عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

{والنازعات}
  
              

          ░░░79▒▒▒ (ص) سُورَةُ {وَالنَّازِعَاتِ}
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة {وَالنَّازِعَاتِ}) وتُسمَّى (سورة الساهرة)، وهي مَكِّيَّةٌ لا اختلافَ فيها، وقال السَّخاويُّ: نزلت بعد «سورة النبأ» وقبل «سورة {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ}» وهي سبعُ مئةٍ وثلاثةٌ وخمسون حرفًا، ومئةٌ وتسعٌ وسبعون كلمةً، وستٌّ وأربعون آيةً.
          وفي {النازعات} أقوالٌ: الملائكة تَنزِع نفوسَ بني آدم، روي عن ابن عَبَّاسٍ، والموت يَنزِع النفوسَ، قاله سعيد بن جُبَيرٍ، والنجوم تنزع مِن أفقٍ إلى أفقٍ تطلع ثُمَّ تغيب، والغزاة الرماة، قاله عطاءٌ وعِكرمةُ.
          (ص) {زَجْرَةٌ} صَيْحَةٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ}[النازعات:13] وفسَّرها بقوله: (صَيْحَةٌ) وثبت هذا للنَّسَفِيِّ وحده.
          (ص) وَقَالَ مُجاهِدٌ: {تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} هِيَ الزَّلْزَلَةُ.
          (ش) أي: قال مُجاهدٌ في قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ}[النازعات:6] وفسَّر ({الرَّاجِفَةُ}) بالزَّلزلة، وقال الثَّعْلَبيُّ: يعني: النفخة الأولى التي يتزلزل ويتحرَّك لها كلُّ شيءٍ، وهذا أيضًا للنَّسَفِيِّ وحده.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الآيَةَ الْكُبْرَى} عَصَاهُ وَيَدُهُ.
          (ش) أي: قال مُجاهدٌ في قوله تعالى: {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى}[النازعات:20] أي: فأرى موسى ◙ فرعونَ الآيةَ الكبرى، وفسَّرها مجاهدٌ: بعصاه ويده حين خرجت بيضاء، وكذا رواه عبد الرَّزَّاق عن معمرٍ عن قتادة مثله.
          (ص) {سَمْكَهَا} بَنَاها بِغَيْرِ عَمَدٍ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا}[النازعات:28] وفسَّره بقوله: (بَنَاهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ)، وقال الثَّعْلَبيُّ: {سَمْكَهَا} سقفها، وقال الفَرَّاء: كلُّ شيءٍ حَمَل شيئًا مِن البناء وغيره فهو سُمْكٌ، وبناءٌ مسموكٌ، {فَسَوَّاهَا} بلا شطورٍ ولا فطورٍ، وهذا للنَّسَفِيِّ وحده.
          (ص) {طَغَى} عَصَى.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى}[النازعات:17] وفسَّره بقوله: (عَصَى) وطغى مِنَ الطغيان، وهو المجاوزة عن الحدِّ، وهذا أيضًا للنَّسَفِيِّ وحده.
          (ص) النَّاخِرَةُ وَالنَّخِرَةُ سَوَاءٌ؛ مِثْلُ الطَّامِعِ وَالطَّمِعِ، وَالْبَاخِلِ وَالْبَخِلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النَّخِرَةُ: الْبَالِيَةُ، وَالنَّاخِرَةُ: الْعَظْمُ الْمُجَوَّفُ الَّذِي تَمُرُّ بِهِ الرِّيحُ فَيَنْخَرُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً}[النازعات:11].
          قوله: (سَوَاءً) ليس كذلك؛ لأنَّ (الناخرة) اسم فاعلٍ، و(النخرة) صفةٌ مشبَّهة، وإن كان مراده سواء في أصل المعنى فلا بأس به.
