عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

سورة الرحمن
  
              

          ░░░55▒▒▒ سُورَةُ الرَّحْمَنِ.
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض سورة {الرَّحْمَن. عَلَّمَ الْقُرْآنَ}.
          قال أبو العَبَّاس: أجمعوا على أنَّها مَكِّيَّةٌ إلَّا ما روى هَمَّامٌ عن قتادة: أنَّها مدنيَّةٌ، قال: وكيف تكون مدنيَّةً، وإِنَّما قرأها النَّبِيُّ صلعم بسوق عُكَاظ فسمعَتْهُ الجنُّ، وأَوَّلُ شيءٍ سمعَتْ قريشٌ مِنَ القرآن جهرًا (سورة الرَّحْمَن) قرأها ابن مسعودٍ عند الحِجْر فضربوه، حَتَّى أثَّروا في وجهه، وفي رواية سعيدٍ عن قتادة: أنَّها مَكِّيَّةٌ، وقال السخاويُّ: نزلت قبل: {هَلْ أَتَى} وبعد (سورة الرعد)، وهي ألفٌ وستُّ مئةٍ وستَّةٌ وثلاثون حرفًا، وثلاثُ مئةٍ وإحدى وخمسون كلمةً، وثمانٌ وسبعون آيةَ، نزلت حين قالوا: وما الرَّحْمَن؟
          وكذا وقعت السورة بدون البسملة عندهم، وزاد أبو ذرِّ البسملةَ، و{الرَّحْمَنُ} آيةٌ عند الأكثرين، وارتفاعه على أنَّهُ مبتدأٌ محذوفَ الخبرِ أو بالعكس، وقيل: الخبر {عَلَّمَ الْقُرْآنَ}، وهو تمام الآية.
          (ص) قَالَ مُجَاهِدٌ: {بِحُسْبَانٍ} كَحُسْبَانِ الرَّحَى. /
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[الرَّحْمَن:5] (كَحُسْبَانِ الرَّحَى) معناه: يَدوران في مثل قطب الرَّحى، و(الحُسْبَان) قد يكون مصدرًا، حَسِبتُ حِسَابًا وحُسبانًا؛ مثل: الغُفْران والكُفْران والرُّجْحان والنُّقْصان والبُرْهان، وقد يكون جمعَ (حسابٍ)، كالشُّهبان والرُّكبان والقُضْبان والرُّهْبان، والتقدير: الشمس والقمر يجريان بحُسْبان.
          وتعليق مجاهدٍ رواه عبد بن حُمَيدٍ عن شَبابَة، عن ورقاء، عن ابن أبي نَجيحٍ عنه، ولفظ أبي يحيى عنه قال: يدوران في مثل قطب الرَّحى، كما ذكرناه، [وعن الضَّحَّاك: بعددٍ يجريان، وقيل: أي: بحسابٍ ومنازلَ لا يعدُّونها، وكذا رُوي عن ابن عَبَّاسٍ وقتادة]، وعن ابن زيدٍ وابن كَيْسان: بهما تُحسَب الأوقات والأعمار والآجال، وعن السُّدِّيِّ: بأجلٍ كآجال الناس، فإذا جاء أجلُهُما هَلَكَا، وعن يمانٍ: يجريان بأجلِ الدنيا وقضائِها وفنائِها.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ} يُرِيدُ: لِسَانَ الْمِيزَانِ.
          (ش) أي: وقال غيرُ مجاهدٍ في تفسير قوله ╡ : {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[الرَّحْمَن:9]: (يُرِيدُ: لِسَانَ الْمِيزَانِ) روي هكذا عن أبي الدَّرْدَاء، فَإِنَّهُ قال: أقيموا لسان الميزان بالقسط؛ أي: بالعدل، وعن ابن عُيَينةَ: الإقامة باليد والقسط بالقلب {وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} أي: لا تُطَفِّفوا في المكيل والموزون.
