مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب التقنع

          ░16▒ باب التقنع
          قال ابن عباس: خرج النبي صلعم... إلى آخره.
          ثم ساق حديث عائشة: قالت: هاجر إلى الحبشة رجال، الحديث في الهجرة، وسلف فيها، وفي البيوع: والإجارة ويأتي في الأدب.
          وموضع الحاجة منه فقال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله معتلاً متقنعاً، والتقنع للرجل عند الحاجة مباح. وقال ابن وهب: سألت مالكاً عن التقنع بالثوب فقال: أما الرجل الذي يجد الحر والبرد أو الأمر الذي له فيه عذر فلا بأس به، وأما لغير ذلك فلا.
          وذكر ابن أبي زيد عن مالك قال: رأت سكينة أو فاطمة بنت الحسين بعض ولدها متقنعاً رأسه فقالت: اكشف عن رأسك فإن القناع ريبة بالليل ومذلة بالنهار، وما أعلمه حراماً وأكرهه لغير عذر، ولكن ليس من لباس خيار الناس.
          قال الأبهري: إذا تقنع لدفع مضرة فمباح ولغيره مكروه، فإنه من فعل أهل الريب، ويكره أن يفعل شيئاً يظن به الريبة، وليس ذلك من فعل من مضى.
          والدسماء سلف في باب الجمعة.
          قوله: (عصب على رأسه حاشية برد) عصب بتشديد الصاد، قال الجوهري: حاشية البرد جانبه.
          وقال القزاز: حاشيتا الثوب: / ناحيتاه اللتان في طرفهما الهدب، واعترض الإسماعيلي فقال: ما ذكره من العصابة لا مدخل له في التقنع فإنه تغطية الرأس، وهي شد الخرقة على ما أحاط بالرأس كله.
          قوله: (على رسلك) هو بكسر الراء؛ أي: اتئد فيه، كما يقال: على هينتك.
          و(السمر) بضم الميم من شجر الطلح، وهي شجر العضاه، ذات شوك.
          قوله: (متقنعا) لعله لأجل الحر، وقول أبي بكر: فداك أبي وأمي، إن كسرت الفاء مددت، وإن فتحت قصرت. قال ابن التين: وهو الذي قرأنا هنا.
          قوله: (والله إن جاء في هذه الساعة إلا لأمر) وفي نسخة: (إلا أمر)، وذكره ابن بطال بلفظ: (لأمرت)، ثم قال: (إن) هاهنا مؤكدة، واللام في قوله: (لأمر) لام التأكيد، كقوله تعالى: {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:46] في قراءة من فتح اللام، وهو الكسائي وقوله: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} [القلم:51]، {وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف:102]. هذا قول سيبويه والبصريين.
          وأما الكوفيون فيجعلون: (إن) هاهنا نافية بمعنى ما، والمعنى: إلا، والتقدير عنده: ما جاء به إلا أمر، وما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين، {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَك}.
          وهذه دعوى يحتاج فيها إلى حجة قاطعة، وإخراج الكلام عن موضوعه لا يصح إلا إذا بطل معنى نسقه وموضوعه، وقد صح المعنى في نسقه، قوله: (وعلف راحلتين) قال صاحب ((الأفعال)) يقال: علفت الدابة وأعلفتها، واللغة الأولى أفصح.
          والسفرة بالضم طعام يعمل للمسافر، ومنه سميت السفرة، والجراب بكسر الجيم أفصح من فتحها.
          قوله: (فقطعت أسماء قطعة من نطاقها) فيه جواز عطية ذات الزوج بغير إذن زوجها، قال الجوهري: والنطاق: شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها، ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة، والأسفل ينجر على الأرض، وليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان.
          وقال الهروي نحوه، وزاد: وبه سميت أسماء ذات النطاقين؛ لأنها كانت تطارق نطاقاً على نطاق.
          قال ابن التين: وهذا مخالف لما في الكتاب، قلت: لا مخالفة فتأمله، ثم نقل عن الشيخ أبي محمد: ويقال شقت نصف نطاقها للسفرة وانتطقت بنصفه.
          وقال الداودي: النطاق: المئزر، وقال ابن فارس: هو إزار فيه تكة تلبسه النساء.
