مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما كان النبي يتجوز من اللباس والبسط

          ░31▒ باب ما كان النبي صلعم يحوز من اللباس والبسط
          فيه حديث ابن عباس: لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر عن المرأتين الحديث وسلف في النكاح.
          وحديث هند بنت الحارث، عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي صلعم الحديث.
          والمرفقة كالوسادة وأصله من المرفق كأنه استعمل في مرفقيه واتكأ عليه.
          وكان ◙ ينام على الحصير حتى تؤثر في جنبه، ويتخذ من الثياب ما يشبه تواضعه وزهده في الدنيا؛ توفيراً لحظه في الآخرة، وقد خيره الله بين أن يكون نبيًّا ملكاً، وبين أن يكون عبداً نبيًّا فاختار الثاني إيثاراً للآخرة على الدنيا وتزهيداً لأمته، ليقتدوا به في أخذ البلغة من الدنيا إذ هي أسلم من الفتنة التي تخشى على من فتحت عليه زهرة الدنيا.
          ألا ترى قوله ◙: ((ماذا أنزل الليلة من الفتنة، ماذا أنزل من الخزائن))، وقرن ◙ الفتنة بنزول الخزائن، فدل أن الكفاف في الأمور، أعني: الدنيا خير من الإكثار وأسلم من الغار.
          فإن قلت: حديث أم سلمة لا يوافق معنى الترجمة، قيل: بلى، وذلك أنه ◙ حذر أهله وجميع المؤمنات من لباس رقيق الثياب / الواصفة لأجسامهن؛ لقوله: ((كم من كاسية في الدنيا)) إلى آخره(1).
          وفهم منه أن عقوبة لابسة ذلك أن يعرى يوم القيامة على رءوس الأشهاد وقام من ذلك أنه ◙ حض أزواجه على استعمال خشن الثياب الساترة لهن حذراً أن يعرين في الآخرة، ألا ترى قول الزهري: (وكانت هند)، إلى آخره، وإنما فعلت ذلك؛ لئلا يبدو من سعة كمها شيء من جسدها فيكون، وإن كانت ثيابها غير واصلة لجسدها داخلة في معنى كاسية عارية، فلم يتخذ الشارع ولا أزواجه إلا الساتر لهن غير الواصف وهو موافق للترجمة.
          والأهب: جمع إهاب.
          قال الجوهري: الإهاب الجلد ما لم يدبغ، والجمع: أهب على غير قياس مثل: أدم وأفق وعمد، قال: وقالوا: أهب، وهو قياس.
          وقال القزاز في ((جامعه)): الإهاب الجلد مدبوغاً وغيره.
          وفيه إذا دبغ الإهاب فقد طهر، فسماه إهاباً قبل الدباغ، والقرظ بفتح القاف والراء، ورق السلم يدبغ به الأدم.
          والأراك المذكور في أوله شجر الحمص، الواحدة: أراكة.
          والوصيف: الخادم غلاماً كان أو جارية، كما قاله الجوهري، قال ثعلب: وربما قالوا للجارية: وصيفة.
          قوله: (وتقدمت إليها في أذاه) قال ابن التين: هو بالياء عند أبي الحسن على أنه ممدود. وصوابه: قصره، والمشربة: الغرفة.
          والأدم بفتح الدال جمع أديم، مثل: أفيق وأفق.
          قوله: (ماذا أنزل الليلة من الفتنة) يريد: ماذا قدر أن يكون منها.
          قوله: (من يوقظ صواحب الحجرات) قال سحنون: أي أيقظوا النساء كي يسمعن الموعظة، وقيل: كي يصلين عند نزول الآفات وخوف الفتن، كقوله في الكسوف: ((فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة))(2).
          قوله: (كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)، قيل: كاسيات من نعم [الله] لا يشكرن الله تعالى فهن عاريات من جزاء الشكر يوم القيامة، وقيل: يلبسن ثياباً رقاقاً تصف ما تحتها فهن كاسيات في الظاهر عاريات في الحقيقة، ومعنى عارية: أي من الأجر.
          وقال الداودي: كاسيات يلبسن ما لا يحل، وعاريات: تحشر عريانة فإن رحمت كسيت وإلا بقيت(3) عريانة في النار.
          قال والدي ⌂:
          (باب مس الحرير من غير لبس) بضم اللام.
          و(الزبيدي) مصغر الزبد بالزاي والموحدة والمهملة منسوباً محمد بن الوليد بفتح الواو و(إسرائيل) هو ابن يونس بن أبي إسحاق سمع جده أبا إسحاق عمراً السبيعي و(البراء) بتخفيف الراء ابن عازب بالمهملة والزاي و(سعد بن معاذ) بضم الميم الأنصاري.
          فإن قلت: ما وجه تخصيصه بالذكر؟ قلت: هو كان سيد الأنصار ولعل اللامسين المعجبين كانوا من الأنصار، فقال: ((منديل سيدكم خير منها)) أو هو كان يحب ذلك الجنس من الثوب. وأما الثوب فقد أهداه إلى رسول الله صلعم أكيدر مصغر الأكدر حاكم دومة مر في المناقب.