          (ص) وَ(الْعَصْفُ) بَقْلُ الزَّرْعِ إِذَا قُطِعَ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ فَذَلِكَ الْعَصْفُ. وَ(الرَّيْحَانُ) وَرَقُهُ. {وَالْحَبُّ} الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَالرَّيْحَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الرِّزْقُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْعَصْفُ: يُرِيدُ: الْمَأْكُولَ مِنَ الْحَبِّ، وَالرَّيْحَانُ: النَّضِيجُ الَّذِي لَمْ يُؤْكَلْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعَصْفُ: وَرَقُ الْحِنْطَةِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْعَصْفُ: التِّبْنُ، وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: الْعَصْفُ: أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ يُسَمِّيهِ النَّبَطُ هَبُورًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَصْفُ: وَرَقُ الْحِنْطَةِ، وَالرَّيْحَانُ: الرِّزْقُ.
          (ش) أشار بهذا إلى قوله تعالى: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ}[الرَّحْمَن:12] وقال: (الْعَصْفُ: بَقْلُ الزَّرْعِ إِذَا قُطِعَ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ) أي: الزرع (فَذَلِكَ) هو (الْعَصْفُ) كذا نُقِلَ عن الفَرَّاء، وعن ابن كَيْسان: العصف ورق كلِّ شيءٍ خَرَج منه الحبُّ، يبدو أوَّلًا ورقًا، ثُمَّ يكون سوقًا، ثُمَّ يُحدِث اللهُ تعالى فيه أكمامًا، ثُمَّ يُحدِث في الأكمام الحبَّ، وعن ابن عَبَّاسٍ: ورق الزرع الأخضر إذا قُطِع رؤوسُه ويَبِسَ هو العصف.
          قوله: ({وَالرَّيْحَانُ} وَرَقُهُ) أي: ورق الحبِّ، وفي بعض النُّسَخ: <رِزْقُهُ> بالراء ثُمَّ الزاي، ونقل الثعلبيُّ عن مجاهدٍ: الريحان: الرِّزق، وعن مقاتل بن حيَّان: الريحان: الرزق بلغة حِمْيَر، وعن ابن عَبَّاسٍ: الريحان: الرِّيع، وعن الضَّحَّاك: هو الطعام، فالعصف هو التبن، والريحان ثمرته، وعن الحسن وابن زيدٍ: هو ريحانكم هذا الذي تشمُّونه، وعن ابن عَبَّاسٍ: هو خضرة الزرع.
          قوله: (وَالْحَبُّ الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ) أي: مِنَ الزرع.
          قوله: (وَالرَّيْحَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الرِّزْقُ) بالراء والزاي، تقول العرب: خرجنا نطلب ريحانَ الله؛ أي: رزقَه.
          قوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْعَصْفُ: يُرِيدُ: الْمَأْكُولَ مِنَ الْحَبِّ) أراد بـ(البعض) الفَرَّاء، فَإِنَّهُ قال: العصف: المأكول مِنَ الحبِّ، والريحان: النضيج الذي لم يُؤكَل، (النضيج) : (فَعِيلٌ) بمعنى المنضوج، يقال: نضج الثمر واللَّحم نُضجًا ونَضجًا _أي: أَدْرَك_ فهو نضيجٌ وناضجٌ، وأنضجتُه أنا.
          قوله: (وَقَالَ غَيْرُهُ) كذا في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية غيره: <وقال مجاهدٌ: العصف: ورق الحنطة> كذا رواه ابن أبي نَجيحٍ عنه.
          [قوله: (وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْعَصْفُ: التِّبْنُ) كذا ذكره في «تفسيره» مِن رواية جُوَيبر عنه].
          قوله: (وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ) : لا يُعرَف اسمه، قاله أبو زُرْعَةَ، وقال غيره: اسمه غزوان، وليس له في «البُخَاريِّ» غيره، وهو كوفيٌّ تابعيٌّ ثقةٌ.