          وفيه: اتخاذ الفضلاء الزاد في أسفارهم ورد قول من أنكر ذلك من الصوفية، وزعم: أن من صح توكله ينزل عليه طعام من السماء إذا احتاج. ولا أجد أفضل من الشارع والصديق.
          قوله: لقن ثقف واللقن: الفهم بكسر القاف، قال ابن فارس: سريع الفهم، وكذا قاله الجوهري، ويجوز سكونها، وقال الهروي: هو الحسن التلقي لما سمعه، وثقف بكسر القاف، قال ابن التين: كذا قرأناه.
          قال الجوهري: تقول: ثقف الرجل إذا صار صادقاً خفيفا فهو ثقف، مثل ضخم فهو ضخم، وكذا هو في بعض الروايات بسكون القاف(1).
          وقال الجوهري: وثقف أيضاً مثل تعب تعباً لغة في ثقف، أي: صار حاذقا فطناً فهو ثقف ثقف مثل حذر وحذر.
          وعبارة ابن بطال لما ذكر لقن قال: والثقف مثله، وأكثر كلام العرب: ثقف: لقف، أي: راو، شاعر رام وهذا اتباع عن الخليل.
          قوله: (يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر) وذكر الهروي أن اسم أبي بكر هذا عبد الرحمن، وهو غريب.
          والرسل بكسر الراء / : اللبن، ونعق ينعق بالضم إذا هاجر بها، عن الخليل.
          وفي استخفائهم في الغار عندما أراد المشركون المكر بنبيه كما قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ} [الأنفال:30] الآية. إلى أن سكن الطلب، ثم هاجر بالإذن، لتكون سنة لأمته، وإلا لو سأله أن يعمي الخلق عنه أو يخسف بهم لكان هيناً عليه، وكذا في هجرتهما خوفاً على مهجتهما رد على من قال: من رأى منكراً يغيره وإن أدى إلى هلاك نفسه، وإلا كان مضيعاً فرضاً.
          وفيه أيضاً: فساد قول من منع أن يتحيز بيته أو يلجأ إلى حصن إذا خشي على نفسه، وقال: قد برئ من التوكل من فعل؛ لأن الضرر والنفع بيد الله، والله أمر نبيه بدخول الغار والاختفاء فيه من شرار خلقه، وكان سيد المتوكلين، وبان أيضاً فساد قول من زعم أن من خاف شيئاً سوى الله لم يؤمن بالقدر، وذلك أن الصديق قال للشارع: لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا حذراً أن يكون ذلك من بعضهم فيلحقهما ضرر، وبذلك أخبر الله في قوله: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ} الآية [التوبة:40]، فلم يصفه ولا رسوله بذلك من قوله بضعف اليقين، بل كان من اليقين لقضاء الله وقدره في المحل الأعلى، وكان ذلك منه، مثل ما كان من موسى إذ أوجس في نفسه خيفة:
          وفيه الدليل الواضح على ما خص الله به صديق نبيه من الفضيلة ورفيع المنزلة عنده؛ لاختياره إياه دون باقي الأمة لموضع سره وخفي أموره التي كان يخفيها عن سائر أصحابه، ولصحبته في سفره، إذ لم يعلم أحد بكونه في الغار أيام مكثه فيه غيره وحاشيته من ولد له ومولى وأجير، ولا صحبه في طريقه غيره، خصص له بذلك دون قرابة رسول الله، فتبين بذلك منزلته عنده، ودل به على اختياره إياه لأمانه عليه.
          وفيه المعنى الذي استحق به اسم الصديق بحبس نفسه عليه بقوله له: إني لأرجو أن يؤذن لي في الهجرة، فبادر إلى صدقه، ولم يرتب عملاً بحالته معه، وتحريه الصدق عليه، وتكلف النفقة على الراحلتين وأعد إحداهما له، وبذل ماله كما بذل نفسه في الهجرة معه، ولذلك قال ◙: ((ليس أحد أمن علي في نفسه وماله منه)).
          وفيه: أن المرء ينبغي له أن يتحفظ سره ولا يطلع عليه إلا من تطيب نفسه عليه، لقوله للصديق: ((اخرج من عندك)) ليخبره بخروجه مخليًّا به، فلما قال له الصديق: إنما هم أهلك، وعلم أن شفقتهم عليه كشفقة أهله، أطلعه حينئذ على سره، وأنه قد أذن له في الخروج، فبدر الصديق وقال: الصحبة، قبل أن يسأله ذلك، وهذا من أبلغ المشاركة وأعظم الوفاء له.