          قوله: (عبيدة) بفتح المهملة وكسر الموحدة السلماني.
          قوله: (علي) أي ابن المديني و(وهب بن جرير) بفتح الجيم وتكرار الراء ابن حازم بالمهملة والزاي الأزدي و(ابن أبي / نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبالمهملة عبد الله المكي و(ابن أبي ليلى) هو عبد الرحمن.
          قوله: (القسي) منسوب إلى بلد يقال له القس بفتح القاف وشدة المهملة، وقيل: أنه القزي من القز الذي هو غليط الإبرسيم ورديئه.
          قوله: (عاصم) هو ابن كليب الجرمي بالجيم والراء مات سنة سبع وثلاثين ومائة و(أبو بردة) بضم الموحدة ابن أبي موسى الأشعري و(علي) هو أمير المؤمنين ابن أبي طالب و(تضليع الثوب) جعل وشيه على هيئة الأضلاع غليظة معوجة و(الأترج) بتشديد الجيم و(الترنج) بتخفيفها بمعنى واحد و(الميثرة) بكسر الميم وسكون التحتانية وبالمثلثة من الوثارة، وهي اللين و(القطيفة) هي الكساء المخمل، وقيل هي الدثار و(يصفرنها) من التصفير، وفي بعضها: يصفونها؛ أي يجعلونها صفة السرج.
          قوله: (جرير) بالجيم ابن حازم المذكور آنفاً و(يزيد) من الزيادة ابن رومان بضم الراء وسكون الواو وبالميم والنون مولى آل الزبير بن العوام.
          فإن قلت: جلود السباع لم تكون منهية؟ قلت: إما أن يكون فيها الحرير، وإما أن يكون من جهة إسراف فيها، وإما لأنها من زي المترفين، وكان كفار العجم يستعملونها، قال النووي: تفسيره بالجلود قول باطل مخالف للمشهور الذي أطبق عليه أهل الحديث.
          قوله: (أشعث) بفتح الهمزة [والمهملة] وإسكان المعجمة بينهما وبالمثلثة، ابن أبي الشعثاء مؤنث الأشعث المذكور و(معاوية بن سويد) مصغر السود(4) ابن مقرن بفاعل التقرين بالقاف والراء المدني الكوفي، قوله: (الحمر) ذكره لبيان ما كان هو الواقع.
          قوله: (محمد) أي: ابن سلام و(وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف وبالمهملة و(الزبير) هو ابن العوام و(عبد الرحمن بن عوف) وكلاهما من العشرة المبشرة.
          قوله: (غندر) بضم المعجمة وإسكان النون وفتح المهملة وضمها وبالراء وبالمد، برد فيه خطوط صفر، و(جويرية) تصغير الجارية ضد الواقفة ابن أسماء بوزن حمراء (الضبعي) بضم المعجمة والاسمان مشتركان بين الذكور والإناث و(لا خلاق) أي: لا نصيب له في الآخرة و(حلة) يجوز أن يكون مضافاً وأن لا يكون وكذا سيراء.
          فإن قلت: كيف قال: (أو لتكسوها) وهو حرام؟ قلت: معناه لتعطيها غيرك من النساء بالهبة ونحوها وكذا (كساها إياه) أي أعطاها إياه.
          قوله: (أم كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام وبالمثلثة زوجة عثمان ♦.
          قوله: (البسط) جمع البساط والتجوز فيها والتخفيف منها و(عبيد بن حنين) اللفظان مصغران الأول لضد الحر والثاني للحن بالمهملة والنون مولى زيد بن الخطاب العدوي و(تظاهرتا) أي: تعاضدتا، قال تعالى: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ} [التحريم:4] و(الأراك) الشجر المالح المر؛ أي: دخل بيتها لقضاء الحاجة و(أغلظت لي) في بعضها علي و(إنك لهناك) أي: إنك في هذا المقام ولك حدان تغلظي الكلام علي وأن تعصي الله في بعضها تغضبي الله من الإغضاب و(تقدمت إليها في أذاه) أي: دخلت إليها أولاً قبل الدخول على غيرها في قصة أذى رسول الله صلعم / وشأنه أو تقدمت إليها في أذى شخصها وإيلام بدنها بالضرب ونحوه.
          قوله: (أم سلمة) بالفتحتين اسمها هند زوج رسول الله صلعم وإنما أتاها عمر لأنها قرابته قيل إنها خالته و(أعجب) بلفظ المتكلم و(رددت) من الترديد وفي بعضها ردت من الرد وفي بعضها فبرزت من البروز؛ أي: الخروج و(من حول) أي: من الملوك والحكام و(غسان) بفتح المعجمة وشدة المهملة.
          قوله: (ما شعرت بالأنصاري إلا وهو يقول) فإن قلت: في جل النسخ أو في كلها وهو يقول بدون كلمة الاستثناء فما وجهه؟ قلت: إلا مقدرة والقرينة تدل عليه أو ما زائدة أو مصدرية وتقول مبتدأ وخبره بالأنصاري أي: شعوري متلبس بالأنصاري قائلاً.