          قوله: (النَّبَطُ) بفتح النون والباء المُوَحَّدة وبالطاء المُهْمَلة، وهم أهل الفلاحة مِنَ الأعاجم ينزلون بالبطائح بين العراقين.
          قوله: (هَبُورًا) بفتح الهاء وضمِّ الباء المُوَحَّدة المُخَفَّفَة وسكون الواو بعدها راءٌ، وهو دقاق الزرع بالنَّبَطيَّة، وقد قال ابن عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} هو الهَبُور، وقول أبي مالكٍ رواه يحيى بن عبد الحميد، عن ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عنه.
          قوله: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ...) إلى آخره: رواه عبد بن حُمَيدٍ، عن شَبابَة، عن ورقاء، عن / ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ.
          (ص) وَالْمَارِجُ: اللهَبُ الأَصْفَرُ وَالأَخْضَرُ الَّذِي يَعْلُو النَّارَ إِذَا أُوقِدَتْ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ}[الرَّحْمَن:15] وفسَّر (الْمَارِجَ) بالذي ذكره، وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ بسنده عن مجاهدٍ، وهو مِن مَرَجَ أمرُ القومِ إذا اختلط، وعن ابن عَبَّاسٍ: هو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهب، وقيل: {مِن مَّارِجٍ} مِن لهبٍ صافٍ خالصٍ لا دخانَ فيه، و{الْجَانَّ} أبو الجنِّ، وعن الضَّحَّاك: هو إبليس، وعن أبي عبيدة: {الجَانَّ} واحد (الجنِّ).
          (ص) وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ مُجَاهِدٌ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ} لِلشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ مَشْرِقٌ، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ، {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} مَغْرِبُهَا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}[الرَّحْمَن:17] وفسَّره بما ذكره، ورواه ابن المنذر عن عليِّ بن المبارك: حَدَّثَنَا زيدٌ: حدَّثنا ابن ثورٍ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن مجاهدٍ.
          (ص) {لا يَبْغِيَانِ}: لا يَخْتَلِطانِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ}[الرَّحْمَن:19-20] أي: (لا يَخْتَلِطانِ) ولا يتغيَّران، ولا يبغي أحدُهما على صاحبه، وعن قتادة: لا يطغيان على الناس بالغرق، والمراد بـ{الْبَحْرَيْنِ} بحر الروم وبحر الهند، كذا روي عن الحسن، قال: وأنتم الحاجز بينهما، وعن قتادة: بحر فارس والروم بينهما برزخٌ، وهو الجزائر، وعن مجاهدٍ والضَّحَّاك: يعني: بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كلَّ عامٍ، وأخرج ابن أبي حاتمٍ مِن طريق سعيد بن جُبَيرٍ عن ابن عَبَّاسٍ ☻ قال: بينهما مِنَ البُعْد ما لا يبغي أحدهما على صاحبه، وتقدير قوله: {يَلْتَقِيَانِ} على هذا: أن يلتقيا، فحذف (أن)، وهو شائعٌ في كلام العرب، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ}[الروم:24] أي: أن يريكم البرق، وهذا يؤيِّد قول مَن قال: إنَّ المراد بـ{البَحْرَين} بحر فارس وبحر الروم؛ لأنَّ مسافة ما بينهما ممتدَّةٌ.
          (ص) {المُنْشَآتُ} مَا رُفِعَ قِلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قِلْعُهُ فَلَيْسَ بَمُنْشَأةٍ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ}[الرَّحْمَن:24] وفسَّرها بما ذَكَره، وهو قول مجاهدٍ أيضًا، و(الجواري) : السُّفُن الكبار، جمع (جارية)، و{المُنْشَآتُ}: المقبلات المبتدئات اللاتي أنشأت جريهنَّ وسيرهنَّ، وقيل: المخلوقات المرفوعات المسخَّرات، وقرأ حمزة وأبو بكرٍ عن عاصمٍ بكسر الشين، والباقون بفتحها.
