عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

العنكبوت
  
              

          ░░░29▒▒▒ (ص) سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة العنكبوت)، وهي مَكِّيَّةٌ، وقال أبو العَبَّاس: فيها اختلافٌ في سبع عشرة آية... فذكرها، وقال مقاتلٌ: نزلت: {الم. أَحَسِبَ النَّاسُ}[العنكبوت:1-2] في مهجع بن عبد الله مولى عُمَر بن الخَطَّاب ☺ أَوَّلِ قتيلٍ من المسلمين يوم بدرٍ، رماه ابن الحضرميِّ بسهمٍ فقتله، وهو أَوَّلُ مَن يُدعَى إلى الجنَّة مِن شهداء أمَّة مُحَمَّدٍ صلعم ، وقال السخاويُّ: نزلت بعد: {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ}[الروم:1-2] وقبل (سورة المطفِّفين).
          وهي تسعٌ وستُّون آيةً، وألفٌ وتسع مئةٍ وإحدى وثمانون كلمةً، وأربعةُ آلافٍ ومئةٌ وخمسةٌ وتسعون حرفًا.
          (ص) ♫
          (ش) لم تثبت البسملة إلَّا في بعض النُّسَخ، وأَمَّا الترجمة فلم تثبت إلَّا لأبي ذرٍّ.
          (ص) قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} ضَلَلَةً.
          (ش) أي: قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}[العنكبوت:38].
          قوله: (ضَلَلَةً) جمع (ضالٍّ)، قاله الكَرْمَانِيُّ، وفيه ما فيه، والصواب: ضلالة، وكذا هو في عامَّة النُّسَخ، وفي التفسير: {مُسْتَبْصِرِينَ} يعني: في الضلالة، وعن قتادة: {مُسْتَبْصِرِينَ} في ضلالتهم مُعجَبِين بها، وعن الفَرَّاء: عقلاء ذوي بصائر، وعن الضَّحَّاك والكلبيِّ ومقاتلٍ: حسبوا أنَّهم على الحقِّ والهدى وهم على الباطل.
          (ص) وقال غيْرُهُ: الْحَيَوَانُ والْحَيُّ واحِدٌ.
          (ش) أي: قال غيرُ مجاهدٍ، وقال صاحب «التوضيح»: أي: غير ابن عَبَّاسٍ، وليس كذلك على ما لا يخفى، ولم يثبت هذا إلَّا لأبي ذرٍّ، وفي رواية النَّسَفِيِّ: <الحيوان والحياة واحدٌ> وأشار به إلى قوله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} وقال: معنى ({الْحَيَوَانُ} والْحَيُّ وَاحِدٌ) يعني: دار الآخرة هي الحياة أو الحيُّ، [وفي التفسير: {لَهِيَ الْحَيَوَانُ} يعني: الدار الباقية التي لا زوالض لها ولا موتَ فيها، وقيل]: ليس فيها إلَّا حياةً مستمرَّةً دائمةً خالدةً لا موتَ فيها، وكأنَّها في ذاتها نفس الحيوان، و(الحيوان) مصدر (حيَّ)، وقياسه: حييان، وقُلِبَت الياء الثانية واوًا كما قيل: (حَيْوة)، وبه سُمِّي ما فيه حَياة حيوانًا، وإِنَّما اختير لفظ: (الحيوان) دون (الحياة) لما فيه زيادةُ معنًى ليس في بناء الحياة، وهو ما في بناء (فعلان) مِن معنى الحركة والاضطراب؛ كالنَّزَوان ونحوه، والحياة حركةٌ كما أنَّ الموت سكونٌ، فلذلك اختير لفظ (الحيوان) المقتضي للمبالغة.
          (ص) {وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ} عَلِمَ اللهُ ذَلِكَ، وَإِنَّما هِيَ بِمَنْزِلَةِ: فَلِيَمِيزَ اللهُ؛ كَقَوْلِهِ: {لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}، وفي التفسير: أي: حالُ الفريقين ظاهرةٌ عند الله الذي يملك الجزاء، وقال الله تعالى أيضًا: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.
          قوله: (وَإِنَّمَا هِيَ) أي: إِنَّما لفظة: {لَيَعْلَمَنَّ اللهُ} بلام التأكيد ونونه؛ بمنزلة قوله: (فَلِيَمِيزَ اللهُ) يعني: / علم الله ذلك مِن قبلُ؛ لأنَّه فرَّق بين الطائفتين، كما في قوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[الأنفال:37] أي: الكافرَ مِنَ المؤمن.
          (ص) {أَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} أَوْزَارًا مَعَ أَوْزَارِهِمْ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ}[العنكبوت:13] وفسَّره بقوله: (أَوْزَارًا مَعَ أَوْزَارِهِم)، وكذا فسَّره أبو عُبَيْدةَ؛ أي: بسبب مَن أضلوا وصدُّوا عن سبيل الله ╡ ، فيحملون أوزارهم كاملةً يوم القيامة.