مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب العمائم

          ░15▒ باب العمائم
          وذكر حديث ابن عمر المذكور أيضاً.
          والسراويل غير منصرف، يذكر ويؤنث. قال سيبويه: سراويل واحدة، وهي أعجمية، عربت فأشبهت في كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فهي مصروفة في النكرة، وإن سميت بها رجلا لم يصرفها، وكذلك إن حصر بها اسم رجل؛ لأنها مؤنث على / أكثر من ثلاثة أحرف مثل عناق، ومن النحويين من لا يصرفه أيضاً في النكرة(1)، ويزعم أنه جمع سروال وسروالة.
          قال في ((الصحاح)): والعمل على القول الأول، والثاني أقوى وحكى إعجامها، والورس: نبت باليمن، يصبغ به، أصفر.
          ولبس السراويل من الأمر القديم، وروى أحمد من حديث أبي أمامة قلنا: يا رسول الله؛ إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يتزرون، فقال ◙: ((تسرولوا واتزروا وخالفوا أهل الكتاب)) وصح أنه ◙ اشتراه.
          والظاهر أنه كان قبل الهجرة ولم يبلغنا أنه تسرول بالمدينة.
          وفي ((صحيح ابن حبان)) من حديث سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي برا من هجر، فأتى رسول الله فسامنا سراويل وعنده وزان يزن بالأجر، فقال ◙: ((زن وأرجح)).
          وأخرج أحمد أيضاً من حديث مالك بن عمير الأسدي قال: قدمت قبل أن يهاجر رسول الله فاشترى مني سراويل فأرجح لي.
          وفي ((الطبراني الكبير)) من حديث أبي هريرة في شرائه ◙ وقال: ((زن وأرجح))، قلت: يا رسول الله، وإنك لتلبس السراويل؟ قال: ((نعم، في السفر والحضر والليل والنهار، فإني أمرت بالتستر، فلم أجد شيئاً أستر منه))، ثم قال: تفرد به الأفريقي.
          وفيه أيضاً من حديث أبي رهم السمعي مرفوعاً: ((إن من لبسة الأنبياء: القميص قبل السراويل، وإن مما يستجاب به الدعاء عند العطاس))، وفي ((معرفة الصحابة)) لأبي نعيم من حديث مالك بن العتاهية مرفوعاً: ((إن الأرض لتستغفر للمصلي في السراويل)) فيه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب.
          والعمائم: تيجان العرب وهي زيهم؛ وروي أن الملائكة الذين نصروا رسول الله يوم بدر كانوا بعمائم صفر.
          وقال مالك: العمة والاحتباء والانتعال من عمل العرب، وليس ذلك في العجم. وكانت العمة في أول الإسلام، ثم لم تزل حتى كان هؤلاء القوم.
          قال ابن وهب: وحدثني مالك أنه لم ير أحداً من أهل الفضل مثل يحيى بن سعيد وابن هرمز وربيعة إلا وهم يعتمون ولقد كنت في مجلس ربيعة، وفيهم أحد وثلاثون رجلاً ما منهم رجل إلا وهو معتم وأنا منهم، ولقد كنت أراهم يعتمون في العشاء والصبح، وكان ربيعة لا يدع العمائم حتى تطلع الثريا وكان يقول: إني لأجد العمة تزيد في العقل.
          قال: وسئل مالك عن الذي يعتم بالعمامة ولا يجعلها من تحت حلقه فأنكرها. وقال: ذلك عمل القبط وليست من عمة الناس، إلا أن تكون قصيرة لا تبلغ، أو يفعل ذلك في بيته أو مرضه فلا بأس به، قيل له: فترخي بين الكتفين؟ قال: لم أر أحداً ممن أدركت يرخي بين كتفيه إلا عامر بن عبد الله / ابن الزبير، وليس ذلك بحرام، ولكنه يرسلها بين يديه وهو أجمل. وقال عامر بن ربيعة: رؤي جبريل في صورة دحية الكلبي، وقد سدل عمامته بين كتفيه.
          وفي (د) من حديث جعفر بن عمرو بن حريث. وفي حديث عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلعم على المنبر، وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه.
          وفي (ت) من حديث نافع عن ابن عمر قال: كان النبي صلعم إذا اعتدل سدل عمامته بين كتفيه. قال نافع: وكان ابن عمر يفعله. قال عبيد الله: ورأيت القاسم وسالماً يفعلان ذلك. قال (ت): حسنٌ غريبٌ.