          [قوله: (قِلْعُهُ) بكسر القاف واقتصر عليه الكَرْمَانِيُّ، وحكى ابنُ التين فتحَها أيضًا، وهو] الشِّراع.
          (ص) وَقَالَ مجَاهِدٌ: {كَالفَخَّارِ} كَمَا يُصْنَعُ الفَخَّارُ.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قوله ╡ : {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}[الرَّحْمَن:14] (كَمَا يُصْنَعُ) على صيغة المجهول؛ أي: كما يُصنَع الخزف، وهو الطين المطبوخ بالنَّار، وليس المراد منه صانعه، فافهم، وهذا في بعض النُّسَخ متقدِّمٌ على ما قبله، وفي بعضها متأخِّرٌ عنه.
          (ص) (النُّحَاسُ) : الصُّفْرُ يُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ يُعَذَّبُونَ بِهِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ}[الرَّحْمَن:35] وفسَّر (النُّحَاس) بما ذكره، وكذا فسَّره مجاهدٌ، وفي بعض النُّسَخ: <{نُحَاسٌ} الصُّفْر> بدون الألف واللَّام، وهو الأصوب؛ لأنَّه في التلاوة كذا.
          قوله: {فَلَا تَنتَصِرَانِ} أي: فلا تمتنعان.
          (ص) {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} يَهُمُّ بَالمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ اللهَ ╡ فَيَتْرُكُهَا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرَّحْمَن:46] وفسَّره بقوله: (يَهُمُّ) أي: يقصد الرجلُ بأن يفعل معصيةً أرادها، ثُمَّ ذَكَر اللهَ تعالى وعظمته، وأنَّه يعاقب على المعصية، ويثيب على تركها (فَيَتْرُكُهَا) فيدخل فيمَن له جنَّاتان، وفي بعض النُّسَخ: <وقال مجاهدٌ: {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}...> إلى آخره، ورواه ابن المنذر عن بكَّار بن قُتيبة: حَدَّثَنَا أبو حذيفة: حَدَّثَنَا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ.
          (ص) (الشُّوَاظُ) : لَهَبٌ مِنْ نَارٍ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ}[الرَّحْمَن:35] وفسَّره بأنَّه (لَهَبٌ مِنْ نَارٍ) وهو قول مجاهدٍ أيضًا، وقيل: هو النار المحضة بغير دخانٍ، وعن الضَّحَّاك: هو الدخان الذي يخرج مِنَ اللَّهب ليس بدخانِ الحطبِ.
          (ص) / {مُدْهَامَّتَانِ} سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ.
          (ش) أي: مِن شدَّة الخضرة صارت سوداوان؛ لأنَّ الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد.
          (ص) {صَلْصَالٍ} خُلِطَ بِرَمْلٍ وَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الفَخَّارُ، وَيُقالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ: (صَلَّ) يُقالُ: صَلْصالُ، كَمَا يُقالُ: صَرَّ البابُ عِنْدَ الإغْلاقِ وَصَرْصَرَ؛ مِثْلَ: كَبْكَبْتُهُ؛ يَعْنِي: كَبَبْتُهُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [ولم يثبت هذا في رواية أبي ذرٍّ.
          قوله: ({خَلَقَ الإِنْسَانَ}) أي: آدم ({مِن صَلْصَالٍ}) أي: مِن طينٍ يابسٍ له صلصلةٌ ({كَالفَخَّارِ}) وفسَّره البُخَاريُّ بقوله: (خُلِطَ بِرَمْلٍ) الطينُ إذا خُلِط برملٍ ويبس صار قويًّا جدًّا، بحيث إنَّهُ إذا ضُرِبَ خرَجَ له صوتٌ، وأشار إليه بقوله: (وَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ) ]
أي: الخزف، و(صَلْصَلَ) ماضٍ، و(يُصَلْصِلُ) مضارعٌ، والمصدر: صَلْصَلةٌ وصَلْصَالٌ.
