عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

{إذا الشمس كورت}
  
              

          ░░░81▒▒▒ (ص) سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}.
          (ش) أي: هذا في تفسير بعض (سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}) ويقال: (سورة {كُوِّرَت}) بدون لفظ: {إِذَا الشَّمْس} و(سورة التكوير)، وهي مَكِّيَّةٌ، وهي أربعُ مئةٍ وأربعةٌ وثلاثون حرفًا، ومئةٌ وأربع كلماتٍ، وتسعٌ وعشرون آية.
          (ص) ♫ /
          (ش) لم تثبت البسملة إلَّا لأبي ذرٍّ.
          (ص) {انْكَدَرَتْ} انْتَثَرَتْ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}[التكوير:2] وفسَّره: (انْتَثَرَتْ) أي: تناثرت وتساقطت مِنَ السماء على الأرض، يقال: انكدر الطائر؛ أي: سقط عن عشِّه، وعن ابن عَبَّاسٍ: تغيَّرت.
          (ص) وَقَالَ الْحَسَنُ: {سُجِّرَتْ} ذَهَبَ مَاؤُهَا فَلَا يَبْقَى قَطْرَةٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَسْجُورُ: الْمَمْلُوءُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {سُجِرَتْ} أَفْضَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا.
          (ش) أي: قال الحسن البَصْريُّ في قوله ╡ : {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير:6] وتفسيره ظاهرٌ، وكذا قاله السُّدِّيُّ، وقال ابن زيدٍ وابن عطيَّة وسفيان ووهبٌ: أُوقِدَت فصارت نارًا.
          قوله: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} الْمَمْلُوءُ) وهو في (سورة الطور) ذكره استطرادًا.
          قوله (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: قال غير مجاهدٍ _والأصوب أن يقال: (غير الحسن) على ما لا يخفى_ معنى: ({سُجِرَتْ}) : (أَفْضَى...) إلى آخره، وهو قول مقاتلٍ والضَّحَّاك.
          (ص) وَالْخُنَّسُ: تَخْنِسُ فِي مُجْرَاهَا تَرْجِعُ، وَتَكْنِسُ: تَسْتَتِرُ كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ. الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}[التكوير:15-16]، قال الفَرَّاء: الخُنَّس: النجوم الخمسة، تَخنِس في مُجراها... إلى آخره، والخمسة: هي بَهْرَام وزُحَل وعطارد والزهرة والمشتري، ويُروى أنَّ رجلًا مِن مرادٍ قال لعليِّ بن أبي طالبٍ ☺ : ما الْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ؟ قال: هي الكواكب تَخنِس بالنهار فلا تُرى، وتَكنِس باللَّيل فتأوى إلى مجاريهنَّ، وأصل الخَنْسِ: الرجوع إلى وراءٍ، والكنوس: أن تأوي إلى مكانسها، وهي المواضع التي تأوي إليها الوحش، وقيل: الخُنَّس بقر الوحش إذا رأت الإنس تَخْنِس وتدخل كناسها، وروى عبد الرَّزَّاق بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي مَيْسَرة عَمْرو بن شُرَحْبِيل قال: قال [لي] ابن مسعودٍ: ما «الخُنَّس»؟ قال: قُلْت: أظنُّه بقر الوحش، قال: وأنا أظنُّ ذلك.
          و(الخُنَّس) جمع (خانسٍ)، و{الكُنَّس} جمع (كانس) كالرُّكَّع جمع (راكعٍ).
          (ص) {تَنَفَّسَ} ارْتَفَعَ النَّهَارُ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}[التكوير:18] وفسَّره بقوله: (ارْتَفَعَ النَّهَارُ).
          (ص) وَالظَّنِينُ: الْمُتَّهَمُ، وَالضَّنِينُ: يَضَنُّ بِهِ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ}[التكوير:24] وفسَّر (الظَّنِينُ) الذي بالظاء المُعْجَمة: بالمُتَّهم، وفسَّر (الضَّنِين) الذي بالضاد المُعْجَمة بقوله: (يَضَنُّ بِهِ) أي: يبخل به، وقال الثَّعْلَبيُّ: {وَمَا هُوَ} يعني: مُحَمَّدًا صلعم {عَلَى الغَيْبِ} أي: الوحي وخبر السماء وما أطْلِع عليه مِن علم الغيب {بِضَنِينٍ} أي: ببخيلٍ، فلا يبخل به عليكم، بل يُعلِمكم ويُخبِركم به.
          قُلْت: هذا الذي فسَّره هو (الضنين) الذي بالضاد المُعْجَمة، تقول: ضننتُ بالشيء فأنا ضنينٌ؛ أي: بخيلٌ.
          ثُمَّ قال الثَّعْلَبيُّ: وقرئ بالظاء، ومعناه: وما هو بمُتَّهمٍ فيما يُخبِر به، وقرأ عاصمٌ وحمزةُ وأهلُ المدينة والشام بالضاد، والباقون بالظاء؛ مِنَ الظِّنَّة، وهي التهمة.
          وقال النَّسَفِيُّ في «تفسيره»: واتقان الفصل بين الضاد والظاء واجبٌ، ومعرفة مخرجهما ممَّا لا بدَّ منه للقارئ؛ فإنَّ أكثر العجم لا يفرِّقون بين الحرفين، وقال الجَوْهَريّ في (فصل الضاد) : ضَنِنْتُ بالشيء أَضَنُّ به ضِنًّا وضَنَانةً إذا بخلت به، وهو ضنينٌ به، قال الفَرَّاء: وضَنَنَتُ _بالفتح_ لغةٌ، وقال في (فصل الظاء) : والظنين: المتَّهم، والظِّنَّة: التُّهمة.
          (ص) وَقَالَ عُمَرُ ☺ : {النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}.
          (ش) أي: قال عُمَر بن الخَطَّاب ☺ في قوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} يُزوَّجُ الرجلُ نظيرَه مِن أهل الجنَّة، ويُزوَّج الرجلُ نظيرَه مِن أهل النَّار، وهذا التعليقُ رواه عبدُ بن حُمَيدٍ عن أَبيْ نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سفيان، عن سِمَاك، عن النعمان بن بشير، عن عمر ☺ ، وفي لفظٍ: الفاجر مع الفاجرة، والصالح مع الصالحة، وقال الكلبيُّ: زُوِّج المؤمنُ الحورَ العين والكافرُ الشيطانَ، وقال الربيع بن خُثَيم: يجيء المرء مع صاحب عمله، يُزوَّج الرجل بنظيره مِن أهل الجنَّة، وبنظيره مِن أهل النار، وقال الحسن: أُلحِق كلُّ امرئ / بشيعته، وقال عِكْرِمَة: يحشر الزاني مع الزانية، والمسيء مع المسيئة، والمحسن مع المحسنة.
          قوله: (ثُمَّ قَرَأَ) أي: ثُمَّ قرأ عمر ☺ مُستَدلًّا على ما قاله بقوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}.
          (ص) {عَسْعَسَ} أَدْبَرَ.
          (ش) أشار به إلى قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ}[التكوير:17] وفسَّره بقوله: (أَدْبَرَ) ورواه ابن جريرٍ بإسناده إلى ابن عَبَّاسٍ، وقال الزَّجَّاج: عسعس اللَّيل: إذا أقبل، وعسعس: إذا أدبر، فعلى هذا هو مشتركٌ بين الضِّدَّين.