          قوله: (مِثْلُ الطَّامِعِ وَالطَّمِعِ) بكسر الميم على وزن (فَعِل) بكسر العين (وَالْبَاخِلِ وَالْبَخِلِ) على وزن (فَعِل) بكسر العين أيضًا، وفي التمثيل بهما نظرٌ مِن وجهين؛ أحدهما: ما أشرنا إليه الآن، والآخر: التفاوت بينهما في التذكير والتأنيث، ولو قال: مثل (صانِعة وصَنِعَة) ونحو ذلك؛ لكان أصوبَ، ووقع في رواية الكُشْميهَنيِّ: <النَّاحِل والنَّحِل> بالنون والحاء المُهْمَلة فيهما، وقال بعضهم: بالباء المُوَحَّدة والخاء المُعْجَمة هو الصواب.
          قُلْت: لم يبيِّن جهة الصواب، و(الصواب) لا يستعمل إلَّا في مقابلة (الخطأ)، والذي وقع بالنون والحاء المُهْمَلة ليس بخطأ حَتَّى يكونَ الذي ذكره صوابًا.
          قوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) الظاهر أنَّ المراد به هو ابن الكلبيِّ، فَإِنَّهُ قال: (يعني: النخرة البالية...) إلى آخره.
          قوله: (فَيَنْخَرُ) أي: يُصوِّت، وهذا قد فرَّق بينهما في المعنى أيضًا.
          وقرأ أهل الكوفة إلَّا حفصًا: {نَاخِرَة} بالألف، والباقون: {نَخِرَة} بلا ألفٍ، وذُكِر أنَّ عُمَر بن الخَطَّاب وابن مسعودٍ وعبدَ الله بنَ عَبَّاسٍ وابنَ الزُّبَير ومُحَمَّد بن كعبٍ وعِكرمة وإبراهيم كانوا يقرؤون: {عِظَامًا نَاخِرَة} بالألف، وقال الفَرَّاء: {ناخرة} بالألف أجود الوجهين.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْحَافِرَةِ} إِلَى أَمْرِنَا الأَوَّلِ إِلَى الْحَيَاةِ.
          (ش) أي: قال ابن عَبَّاسٍ ☻ / في قوله تعالى: {أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ}؟ [النازعات:10] وفسَّرها بقوله: (إِلَى أَمْرِنَا الأَوَّلِ) يعني: إلى الحالة الأولى؛ يعني: الحياة، يقال: رجع فلانٌ في حافرته؛ أي: في طريقته التي جاء منها، وأخرج هذا التعليقَ ابنُ أبي حاتم عن أبيه عن أبي صالحٍ: حدَّثني أبو معاوية عن عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاسٍ، وأخبر القرآن عن مُنْكِري البعث مِن مشركي مكَّة أنَّهم قالوا: {أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ}؟ أي: في الحالة لأولى، يعنون: الحياة بعد الموت؛ أي: فنرجع أحياءً كما كنَّا قبل مماتنا، وقيل: التقدير: عند الحافرة، يريدون: عند الحالة الأولى، وقيل: الحافرة: الأرض التي يُحفَر فيها قبورهم، فسُمِّيت حافرةً، بمعنى: محفورةً، وقد سُمِّيت الأرض حافرةً لأنَّها مستقرُّ الحوافر.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا}؟ مَتَى مُنْتَهَاهَا؟ وَمُرْسَى السَّفِينَةِ: حَيْثُ تَنْتَهِي.
          (ش) أي: قال غيرُ ابن عَبَّاسٍ في قوله تعالى: ({أَيَّانَ مُرْسَاهَا}) يعني: (مَتَى مُنْتَهَاهَا؟)، و(مُرْسَى) بِضَمِّ الميم، والضمير في {مُرْسَاهَا} يرجع إلى الساعة، وعن عائشة ♦: لم يزل النَّبِيُّ صلعم يذكر الساعةَ ويسأل عنها حَتَّى نزلت هذه الآية.
          -(ص) {الرَّاجِفَةُ} النَّفْخَةُ الأولَى، {الرَّادِفَةُ} النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ}[النازعات:6-7] وروى هذا التفسيرَ الطَّبَريُّ مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاسٍ.