مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب إعفاء اللحى

          ░65▒ باب إعفاء اللحى
          عفوا: كثروا وكثرت أموالهم.
          ثم ذكر حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلعم: ((انهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى)).
          معنى (انهكوا): بالغوا في الأخذ منها من غير استئصال، وهو ثلاثي من نهك ينهك. ومعناه مثل ((أحفوا))، وفي الحديث: ((أشمي ولا تنهكي)) أي: لا تبالغي.
          قال صاحب ((الأفعال)) يقال: نهكته الحمى بالكسر نهكاً: أثرت فيه، وكذلك العبادة والتأثير غير الاستئصال.
          قوله: (وأعفوا) قال الجوهري: عفا الشعر و(النبت) وغيرهما: كثر.
          وذكر الآية: (حتى عفوا) أي: كثروا. قال: وعفوته أنا وأعفيته أيضاً لغتان إذا فعلت ذلك به. فعلى هذا يقرأ: ((واعفوا)) موصولاً ومقطوعاً، وبالقطع قرأناه.
          و((اللحى)) جمع لحية بكسر اللام مقصور. وقال الجوهري: وبضم اللام يريد من لحى مثل ذروة وذرى.
          وعلة توفير اللحية أن فيه جمالاً للوجه وزينة للرجل، وجاء في بعض الخبر: إن الله تعالى زين بني آدم باللحى(1). ولأن الغرض بذلك مخالفة للأعاجم، وهذا ما لم يخرج بطولها عن الحد المعتاد فيقضي لصاحبها أن يسخر به.
          قال الطبري: فإن قلت: ما وجه قوله: ((أعفوا اللحى)) وقد علمت أن الإعفاء الإكثار، وأن من الناس من إن ترك شعر لحيته اتباعاً منه لظاهر هذا الخبر تفاحش طولاً وعرضاً، وسمج حتى صار للناس حديثاً ومثلاً.
          قيل: قد ثبتت الحجة عن رسول الله على خصوص هذا الخبر، وأن من اللحية ما هو محظور إحفاؤه، وواجب قصه على اختلاف من السلف في قدر ذلك وحده؛ فقال بعضهم: حد ذلك أن يزداد على قدر القبضة طولاً، وأن ينتشر عرضاً فيقبح ذلك، فإذا زادت على قدر القبضة كان الأولى جز ما زاد على ذلك من غير تحريم منهم من ترك الزيادة على ذلك.
          وروي عن عمر أنه رأى رجلاً قد ترك لحيته حتى كثرت فاتخذ يجذبها ثم قال: ائتوني بحكمين، ثم أمر رجلاً فجز ما تحت يده ثم قال: اذهب فأصلح شعرك أو أفسده، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع، وكان أبو هريرة يقبض على لحيته فيأخذ ما فضل، وعن ابن عمر مثله.
          وقال آخرون: يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش أخذه، ولم يحدوا في ذلك حدًّا.
          وروي عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً أن يأخذ من طول لحيته وعرضها ما لم يفحش الأخذ منها، وكان إذا ذبح أضحيته يوم النحر أخذ منها شيئاً.
          والصواب أن قوله: ((أعفوا اللحى)) على عمومه إلا ما خص من ذلك.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت جاء في الخبر أن أهل الجنة مرد إلا آدم ◙ قلت: ما كان حاله وحال أولاده في الدنيا فإنه نقل أن آدم كان بدون لحية حين هبط من الجنة إلى الأرض وأولاده صاروا بلحي وفي الجنة هو بلحية وأولاده مرد.
أقول: فإن قلت: إذا كانت زينة فكان أولى أن يكون لأهل الجنة؟ قلت: في الجنة يكون لهم جمال وزينة غيرها.
أقول: قيل إذا طالت اللحية تكوسج العقل)).