُ (معرج)، أو اسمُ جمعٍ لـ(مِعراج).
          قوله: ({عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}) أي: على المعارج يعلونَها؛ يعني: يعلونَ سطوحَها.
          (ص) {مُقْرِنِينَ} مُطِيقِينَ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:13]، وفسَّره بقوله: (مُطِيقِينَ)، وكذا رواه الطَّبَريُّ بإسناده عنِ ابن عَبَّاس، وفي التفسير: {مُقْرِنِينَ} أي: مُطِيقين ضابِطين قاهِرين، وقيل: هو مِنَ القرن، كأنَّه أراد: وما كُنَّا له مُقاوِمين في القوَّة.
          (ص) {آسَفُونَا} أَسْخَطُونَا.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}[الزخرف:55]، وفسَّر ({آسَفُونَا}) بقوله: (أَسْخَطُونَا)، وكذا فسَّره ابنُ عَبَّاسٍ ☻ فيما رواه ابنُ أبي حاتمٍ مِن طريق عليِّ بن أبي طلحةَ عنه، وقيل: معناه: أغضَبُونا، وقيل: خالَفُونا، والكلُّ متقارِبٌ.
          (ص) {يَعْشُ} يَعْمَى.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}، وفسَّر ({يَعْشُ}) بقوله: (يَعْمَى) مِن عَشا يعشو عَشْوًا، وهو النظرُ ببصرٍ ضعيفٍ، وقراءة العامَّة بالضمِّ، وقرأ ابنُ عَبَّاسٍ بالفتح؛ أي: يظلم عنه ويضعف / بصره، وعن القُرَظيِّ: ومَن يُوَلِّ ظهره، و{ذِكْرِ الرَّحْمَن} هو القرآن.
          قوله: {نُقَيِّضْ لَهُ} أي: نضمُّه إليه ونسلِّطه عليه، {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} فلا يفارقه.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ}؟! أَيْ: تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ؟!
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ}، وفسَّره بقوله: (أَيْ: تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ؟!) يعني: أفنُعرِض عَنِ المكذِّبين بالقرآن ولا نعاقبهم عليه؟! وقيل: معناه: أفَنصرِفُ عنكم العذابَ ونمسكُ ونُعرِضُ عنكم ونتركُكم فلا نعاقبكم على كُفْرِكم؟! ورُوِيَ هكذا أيضًا عنِ ابن عَبَّاسٍ والسُّدِّيِّ، وعن الكِسَائيِّ: أفنطوي عنكم الذِّكْرَ طَيًّا فلا تُدعَون ولا توعَظون؟! وهذا مِن فصيحاتِ القرآن، والعربُ تقول لِمَن أمسك عنِ الشيء: أعَرَضَ عنه صَفْحًا، والأصلُ في ذلك أنَّك إذا أعرضتَ عنه ولَّيتَه صفحةَ عُنُقك، وضربتُ عن كذا وأضربتُ؛ إذا تركتَه وأمسكتَ عنه، وليس في بعض النُّسَخ: (وقال مجاهدٌ).
          (ص) {وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ} سُنَّةُ الأَوَّلِينَ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ}، وفسَّره بقوله: (سُنَّةُ الأَوَّلِينَ)، وقيل: سُنَّتُهم وعقوبتُهم.
          (ص) {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} يَعْنِي: الإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ.
          (ش) قد مرَّ عن قريبٍ معنى {مُقْرِنِينَ}، والضميرُ في {لَهُ} يرجع إلى {الأَنْعَامِ} المذكورةِ فيما قبلَه، وإِنَّما ذَكَّر الضميرَ لأنَّ {الأنعام} في معنى الجمعِ؛ كـ(الجُنْدِ والأجناد) و(الرَّهْطِ) و(الجيشِ) ونحوِها مِن أسماء الجنس، قاله الفَرَّاء، وقيل: ردَّها إلى {مَا}.
          (ص) {يَنْشَأُ فِي الْحِلْيَةِ} الْجَوَارِي جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا، فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ؟!
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {أَوَمَنْ يَنْشَأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}[الزخرف:18].
          قوله: ({يَنْشَأُ}) أي: يكبَرُ وينبُتُ ({فِي الْحِلْيَةِ}) أي: في الزينة، وفسَّره بقوله: (الْجَوَارِي) يعني: جعلتمُ الإناثَ ولدًا لله ╡ حيث قالوا: الملائكةُ بناتُ الله، (فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ) بذلك ولا ترضون به لأنفسكم؟!
          وقال عبدُ الرَّزَّاق عن مَعْمَرٍ عن قتادةَ في قوله: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} قال: البنات، وقراءة الجمهور: {يَنْشَأ} بفتح أوَّله مخفَّفًا، وقرأ حمزةُ والكسائيُّ وحفصٌ بِضَمِّ أوَّله مثقَّلًا، وقرأ الجَحْدَريُّ بِضَمِّ أوَّله مخفَّفًا.
          (ص) {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} يَعْنُونَ: الأَوْثَانَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} أَيْ: الأَوْثَانُ، إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَن مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}[الزخرف:20].
          قوله: (يَعْنُونَ الأَوْثَانَ) هو قول مجاهدٍ، وقال قتادة: يعنون: الملائكة، والضمير في: {مَا عَبَدْنَاهُمْ} يرجع إلى الأوثان عند عامَّة المفسِّرين، ونُزِّل منزلة مَن يعقل، فذُكِّر الضمير.
          قوله: ({مَا لَهُمْ بِذَلِكَ}) أي: فيما يقولون، ({إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}) أي: يكذبون.
          (ص) {فِي عَقِبِهِ} وَلَدِهِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف:28] وفسَّر (العقب) بالولد، والمراد به: الجنس حَتَّى يدخل ولد الولد، وقال ابن فارسٍ: بل الورثة كلُّهم عقبٌ، و(الكلمة الباقية) قول: لا إله إلا الله.