          قوله: (وَيُقَالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ: صَلَّ) أشار به إلى أنَّهُ يقال: لحمٌ مُنتِنٌ يريدون به أنَّهُ صَلَّ، يقال: صلَّ اللَّحم يصِلُّ _بالكسر_ صلولًا؛ أي: أنتن مطبوخًا كان أو نيًّا، وأَصَلَّ مثلَه.
          قوله: (يُقَالُ: صَلْصَالٌ، كَمَا يُقَالُ: صَرَّ الْبَابُ) أشار به إلى أنَّ (صَلْصَلَ) مضاعفُ [(صلَّ) كما يقال: صرَّ الباب؛ إذا صوَّت، فيُضاعَف] ويقال: صَرْصَرَ؛ كما ضوعِف (كَبَبْتُهُ)، فقيل: (كَبْكَبْتُه)، وكما يقال في (كَبَّه) : كَبْكَبَه، ومنه قوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هم والغاوون}[الشعراء:94] أصله: كُبُّوا، يقال: كبَّه لوجهه؛ أي: صرعه، فأَكَبَّ هو على وجهه، وهذا مِنَ النوادر أن يقال: أفعلتُ أنا، وفعلتُ غيري.
          (ص) {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالْفَاكِهَةِ، وَأَمَّا الْعَرَبُ فَإِنَّهُا تَعُدُّهَا فَاكِهَةً؛ كَقَوْلِهِ ╡ : {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}[البقرة:238] فَأَمَرَهُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى كُلِّ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَعَادَ الْعَصْرَ تَشْدِيدًا لَهَا؛ كَمَا أُعِيدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ، وَمِثْلُهَا: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ}[الحج:18] ثُمَّ قَالَ: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} وَقَدْ ذَكَرَهُمْ فِي أَوَّل قَوْلِهِ: {مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ}.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}[الرَّحْمَن:68] أي: في الجنَّتَين اللَّتَين ذَكَرَهُما بقولِه: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}[الرَّحْمَن:62]، فالجنان أربعةٌ ذَكَرَها الله تعالى بقولِه: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرَّحْمَن:46]، ثُمَّ قال: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}[الرَّحْمَن:46]؛ أي: ومِن دون الجنَّتَين الأوَّلتين الموعودَتَين لِمَن خاف مقام ربِّه جنَّتان آخرتان، وعن ابن عَبَّاسٍ: {وَمِن دُونِهِمَا} يعني: في الدرج، وعن ابن زيد: في الفضل.
          قوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) وقال صاحبُ «التوضيح»: يعني به أبا حنيفةَ، وقال الكَرْمَانِيُّ: قيل: أراد به أبا حنيفةَ.
          قُلْت: لا يلزم تخصيصُ هذا القول بأبي حنيفةَ وحدَه؛ فإنَّ جماعةً مِنَ المفسِّرين ذهبوا إلى هذا القول، قاله الفَرَّاء، فَإِنَّهُم قالوا: (لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالْفَاكِهَةِ) لأنَّ النَّخْلَ ثمرة فاكهة وطعام، والرُّمَّان فاكهة ودواء، فلم يخلُصَا للتفكُّه، ومنه قالوا: إذا حلف لا يأكل فاكهةً، فأكل رُمَّانًا أو رطبًا؛ لم يحنث.
          قوله: (وَأَمَّا الْعَرَبُ فَإِنَّهُا تَعُدُّهَا فَاكِهَةً) هذا جواب البُخَاريِّ عمَّا قال بعضهم: ليس الرُّمَّانُ والنَّخلُ بالفاكهة، ولهم أن يقولوا: نحن ما ننكر إطلاقَ الفاكهة عليهما، ولكنَّهما غيرُ متمحِّضَين في التفكُّه، فمِن هذه الحيثيَّة لا يدخلان في قول مَن حلف لا يأكل فاكهةً.
