عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

{عم يتساءلون}
  
              

          ░░░78▒▒▒ (ص) سُورَةُ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}.
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ}) وتُسمَّى أيضًا (سورة النَّبَأ)، وهي مَكِّيَّةٌ، وهي سبعُ مئةٍ وسبعون حرفًا، ومئةٌ وثلاثٌ وسبعون كلمةً، وأربعون آيةً.
          قوله: ({عَمَّ}) أصله: (عمَّا) حُذِفَتِ الألف للتخفيف، وبه قرأ الجمهور، وعن ابن كثيرٍ روايةً بالهاء، وهي هاءُ السَّكْت.
          قوله: ({يَتَسَاءَلُونَ}) أي: عن أيِّ شيءٍ يتساءل هؤلاء المشركون؟
          ░1▒ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لا يَرْجُونَ حِسابًا} لا يَخَافُونَهُ.
          (ش) أي: قَالَ مُجَاهِدٌ في قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا} وفسَّره بقوله: (لَا يَخَافُونَهُ)، ورواه عبد بن حُمَيدٍ عن شَبابَة، / عن ورقاء، عن ابن أبي نَجيحٍ عنه، ولفظه: لا يبالون فيصدِّقون بالبعث، والرجاء يُستَعمل في الأمل والخوف، وليس في رواية أبي ذرٍّ: (وقال مُجاهدٌ).
          (ص) {صَوَابًا} حَقًّا فِي الدُّنْيَا وَعَمِلَ بِهِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ صَوَابًا}[النبأ:38] وفسَّره بقوله: (حَقًّا فِي الدُّنْيَا وَعَمِلَ بِهِ)، وقال أبو صالحٍ: {قَالَ صَوَابًا} قال: لا إله إلَّا لله في الدنيا.
          (ص) {لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} لَا يُكَلِّمُونَ لَهُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُمْ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا}[النبأ:37] والضمير في {لَا يَمْلِكُونَ} لأهل السماوات والأرض؛ أي: ليس في أيديهم مِمَّا يخاطَب به الله، وقيل: لا يملكون أن يخاطبوه بشيء مِن نقص العذاب أو زيادةٍ في الثواب إلَّا أن يأذن لهم ذلك ويأذن لهم فيه.
          (ص) وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: {ثَجَّاجًا} مُنْصَبًّا.
          (ش) أي: قال ابن عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا}[النبأ:14] وفسَّر ({ثَجَّاجًا}) بقوله: (مُنْصَبًّا) وكذا فسَّره أبو عبيدة، وهذا ثبت للنَّسَفِيِّ وحده.
          (ص) {ألْفافًا} مُلْتَفَّةً.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا}[النبأ:16] وقال الثعلبيُّ: {أَلْفَافًا} ملتفًّا بعضُه ببعضٍ، واحده (لَفٌّ) في قول نحاة البصرة، وليس بالقويِّ، وقال آخرون: واحدها «لفيفٌ»، وقيل: هو جمع الجمع، ويقال: جنَّةٌ لفَّاءُ، ونبت أَلَفُّ وجِنانٌ لُفٌّ؛ بِضَمِّ اللَّام، ثُمَّ يجمع (اللُّفُّ) (ألفافًا)، وهذا أيضًا للنَّسَفِيِّ وحده.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَهَّاجًا} مُضِيئًا.
          (ش) أي: قال ابن عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا}[النبأ:13] وفسَّره بقوله: (مُضِيئًا) ورواه ابن أبي حاتمٍ مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاسٍ.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: {غَسَّاقًا} غَسَقَتْ عَيْنُهُ، وَيَغْسِقُ الْجُرحُ: يَسِيلُ؛ أَنَّ الغَسَّاقَ وَالغَسِيقَ وَاحِدٌ.
          (ش) أي قال غيرُ ابنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا. إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}[النبأ:25] هذا لم يثبت إلَّا لأبي ذرٍّ، ووقع عند النَّسَفِيِّ والجرجانيِّ: <وقال معمرٌ...> فذكره، و(معمرٌ) هو أبو عبيدة.
          قوله: (غَسَقَتْ عَيْنُهُ [وَيَغسِقُ الْجُرحُ: يَسِيلُ) أشار به إلى أنَّ معنى ({غَسَّاقًا}) سيَّالًا مِنَ الدَّم ونحوه؛ لأنَّه مِن غَسَقَتْ عينُه]؛ أي: سالت، ويَغْسِقُ الجرح؛ أي: يسيل، وقال الثعلبيُّ: الغسَّاق: الزمهرير، وقيل: صديد أهل النَّار، وقيل: دموعهم، وعن شهرِ بن حَوْشَبٍ: الغسَّاق: وادٍ في النار فيه ثلاثُ مئةٍ وثلاثون شِعبًا، في كلِّ شِعبٍ ثلاثُ مئةٍ وثلاثون بيتًا، في كلِّ بيتٍ أربع زوايا، في كلِّ زاويةٍ شجاعٌ كأعظم ما خلق الله تعالى مِنَ الخلق، في رأس كلِّ شجاعٍ مِنَ السُّمِّ قُلَّةٌ، وقال الجَوْهَريُّ: الغسَّاق: البارد الُمنْتِن، يُخفَّف ويُشدَّد، قرأ أبو عَمْرو: {إلَّا حميمًا وَغَسَاقًا} بالتخفيف، وقرأ الكسائيُّ بالتشديد.
          (ص) {عَطَاءً حِسَابًا} جَزَاءً كَافِيًا، أَعْطَانِي مَا أَحْسَبَنِي؛ أَيْ: كَفَانِي.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا}[النبأ:36] وفسَّره بقوله: (جَزَاءً كَافِيًا)، وقال الثَّعْلَبيُّ: {عَطَاءً حِسَابًا} كثيرًا كافيًا وافيًا.
          قوله: (أَعْطَانِي مَا أَحْسَبَنِي) [أشار به إلى أنَّ لفظ: (الحساب) يأتي بمعنى: الكفاية، يقال: أعطاني فلانٌ ما أَحْسَبَني] أي: ما كفاني، ويقال: أَحْسَبْتُ فلانًا؛ أي: أعطيتُه ما يكفيه حَتَّى قال: حَسْبِي.