          وقوله للصديق: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) أي: بالحفظ والكلاءة، ولم يرد أنه يعلم مكانهما فقط، كما قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية [المجادلة:7]، ويدل أنه أراد الله ثالثهما بالحفظ، قوله: (لا تحزن إن الله معنا) أي: يكلؤنا ويحفظنا، ولو أراد يعلمنا لم يكن فيه له ولا لصاحبه فضيلة على أحد من الناس، لأن الله شاهد كل نجوى وعالم بها، وإنما كان فضيلة له ولصاحبه حين كان الله ثالثهما بأن صرف عنهما طلب المشركين.
          قال والدي ⌂:
          (باب الأردية).
          قوله: (أعرابي) هو مفرد الأعراب وهم سكان البادية من العرب، روى أنس في كتاب الجهاد في باب ما كان النبي صلعم يعطي المؤلفة قال: كنت أمشي مع النبي صلعم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبةً شديدةً الحديث.
          قوله: (زيد بن حارثة) بالمهملة والراء والمثلثة / مولى رسول الله صلعم كان لعلي ☺ شارفان فنحرهما حمزة فجاء رسول الله صلعم إليه لذلك مر في باب فرض الخمس.
          قوله: (البرنس) بضم الموحدة والنون قلنسوة طويلة (فليلبس) أي: الخفين (ما هو أسفل من الكعبين) أي: مقطوعاً أعلاهما منهما مر الحديث في آخر كتاب العلم.
          قوله: (ابن عيينة) سفيان و(عبد الله) ابن أبي بضم الهمزة وفتح الموحدة الخفيفة وشدة التحتانية ابن سلول المنافق، والله أعلم بالحكمة في هذا الإحسان إليه، ومر في كتاب الجنائز أن هذا القميص أعطاه رسول الله صلعم مكافأة لما أعطى هو قميصاً للعباس حين أسر عباس يوم بدر، وأنه أراد إكرام ابنه المسلم الصادق واستمالة خاطره بما فعله.
          قوله: (صدقة) بالقاف ابن الفضل بسكون المعجمة و(آذنا) أي: أعلمنا.
          فإن قلت: فهل صلى عليه؟ قلت: قال في جواب عمر أنا مخير في ذلك وصلى عليه ثم بعد ذلك نزل: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم} [التوبة:84] تقدم في الجنائز.
          قوله: (أبو عامر) هو عبد الملك العقدي بالمهملة والقاف المفتوحتين و(إبراهيم) ابن نافع المخزومي و(الحسن) ابن مسلم المكي و(الثدي) يذكر ويؤنث وهو للمرأة والرجل، والجمع أثد وثدي على فعول و(تعفو) أي: تمحو آثار مشيه لسبوغها وطولها وإسبال ذيلها و(قلصت) بالقاف والمهملة تأخرت وانضمت وانزوت وارتفعت و(لو رأيت) جوابه محذوف نحو: لتعجبت منه أو للتمني شبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعاً فجعل مثل المنفق مثل من لبسهما سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه وزيادة، ومثل البخيل كرجل يده مغلولة إلى عنقه ملازمة لترقوته وصارت الدرع ثقلاً ووبالاً عليه لا تتسع بل تنزوي عليه من غير وقاية له، وسبق في كتاب الزكاة توجيهات متعددة له.
          قوله: (ابن طاوس) عبد الله و(جعفر) هو ابن ربيعة بفتح الراء، وفي بعضها ابن حيان بفتح المهملة وشدة التحتانية وبالنون العطاردي. قال الغساني: جعفر بن حيان خطأ وإنما هو جعفر بن ربيعة. قال (خ): في باب الزكاة وقال الليث حدثني جعفر عن ابن هرمز أي عبد الرحمن الأعرج وهو الذي يروي عنه الليث.
          قوله: (حنظلة) بفتح المهملة والمعجمة وإسكان النون ابن أبي سفيان المكي وروايتهما بالنون.
          قوله: (قيس بن حفص) بالمهملتين الدارمي البصري و(عبد الرحمن حدير بن زياد) بتخفيف التحتانية العبدي ومر الحديث في كتاب الوضوء.