          ولأبي داود من حديث شيخ من أهل المدينة. قال عبد الرحمن بن عوف: عممني رسول الله صلعم فسدلها بين يدي وخلفي.
          ولابن أبي شيبة من حديث ابن أبي مريم بسنده عن عائشة أن رسول الله عمم عبد الرحمن بن عوف بعمامة سوداء من قطن، وأفضل له من بين يديه مثل هذه. ومن حديث شهر بن حوشب، عن عائشة قالت: رأيت جبريل أتى رسول الله وعليه عمامة حزقانية قد سدلها بين كتفيه.
          ومن حديث المسيب بن واضح بسنده عن عبد الله بن عمر قال: عمم رسول الله صلعم ابن عوف بعمامة سوداء كرابيس وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع وقال: هكذا فاعتم، فإنه أجمل.
          قال أبو حاتم في ((علله)): ابن جريج لم يسمع منه ابن نافع شيئاً والحديث باطل.
          ومن حديث موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر عند ابن أبي عاصم أن رسول الله دخل مكة يوم الفتح وعليه مستقة سوداء.
          ومن حديث جابر: وعليه عمامة سوداء.
          ومن حديث أشعث بن سعيد: بسنده عن أبي وشاء البجلي: سمعت عليًّا قال: عممني رسول الله صلعم يوم خمم بعمامة سوداء، أسدل طرفها على منكبي وقال: ((إن الله أمدني يوم بدر ويوم حنين بملائكة معتمين بهذه العمة)). وقال: ((العمامة حجز بين المسلمين والمشركين)).
          وفي حديث أبي عبيدة الحمصي، عن عبد الله بن بسر: بعث رسول الله عليا يوم خيبر فعممه بعمامة سوداء أرسلها من ورائه وعن منكبه اليسرى.
          ولأبي داود عن ركانة قال ◙: ((فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس)).
          وفي ((علل (ت))) من حديث أبي المليح، عن أبيه: قال رسول الله: ((اعتموا تزدادوا حلماً)) وذكر الكلبي عن الشرفي بن القطامي أن أول من اعتم من العرب عدي بن عمارة بن لخم بن عدي بن الحارث بن مر بن أدد بن زيد بن يشجب بن يعرب بن زيد بن كهلان بن سبأ، فلقب: عمماً.
          قال الجواني: كانوا قبل ذلك يلبسون عصائب الملك وتيجانه. وفي ((الكامل)) للمبرد: لما طلق / خالد بن يزيد بن معاوية آمنة بنت سعيد بن العاصي بن أمية قال فيها:
فتاة أبوها ذو العصابة وابنه                     أخوها فما أكفاؤها بكثير
          وزعم الرشاطي أن هذا قاله عمرو بن سعيد حين خطبها عبد الملك. قال: وزعم بعضهم أن هذا اللقب إنما لزمه للسيادة، وذلك أن العرب تقول: فلان معتم. يريدون أن كل جناية يجنيها الجاني من قبيلته فهي معصوبة برأسه.
          وقال المبرد: يعني بذي العصابة أباها سعيد بن العاص، وذلك أن قومه يذكرون أنه كان إذا اعتم لم يعتم قرشي إعظاماً له وينشدون:
أبو أحيحة من يعتم عمته                     يضرب وإن كان ذا مال وذا ولد
          وذكر ابن دريد في ((وشاحه)) أن ذا العصابة هو أبو أحيحة خالد بن سعيد بن العاصي.
          قال: ويقال له: ذو العمامة أيضاً.
          وفي ((قطب السرور)) للرقيق: كان حرب بن أمية أبو أبي سفيان بن حرب له عمامة سوداء، إذا لبسها لم يعتم ذلك اليوم أحد.
          فرع:
          نص الزاهدي من الحنفية أن لف العمائم الطويلة ولبس الثياب الواسعة حسن في حق الفقهاء الذين هم أعلام الهدى دون النساء.
          في الأحاديث الموضوعة: صلاة بعمامة خير من سبعين صلاة بغير عمامة. وروي: من صلى وجنبه مشدود كان خيراً ممن صلى سبعين صلاة مكشوف، وهو مثله.
          وفي الطبراني من حديث مالك بن مغول، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً: ((عليكم بالعمائم، فإنها سيماء الملائكة، وأرخوا لها خلف ظهوركم)).
          وعن ابن عمر مرفوعاً أنه كان يدير كور العمامة على رأسه.


[1] في هامش المخطوط: ((قال: ~عليه من اللؤم سروالة                     فليس يرق لمستضعف)).