          قوله: (كَقَوْلِهِ ╡ ...) إلى آخره: ملخَّصه أنَّهُ مِن عطف الخاصِّ على العامِّ؛ كما في قولِه تعالى: ({حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى}) فَإِنَّهُ أمر بالمحافظة على الصلوات، ثُمَّ عطف عليها قولَه: {والصَّلَاةِ الْوُسْطَى} مع أنَّها داخلةٌ في الصلوات (تَشْدِيدًا لَهَا) أي: تأكيدًا لها وتعظيمًا وتفضيلًا؛ (كَمَا أُعِيدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ) أي: كما عُطِفَا على {فَاكِهَةٌ}، ولهم أن يقولوا: لا نسلِّم أنَّ {فَاكِهَةٌ} عامٌّ؛ لأنَّها نكرةٌ في سياق الإثبات، فلا عمومَ.
          قوله: (وَمِثْلُهَا) أي: ومثلُ {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} قولُه: ({أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ}...) إلى آخره، ولهم أن يمنعوا المشابهةَ بين هذه الآيةِ وبين الآيَتَين المذكورَتَين؛ لأنَّ {الصلوات} و{مَن في الأرض} عامَّان بلا نزاعٍ، بخلاف لفظ: {فاكهة} فَإِنَّها نكرةٌ في سياق الإثبات كما ذكرنا. /
          قوله: (وَقَدْ ذَكَرَهُمْ) أي: كثيرٌ مِنَ الناس في ضمن مَن في السموات ومَن في الأرض.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: {أفْنَانٍ} أغصانٍ.
          (ش) أي: قال غيرُ مجاهدٍ، وإِنَّما قلنا كذا لأنَّه لم يُذكَر فيما قبلَه صريحًا إلَّا مجاهدٌ، وقال: ({أفْنَانٍ} أغصانٍ) وذلك في قوله: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ}[الرحمن:48] وهو جمع (فَنَن)، كذا رُوِيَ عن ابنِ عَبَّاسٍ، وفي التفسير: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} أي: ألوان، فعلى هذا هو جمع (فَنٍّ)، وهو مِن قولهم: افتنَّ فلانٌ في حديثه؛ إذا أخذ في فنونٍ منه وضروبٍ، وعن عِكْرِمَةَ مولى ابنِ عَبَّاسٍ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} طال الأغصان على الحيطان، وعَنِ الضَّحَّاك: ألوان الفواكه.
          (ص) {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ. فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرَّحْمَن:54-55] وفسَّره بقوله: (مَا يُجْتَنَى) أي: الذي يُجْتَنَى مِن أشجار الجنَّتَين دانٍ؛ أي: قريب يناله القائمُ والقاعدُ والمضجعُ، وهذا سقط مِن رواية أبي ذرٍّ.
          (ص) وَقَالَ الْحَسَنُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ} نِعَمَةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: {رَبِّكُمَا} يَعْنِي: الْجِنَّ وَالإِنْسَ.
          (ش) أي: قال الحسنُ البَصْريُّ وقتادةُ في قولِه تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرَّحْمَن:40] فالحَسَنُ فسَّر ({آلَاءِ}) بالنِّعْمة، وقتادةُ فسَّر ({رَبِّكُمَا}) بالجنِّ والإنسِ.
          و{آلاء} جمع (أَلَى) بالفتح والقصر، وقد تُكْسَر الهمزة، و{رَبِّكُمَا} خطابٌ للجنِّ والإنسِ وإن لم يتقدَّم ذِكْرُهُم، وإِنَّما قال: {تُكَذِّبَانِ} بالتثنية على عادة العرب، والحكمةُ في تَكْرارها أنَّ الله تعالى عدَّد في هذه السورةِ نعماءَه، ثُمَّ أتبعَ ذِكْرَ كلِّ كلمةٍ وَصَفَها ونعمةٍ ذَكَرَها بهذه الآيةِ، وجعلها فاصلةً بين كلِّ نِعْمَتَين؛ لينبِّهَهُم على النِّعَم ويُقَرِّرَهم بها.