          قوله: (أعظم) فإن قلت: كيف كان أعظم من توجه العدو واحتمال تسلطه عليهم؟ قلت: لأن فيه ملالة خاطر رسول الله صلعم وأما بالنسبة إلى عمر فظاهر لأن مفارقة رسول الله صلعم عن بيتها(5) أعظم الأمور إليه ولعلمهم بأن الله يعصم رسوله صلعم من الناس {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141].
          فإن قلت: ما طلق رسول الله صلعم أزواجه لكن اعتزل عنهن؟ قلت: قالها ظنا منه أن الاعتزال تطليق.
          قوله: (من حجره) في بعضها من حجرهن وفي بعضها حجرها وهو صحيح نحو النساء فعلت و(المشربة) بفتح الميم وإسكان المعجمة وفتح الراء وضمها الغرفة و(الوصيف) بفتح الواو وكسر المهملة الخادم و(المرفقة) بكسر الميم وفتح الفاء والقاف المخدة و(الأدم) جمع الأديم و(الأهب) بفتحتين جمع الإهاب وهو الجلد ما لم يدبغ و(القرظ) بفتح القاف والراء وبالمعجمة، ورق شجر يدبغ به مر في المظالم.
          قوله: (هشام) أي: ابن يوسف الصنعاني و(هند) بنت الحارث الفراسية و(ماذا) استفهام متضمن لمعنى التعجب والتعظيم؛ أي: رأى في المنام أنه سيقع بعده الفتن ويفتح لهم الخزائن أو عبر عن الرحمة بالخزائن لقوله تعالى: {خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء:100] وعن العذاب بالفتن لأنها أسباب مؤدية إليه.
          قوله: (صواحب الحجر) في بعضها الحجر باعتبار الجنس، قوله: (عارية) بالجر أي كم كاسية عارية عرفتها وبالرفع أي: اللابسات رقيق الثياب التي لا تمنع من إدراك لون البشرة معاقبات في الآخرة بفضيحة التعري، أو اللابسات الثياب النفيسة عاريات من الحسنات في الآخرة فهو حض على ترك السرف بأن يأخذن أقل الكفاية ويتصدقن بما سوى ذلك مر في كتاب العلم.
          و(هند) أي: الفراسية و(الأزرار) جمع الزر.
          فإن قلت: ما غرض الزهري من نقل هذه الحالة؟ قلت: لعله أراد بيان ضبطه وتثبته أو أنها كانت مبالغة في ستر جسمها حتى في ستر ما جرى العادة بظهوره من اليد ونحوه.
          قال شارح التراجم: وجه ذكر هذا الحديث في الباب أنه صلعم لم يكن يلبس الثوب الرفيع الشفاف؛ لأنه إذا حذر نساءه منه فهو أحق بصفة الكمال منهن، وهذا دليل أن (خ) فهم من الكاسيات اللابسات الشفاف الذي يصف البدن، وكذلك هند لأنها اتخذت الأزرار خشية ظهور طرف منها.
          الزركشي:
          (نلمسه) بضم الميم عن صاحب / ((المحكم)).
          (لمناديل سعد بن معاذ) خص المناديل بالذكر لأنها تمتهن، وليعلم ما فوقها بطريق الأولى.
          (عبيدة) بفتح العين.
          (القسي) بفتح القاف وتشديد السين نسبة إلى القس، وبعضهم يكسر القاف ويخفف السين، قال الخطابي: وهو غلط، وقيل: أصله القز فأبدلت الزاي سيناً: ثياب من كتان مخلوط بحرير.
          (من الشام مضلعة) أي: مخططة بخطوط غليظة كالضلع، أو معوجة كالضلع، كذا قال، والصحيح أنه يؤتى من مصر نسبة إلى قرية على ساحل البحر قريبة تنيس، يقال له: القس.
          و(الميثرة) بكسر الميم بعدها همزة كانت النساء تصنعه لبعولتهن مثل القطائف جمع القطيفة، وهي الكساء.
          (يصفونها) أي: يجعلونها صفة السرج؛ أي: يوطئون بها السرج من قولهم: فراش وثير إذا كان وطيئاً ليناً، ويروى: ((يصفرنها)) من الصفرة.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: الناس كلهم يوم القيامة يحشرون عراة فما معنى قوله: (عارية)؟ قلت: يحشرون عراة ثم يكسون بدليل قوله ◙: ((أول من يكسى إبراهيم)) فعلم أن الناس كلهم يكسون إلا من لبست هذه الثياب)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: ويحتمل أن يكون معناه: كاسيات وسيعة الإكمام بين غالب جسدهن منه كثياب نساء مصر في زماننا هذا فهن كاسيات عاريات حقيقة وهو ظاهر مشاهد)).
[3] في المخطوط: ((سبب)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[4] في هامش المخطوط: ((أقول: هو مصغر أسود أصله أسيود)).
[5] في هامش المخطوط: في (ط): ((بنته)).