          (ص) {مُقْتَرِنِينَ} يَمْشُونَ مَعًا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}[الزخرف:53] وفسَّر {مُقْتَرِنِينَ} بقوله: (يَمْشُونَ مَعًا) أي: يمشون مجتمعين معًا، ويمشون متتابعين يعاون بعضهم بعضًا.
          (ص) {سَلَفًا} قَوْمُ فِرْعَوْنَ سَلَفًا لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلعم ، {وَمَثَلًا} عِبْرَةً.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}.
          قوله: (جَعَلْنَاهُمْ) أي: جعلنا قوم فرعون سلفًا لكفَّار هذه الأمَّة، وفي التفسير: {سَلَفًا} هم الماضون المتقدِّمون في الأُمَم.
          قوله: ({وَمَثَلًا}) أي: عبرةً للآخرين؛ أي: لمن يجيء بعدهم، وقرئ بِضَمِّ السين واللَّام وفتحهما.
          (ص) {يَصِدُّونَ} يَضِجُّونَ.
          (ش) أشار به إلى قوله ╡ : {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}[الزخرف:57] وفسَّره بقوله: (يَضِجُّونَ) بالجيم وبكسر الضاد، ومَن قرأ بالضَّمِّ فالمعنى: يعرضون، وقال الكسائيُّ: هما لغتان بمعنًى، وأنكر بعضهم / الضَّمَّ، وقال: لو كان مضمومًا لكان يقال: «عنه»، ولم يقل: {منه}، وقيل: معنى: {مِنْهُ} مِن أجله، فلا إنكار في الضَّمِّ.
          (ص) {مُبْرِمُونَ} مُجْمِعُونَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}[الزخرف:79] وفسَّره بقوله: (مُجْمِعُونَ) وقيل: مُحكمِون، والمعنى: أم أحكموا أمرًا في المكر برسول الله صلعم فإنَّا مُبرِمون مُحكِمون.
          (ص) {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.
          (ش) أشار به إلى قوله ╡ : {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}[الزخرف:81] وفسَّر ({الْعَابِدِينَ}) بـ(المؤمنين) ووصله الفِرْيَابيُّ عن مجاهدٍ بلفظ: (أَوَّل المؤمنين بالله فقولوا ما شئتم)، وفي التفسير: يعني: إن كان للرحمن ولدٌ في زعمِكم وقولِكم؛ فأنا أَوَّل الموحِّدين المؤمنين بالله في تكذيبكم والجاحدين ما قلتم مِن أنَّ له ولدًا، وعن ابن عَبَّاسٍ: يعني ما كان للرحمن ولدٌ، وأنا أَوَّل الشاهدين له بذلك.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ}[الزخرف:26] الْعَرَبُ تَقُولُ: نَحْنُ مِنْكَ الْبَرَاءُ وَالْخَلَاءُ، وَالْوَاحِدُ وَالاِثْنَانِ وَالْجَمْعُ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ يُقَالُ فِيهِ: بَرَاءٌ؛ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَلَوْ قَالَ: بَرِيءٌ؛ لَقِيلَ فِي الاِثْنَيْنِ: بَرِيئَانِ، وَفِي الْجَمْعِ: بَرِيئُونَ، وَقَرَأَ عَبْدُ الله: {إِنَّنِي بَرِيءٌ} بِالْيَاءِ.
          (ش) أي: وقال غير مجاهدٍ؛ لأنَّ ما قبله قول مجاهدٍ، وليس في بعض النُّسَخ لفظ: (وقال غيره).
          قوله: ({إِنَّنِي بَرَاءٌ}) وأوَّلُه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ}[الزخرف:26] يعني: واذكر يا مُحَمَّدُ إذ قال إبراهيم... إلى آخره، وهذا كلُّه ظاهر.
          قوله: (يُقَالُ فِيهِ: بَرَاءٌ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ) وُضِعَ موضعَ النَّعت، يقال: برئتُ مِنك ومِنَ الدُّيون والعيوب براءةً، وبرئتُ مِنَ المرض بُرءًا؛ بالضَّمِّ، وأهل الحجاز يقولون: برأتُ مِنَ المرض بَرءًا؛ بالفتح.
          قوله: (وَفِي الْجَمْعِ: بَرِيئُونَ) ويقال أيضًا: بُرآءُ، مثل (فقيهٍ وفقهاء)، وبِراءٌ أيضًا؛ بكسر الباء، مثل (كريمٍ وكِرام)، وأَبراءٌ، مثل: (شريفٍ وأشرافٍ)، وأبرئاء، مثل: (نصيبٍ وأنصباء)، وفي المؤنَّث يقال: امرأةٌ بريئةٌ، وهما بريئتان، وهنَّ بريئاتٌ وبرايا، وهذه لغة أهل نجدٍ، والأولى لغة أهل الحجاز.
          قوله: (وَقَرَأَ عَبْدُ الله) أي: ابن مسعودٍ، ذكره الفضل بن شاذان في كتاب «القراءات» بإسناده عن طلحة بن مُصَرِّفٍ، عن يحيى بن وثَّابٍ، عن عَلْقَمَة، عن عبد الله.
          (ص) وَالزُّخْرُفُ الذَّهَبُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ. وَزُخْرُفًا} الآية[الزخرف:34-35] وفسَّره بـ(الذَّهَبِ)، وقد مضى الكلام فيه في أَوَّل الباب.
          (ص) مَلَائِكَةً يَخْلُفُونَ: يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} وفسَّره بقوله: (يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) وأخرجه عبد الرَّزَّاق عن معمرٍ، عن قتادة، وزاد في آخره: مكان ابن آدم.