          (ص) وَقَالَ أبُو الدَّرْدَاءِ ☺ : {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرَّحْمَن:29] يَغْفِرُ ذَنْبًا وَيَكْشِفُ كَرْبًا وَيَرْفَعُ قَوْمًا وَيَضَعُ آخَرِينَ.
          (ش) أي: (قَالَ أبُو الدَّرْدَاءِ) عُوَيْمِرُ بنُ مالكٍ في قولِه تعالى: ({كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ})، ورواه ابنُ ماجه عن هشام بن عمَّار قال: حَدَّثَنَا الوزيرُ بن صالحٍ أبو رَوحٍ الدِّمَشْقيُّ قال: سمعتُ يونسَ بنَ مَيْسَرةَ بنِ حَلْبَس: يحدِّث عن أمِّ الدَّرْدَاء، عن أبي الدَّرْدَاء، عن سيِّدنا سيِّد المخلوقين مُحَمَّدٍ صلعم في قولِه ╡ : {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} قال: «مِن شأنه أن يغفرَ ذنبًا، ويفرِّج كَرْبًا، ويرفع قومًا، ويضع آخَرِين».
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بَرْزَخٌ} حَاجِزٌ.
          (ش) أي: قال ابنُ عَبَّاسٍ في قولِه تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ}[الرَّحْمَن:19-20] أي: (حَاجِزٌ) بينهما، وقيل: حائلٌ، لا يتعدَّى أحدُهما على الآخَرِ مِن قُدرَةِ الله وحكمتِه البالغةِ.
          (ص) الأنَامُ: الخَلْقُ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ}[الرَّحْمَن:10] وعن ابن عَبَّاسٍ والشَّعْبيِّ: الأنام: كلُّ ذي رُوحٍ، وقيل: الجنُّ والإنسُ.
          (ص) {نَضَّاخَتَانِ} فَيَّاضَتَانِ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ}[الرَّحْمَن:66]، وفسَّره بقوله: (فَيَّاضَتَانِ)، وقيل: ممتلئتان، وقيل: فوَّارتان بالماء لا ينقطعان، وعنِ الحَسَنِ: ينبعان ثُمَّ يجريان، وعن سعيد بن جُبَير: نضَّاخَتَان بالماء وألوان الفاكهة، وعنِ ابن عَبَّاسٍ ☻: ينضخان بالخير والبركة على أهل الجنَّة، وأصلُ (النَّضْخِ) الرَّشُّ، وهو أكثرُ مِنَ النَّضْحِ؛ بالحاء المُهْمَلة.
          (ص) {ذُو الجَلالِ} ذُو العَظَمَةِ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[الرَّحْمَن:78] أي: (ذُو العَظَمَةِ) والكبرياء.
          قوله: {وَالْإِكْرَامِ} أي: ذو الإكرام، وهو الذي يعطي مِن غير مسألةٍ ولا وسيلةٍ، وقيل: المتجاوزُ الذي لا يستقصي في العتاب.
          (ص) وَقَالَ غَيْرُهُ: {مَارِجٌ} خَالِصٌ مِنَ النَّارِ، يُقَالُ: مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ؛ إِذَا خَلَّاهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، مَرِجَ أَمْرُ النَّاسِ: اخْتَلَطَ. {مَرِيجٍ} مُلْتَبِسٌ. {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} اخْتَلَطَ الْبَحْرَانِ، مِنْ مَرَجْتَ دَابَّتَكَ: تَرَكْتَهَا.