          قوله: (أبو نعيم) بضم النون الفضل بتسكين المعجمة و(زكرياء) هو: ابن أبي زائدة ضد الناقصة و(عامر) هو الشعبي، و(أهويت) أي: قصدت.
          قوله: (القباء) بتخفيف الموحدة وبالمد و(فروج) بفتح الفاء وشدة الراء المضمومة بالإضافة وعدمها ويقال هو بمعنى المشقوق.
          قوله: (ابن أبي مليكة) مصغر الملكة عبد الله و(المسور) بكسر الميم وإسكان المهملة وفتح الواو وبالراء ابن مخرمة بفتح الميم والراء وتسكين المعجمة.
          قوله (يزيد) من الزيادة ابن أبي حبيب ضد العدو و(أبو الخير) خلاف الشر و(عقبة) بضم المهملة وإسكان القاف وبالموحدة.
          فإن قلت: إن كان لبسه حلالا فلم لا ينبغي للمتقين وإن كان حراماً فكيف لبسه صلعم؟ قلت: كان حلالاً حين اللبس ثم صار حراماً.
          فإن قلت: ما الفرق بين الطريقين حيث قال وقال غيره فروج حرير والأول أيضاً كذلك؟ قلت: الطريق الأول / فروج من حرير بزيادة من والطريق الثاني بحذفها وفي بعضها الفرق بضم الفاء وفتحها إذ روي في الثاني بالضم ويحتمل أن يكون أحدهما بالإضافة والآخر بالصفة.
          قوله: (البرانس) جمع: البرنس وهو القلنسوة الطويلة و(معتمر) هو أخو الحاج و(الخز) هو المنسوج من الإبرسيم والصوف.
          و(الورس) بالواو والراء والمهملة نبت أصفر يصبغ به الثياب واعلم أنه صلعم سئل عما يجوز لبسه فأجاب بعد ما لا يجوز لبسه ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز وإنما عدل عن الجواب الصريح إليه؛ لأنه أحصر وأخصر فإن ما يحرم أقل وأضبط مما يحل، أو لأن السؤال كان من حقه أن يكون عما لا يلبس لأن الحكم العارض المحتاج إلى البيان هو الحرمة، وأما جواز ما يلبس فثابت بالأصل وباقي فوائد الحديث تقدم في آخر كتاب العلم.
          قوله: (جويرية) مصغر الجارية ضد الساكنة (ابن أسماء الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة وبالمهملة وهو من الأعلام المشتركة بين الذكور والإناث و(يلبس) بفتح الموحدة و(لا ثوبا) في بعضها ولا ثوب وهو إما منصوب كتب على اللغة الربعية وإما مرفوع بفعل ما لم يسم فاعله.
          قوله: (التقنع) أي: يغطي الرأس و(دسماء) قيل المراد به سوداء ويقال ثوب دسم أي: وسخ و(من المسلمين) صفة أي هاجر رجال من المسلمين أو هو فاعل بمعنى بعض المسلمين جوزه بعض النحاة و(على رسلك) بكسر الراء أي: هينتك أي اتئد فيه و(بأبي أنت) أي أنت مفدى بأبي و(السمر) بضم الميم شجر الطلح و(النحر) الأول و(الظهيرة) الهاجرة و(متقنعاً) أي: مغطيا رأسه.
          و(الصحبة) منصوباً أي أطلب الصحبة أو أريدها أو مرفوعاً أي فأجر لي الصحبة و(الجهاز) بالفتح والكسر أسباب السفر و(الحث) التحضيض والإسراع و(أوكت) أي: شدت والوكاء هو الذي يشد به رأس القربة وسميت ذات النطاقين لأنها جعلت قطعة من نطاقها للجراب الذي فيه السفرة وقطعة للسقاء كما جاء في بعض الروايات، أو لأنها جعلته نطاقين نطاقاً للجراب وآخر لنفسها، و(اللقن) بفتح اللام وسكونها الحاذق الفطن و(فيرحل) في بعضها فيدخل أي مكة متوجهاً إليها من عندهما و(كبائت) أي: كأنه بائت بمكة و(يكادان به) أي: يمكران به و(وعاه) أي: حفظه وضبطه.
