مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب [إرداف الرجل خلف الرجل]

          ░101▒ باب إرداف الرجل خلف الرجل
          فيه حديث معاذ: بينا أنا رديف النبي صلعم... الحديث.
          هذا الحديث كذا هو مترجم له في أصل الدمياطي بخطه، ولم يترجم له ابن بطال بل قال: باب. ثم ذكره.
          وفيه: إرداف الإمام والشريف لمن هو دونه وركوبه معه، وذلك من التواضع أيضاً وترك التكبر، وهذا الحديث محمله الإرداف، فلو ذكره فيه مع حديث أسامة كان أولى، وسيأتي في باب من أجاب بلبيك وسعديك في كتاب الاستئذان.
          قوله: (ما حق العباد على الله) يحتمل أن يكون أراد حقًّا شرعيا لا واجباً عقليًّا كما ادعته المعتزلة وكأنه لما وعد به تعالى ووعده الصدق صار حقًّا من هذه الجهة وأن يكون خرج مخرج المقابلة للفظ الأول لأنه قال في أوله: (ما حق العباد على الله) قال المازري: ولا شك أن لله على عباده حقًّا فأتبع اللفظ الثاني للأول كقوله: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ} [آل عمران:54]، وجاء في رواية: فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً.
          قال الهروي: تأثم الرجل / إذا فعل فعلاً يخرج به من الإثم، وكذلك تحنث: ألقى الحنث عن نفسه.
          قال المازري: والأظهر عندي أنه لم يرد في هذا الحديث هذا المعنى؛ لأن في سياقه ما يدل على خلافه.
          وهذا الحديث ذكره (خ) في باب: من جاهد نفسه، وذلك أن جهاد المرء نفسه هو الجهاد، روي أنه ◙ قال وقد انصرف من غزوة: ((انصرفنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)) قالوا: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟ قال: ((مجاهدة النفس)).
          وقد يكون جهاد النفس منعها الشهوات المباحة توفيراً لها في الآخرة؛ لكيلا يدخل في قوله: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف:20].
          قوله: (رديف) كذا في الأصول، وجاء (ردف) بكسر الراء، وإسكان الدال، والردف والرديف: هو الراكب خلف الراكب، وأصله من ركوبه على الردف وهو العجز.
          قال ابن سيده: وخص به بعضهم عجيزة المرأة. وردف كل شيء: مؤخره، والردف: ما تبع الشيء، والجمع من كل ذلك أرداف.
          وأنكر بعضهم الرديف، وكل شيء جاء بعدك فقد ردفك، والرداف موضع مركب الرديف، وهذا برذون لا يردف، ولا يرادف، وأنكر بعضهم يردف وقال: إنما يقال: لا يرادفه. وقال: إنما المرادف الذي يردف غيره خلفه، وحكي: ردفت الرجل وأردفته إذا ركبت وراءه، وإذا جئت بعده.
          وقال الجوهري: أردفته أنا: إذا أركبته معك، وعند الهروي: ردفت الرجل أردفه: إذا ركبت خلفه، وأردفته: إذا أركبته خلفي، وفي ((لحن العامة)) لثابت، عن أبي عبيدة: دابة لا تردف وترادف، قال: والأجود: ترادف.
          قال أبو القاسم الجريري: وجه الكلام: لا ترادف؛ لأن مبنى المفاعلة على الاشتراك في الفعل فهو بهذا الكلام أليق وبالمعنى المراد به أعلق، والعرب تقول: ترادفت الأشياء إذا تتابعت، يقال: ردفت الشيء؛ أي: ركبت خلفه، ورادفته: إذا ردفته. ويقال: جمل مرادف؛ أي: عليه رديف.
          جمع ابن منده الأرداف في جزء انتهى إلى نحو الثلاثين منهم أولاد العباس، وعبد الله بن جعفر، وأبو هريرة وقيس بن سعد بن عبادة، وصفية، وأم صفية الجهنية.
          قوله: (ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل) المراد: المبالغة في شدة قربه إليه، قوله: (وسعديك) أي: ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وأما تكرير قوله: ((يا معاذ))، فلتأكيد الاهتمام بما يخبر به.