          (ش) أي: قال غيرُ ابنِ عَبَّاسٍ في قولِه تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ}[الرَّحْمَن:15]، وهذا مكرَّرٌ؛ لأنَّه ذكر عن قريبٍ؛ وهو قولُه: (والمارجُ: اللهَبُ الأصفرُ)، ومضى الكلامُ فيه مستوفًى.
          قوله: (يُقَالُ: مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ) إشارة إلى أنَّ لفظ: (مَرَج) يُستَعمَل لمعانٍ؛ فمِن ذلك قولُهم: (مَرَجَ الأميرُ) وهو بفتح الراء (رَعِيَّتَه) (إِذَا خَلَّاهُمْ) يعني: إذا تَرَكَهم (يَعْدُو) أي: يظلمُ بعضُهم بعضًا، ومِن ذلك: (مَرِجَ أَمْرُ [النَّاسِ) هذا بكسر الراء، / ومعناه: اختلط واضطرب، قال أبو داود: مَرِج أمرُ] الدين فأعددتُ له؛ أي: فسد أمرُ الدين، ومِن هذا الباب: {مَرِيجٍ} في قوله تعالى: {فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ}[ق:5] أي: (مُلْتَبِسٌ)، وهذا في روايةِ أبي ذرٍّ وحدَه، أعني قولَه: ({مَّرِيجٍ} مُلْتَبِس).
          قوله: ({مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} اخْتَلَطَ الْبَحْرَانِ) هذا في رواية غيرِ أبي ذرٍّ.
          قوله: (مِنْ مَرَجْتَ دَابَّتَكَ) بفتح الراء، ومعناه: (تَرَكْتَهَا) ترعى، وكان ينبغي أن يذكر هذا عقيب قولِه: (مَرَجَ الأميرُ رَعِيَّتَه؛ إذا خلَّاهم يَعْدُو بعضُهم على بعضٍ) لأنَّه في معناه، ولكنْ في هذا الموضع تقديمٌ وتأخيرٌ، بحيث يقع الالتباسُ في التركيب والمعنى أيضًا، والظاهر أنَّ النُّسَّاخَ أَخْلَطوا مفتوحَ الراء بمكسورِ الراء.
          (ص) {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} سَنُحاسِبُكُمْ، لا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ.
          (ش) أشار به إلى قولِه تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ}[الرَّحْمَن:31]، وفسَّره بقوله: (سَنُحَاسِبُكُمْ)، و(الفراغ) مجازٌ عَنِ الحساب، ولا يشغلُ اللهَ (شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ)، وروى ابنُ المنذر مِن طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عَبَّاسٍ قال: هو وعيدٌ مِنَ الله لعباده، وليس بالله شغلٌ، وقيل: معناه: سنقصدكم بعد الإهمال ونأخذ في أمركم، وعنِ ابن كَيْسان: الفراغُ للفعل: هو التوقُّف عليه دون غيره.
          (ص) وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلامِ العَرَبِ: لأتَفَرَّغَنَّ لَكَ وَمَا بِهِ شُغْلٌ، كَأنَّهُ يَقُولُ: لآخُذَنَّكَ عَلَى غرَّتِكَ.
          (ش) أي: المعنى المذكورُ (مَعْرُوفٌ) ومستعملٌ (فِي كَلامِ العَرَبِ)، يقولُ القائل: (لأتَفَرَّغَنَّ لَكَ) مِن (باب التفعُّل) مِنَ الفراغ، وفسَّره بقوله: (كَأنَّهُ يَقُولُ: لآخُذَنَّكَ عَلَى غرَّتِكَ) أي: على غفلةٍ منك، وقال الثعلبيُّ في قوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ}[الرَّحْمَن:31]: هذا وعيدٌ وتهديدٌ مِنَ الله ╡ ؛ كقول القائل: «لأتفرَّغنَّ لك» وما به شغلٌ، قاله ابنُ عَبَّاسٍ والضَّحَّاكُ.