          و(عامر بن فهيرة) مصغر الفهرة بالفاء والراء و(المنحة) بكسر الميم ومنحة اللبن هي شاة تعطيها غيرك فيحتلبها ثم يردها عليك و(يريحه) أي: يرده إلى المراح وفي بعضها يريحها و(الرسل) بكسر الراء اللين وفي بعضها رسلهما بلفظ ضمير المثنى والإضافة لأدنى ملابسة جائزة و(ينعق) بالمهملة نعق الراعي بغنمه ينعق بالكسر أي صاح بها، و(الغلس) ظلمة الليل ومر مراراً.
          الزركشي:
          قوله: (قد اضطرت أيديهما) يروى بفتح الطاء من ((اضطرت أيديهما))، والياء الثانية من ((أيديهما))، وبضم الطاء وإسكان الياء الثانية من ((أيديهما)).
          (مادت) بدال مخففة من ماد إذا مال، ورواه بعضهم ((مارت)) بالراء؛ أي: سالت عليه وامتدت.
          (ثديهما) بضم الثاء على الجمع، ويروى بفتحها على التثنية.
          (حتى يغشي) بضم الياء وفتح الغين وتشديد الشين وكسرها، وفتح الياء، وبفتح أوله وثالثه وإسكان ثانيه.
          (فروج حرير) / بفتح الفاء وتشديد الراء، ويقال: بضم الفاء وتخفيف الراء، وهو القباء المفروج من خلفه.
          (الخز) بخاء معجمة وزاي المعروف أولاً ثياب تنسج من صوف وإبريسم، وقد لبسه الصحابة والتابعون، وجاء النهي من جهة التشبه بالعجم، فإن أريد المعروف الآن فحرام؛ لأن جميعه معمول من الإبريسم، وعليه مجمل الحديث السابق: ((قوم يستحلون الخز)) إن ثبتت به الرواية، كذا قال ابن الأثير.
          وقال المطرزي: الخز: اسم دابة، ثم سمي الثوب المتخذ من وبره خزًّا.
          (فجهزناهما أحث الجهاز) بالموحدة، ويروى بالمثلثة، والجهاز بفتح الجيم.
          (لقن) بكسر القاف؛ أي: فهم حسن التلقن لما يسمعه.
          (ثقف) أي: ذو فطنة وذكاء، ويقال: بإسكان القاف وضمها وكسرها، وكلاهما من أبنية المبالغة، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          وروى الإمام أبو الحسن البغوي في ((تفسيره معالم التنزيل)) في معنى قوله تعالى: {هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:125] قال: إن رسول الله صلعم قال لأصحابه يوم بدر تسوموا فإن الملائكة قد تسومت بالصوف الأبيض في قلانسهم ومغافرهم، قال علي وابن عباس: كانت عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم.
          وقال هشام ابن عروة والكلبي عمائم صفر مرخاة على أكتافهم، وكان لرسول الله صلعم عذبة طويلة تارة بين كتفيه وتارة على كتفه وما فارق العذبة قط، وروي أنه تعوذ من العمامة الصماء فالعذبة من الذي أتاه النبي صلعم وقد أمرنا باتباعه في قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7] وقد أمر النبي بإرسال العذبة بدليل قوله صلعم لأصحابه يوم بدر: ((تسوموا)) كما سبق وقد نهى عن العمامة الصماء بقوله: ((خالفوا اليهود ولا تصمموا، فإن تصمم العمامة من زي أهل الكتاب)) وتعوذه عن العمامة الصماء يؤكد المنع عن ذلك لأن التعوذ منه صلعم لا يقع إلا من أمر مستقبح مكروه كما تعوذ من البخل والكبر والفقر والجبن والكسل وغير ذلك، وما ذكرناه دليل على أن تعمم العمامة مردود لأنه من زي أهل الكتاب ودأبهم، وكان ◙ يحب خلافهم.
          وقد روي أن أبا عبيدة بن الجراح كان يقلم أظفار النبي صلعم ويجمعه في ذيله فقال النبي صلعم: ((يا أبا عبيدة ما يصنع أهل الكتاب بهذا)) فقال يدفنونه يا رسول الله فنفض رسول الله صلعم ذيله خلافاً لهم، ومثل ذلك في لسان الشرع كثير.


[1] في المخطوط: ((الفاء)) ولعل الصواب ما أثبتناه.