عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

{الذين كفروا}
  
              

          ░░░47▒▒▒ (ص) سُورَةُ مُحَمَّدٍ صلعم .
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة مُحَمَّدٍ) صلعم ، وفي بعض النُّسَخ: <سورة: {الَّذِينَ كَفَرُوا}>.
          قال أبو العَبَّاس: ذُكِر عن الحكَم عن السُّدِّيِّ أنَّهُ قال: هي مَكِّيَّةٌ، ثُمَّ وجدنا عامَّة مَن بلَغَنا عنهم تفسيرُ هذه السورة مُجمِعين على أنَّها مدنيَّةٌ، وقال الضَّحَّاك والسُّدِّيُّ: مَكِّيَّةٌ، وفي «تفسير ابن النقيب»: حُكِي عن ابن عَبَّاسِ ☻: أنَّ قوله ╡ : {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ}[مُحَمَّد:13] نزلت بعد حجَّة النَّبِيِّ صلعم حين خرج مِن مكَّة شرَّفها الله تعالى.
          وهي ألفانِ وثلاث مئةٍ وتسعةٌ وأربعون حرفًا، وخمسُ مئةٍ وتسعٌ وثلاثون كلمةً، وثمانٍ وثلاثون آيةً.
          (ص) ♫
          (ش) كذا (سورة مُحَمَّد بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيمِ) لأبي ذرٍّ، ولغيره: <{الَّذِينَ كَفَرُوا}> فحسب.
          (ص) {أَوْزَارَهَا} آثَامَهَا حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مُسْلِمٌ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وإمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}[مُحَمَّد:4] وفسَّر ({أَوْزَارَهَا}) بقوله: (آثَامَهَا) فعلى تفسيره: (الأوزار) جمع (وزر)، و(الآثام) جمع (إثمٍ)، وقال ابن التين: لم يقل هذا أحدٌ غيرُ البُخَاريِّ، والمعروف أنَّ المراد بأوزارها السلاح.
          قُلْت: فعلى هذا (الأوزار) جمع (وزر) الذي هو السلاح، وفي «المغرب» «الوِزر» بالكسر: الحمل الثقيل، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:164] أي: حِملَها من الإثم، وقولهم: «وضعت الحرب أوزارها» عبارةٌ عن انقضائها؛ لأنَّ أهلها يضعون أسلحتهم حينئذٍ، وسُمِّي السلاحُ وزرًا؛ لأنَّه يثقل على لابسه، قال الأعشى:
وَأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ أَوْزَارَهَا                     رِمَاحًا طِوَالًا وَخَيْلًا ذُكُورًا
          وهذا كلُّه يقوِّي كلامَ ابن التين، لا مثلَ ما قاله بعضهم: إنَّ لكلام ابن التين احتمالًا، ويعضدُ كلامَ البُخَاريِّ ما قاله الثعلبيُّ: آثامها وأجرامها، فترتفع وتنقطع الحرب؛ لأنَّ الحرب لا تخلو مِنَ الإثم في أحد الجانبين والفريقين، ثُمَّ قال: وقيل: حَتَّى تضع الحرب آلتها وعدَّتها، وآلتهم وأسلحتهم، فيمسكوا عن الحرب، و«الحرب» القوم المحارِبون كـ«الرَّكْب»، وقيل: معناه حَتَّى يضع القومُ المحارِبون أوزارها وآثامها بأن يتوبوا مِن كُفرهم ويؤمنوا بالله ورسوله. انتهى.
          فعرَفْتَ مِن هذا أنَّ لكلٍّ مِن كلامِ البُخَاريِّ وكلامِ ابن التين وجهًا.
          (ص) {عَرَّفَهَا} بَيَّنَهَا.
          (ش) أشار به إلى قوله / تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}[مُحَمَّد:6] وفسَّر ({عَرَّفَهَا}) بقوله: (بَيَّنَهَا)، وقال الثعلبيُّ: أي: بيَّن لهم منازلهم فيها حَتَّى يهتدوا إليها، ودرجاتهم التي قسم الله لا يخطئون ولا يستدلون عليها أحدًا؛ كأنَّهم سكَّانها منذ خلقوا.
          (ص) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} وَلِيُّهُمْ.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قوله ╡ : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}[مُحَمَّد:11] وفسَّر (المولى) بالوليِّ، وروى الطَّبَريُّ مِن طريق ابن أبي نَجيحٍ عن مجاهدِ نحوه، وهذا لم يثبت لأبي ذرٍّ.
          (ص) {عَزَمَ الأَمْرُ} جَدَّ الأَمْرُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} وفسَّره بقوله: (جَدَّ الأَمْرُ) وفي بعض النُّسَخ: <قال مجاهدٌ: فإذا عزم الأمر> رواه أبو مُحَمَّد عن حَجَّاج: حَدَّثَنَا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ.
          (ص) {فَلَا تَهِنُوا} فَلَا تَضْعُفُوا.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ} الآيَةَ [مُحَمَّد:35] وفسَّر قوله: ({فَلَا تَهِنُوا}) بقوله: (فَلَا تَضْعُفُوا) وهكذا فسَّره مجاهدٌ أيضًا.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَضْغَانَهُمْ} حَسَدَهُمْ.
          (ش) أي: قال ابن عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ}[مُحَمَّد:29] وفسَّر (الأضغان) بالحسد، وهو جمع (ضغن) وهو الحقد والحسد، والضمير في {قُلُوبِهِم} يرجع إلى المنافقين.
          (ص) {آسِنٍ} مُتَغَيِّرٍ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}[مُحَمَّد:15] أي: غير متغيِّرٍ، ولم يثبت هذا لأبي ذرٍّ.