مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب المتفلجات للحسن

          ░82▒ باب المتفلجات للحسن
          فيه حديث عبد الله: لعن الله الواشمات إلى آخره، وترجم له بعد باب: المتنمصات، وسلف تفسير ذلك في النكاح. فالواشمة هي التي تشم يديها وسلف / معناه ويقال: وشمت تشم فهي واشمة، والمستوشمة هي التي تسأل أن يفعل ذلك بها، وغلط الداودي فقال: الواشمة هي المفعولة والمستوشمة الفاعلة. والنامصة: الناتفة، والنمص: النتف.
          والمتفلجة هي المفرقة بين أسنانها المتلاصقة بالنحت ليتباعد بعضها من بعض، والفلج تباعد ما بين الشيئين، يقال: رجل أفلج، وامرأة فلجاء.
          وقال ابن دريد: يقال: رجل أفلج الأسنان وامرأة فلجاء الأسنان، لا بد من ذكر الأسنان.
          وقال الداودي: هو أن يبرد ما بين الثنيتين بمبرد حتى ينفتح ما بينهما فيصير كالفلج.
          وقال أبو عبيد: هي التي تفلج أسنانها وتحددها حتى يكون لها أشر، والأشر: تحدد ورقة في أطراف أسنان الأحداث لشبه الكبيرة بهم.
          وفيه: البيان عن الشارع أنه لا يجوز لامرأة تغير شيئاً من خلقها الذي خلقها الله عليه بزيادة فيه أو نقص منه، التماس التحسن به لزوج أو غيره؛ لأن ذلك نقض من خلقها إلى غير هيئته.
          وكذلك غير جائز لامرأة خلقت لها لحية أو شارب أو عنفقة أن تحلق ذلك منها أو تقصه؛ طلباً للتجمل كما نص على ذلك الطبري معللاً بأن ذلك كله من باب التغيير لخلق الله تعالى، ومعنى النمص الذي لعن رسول الله فاعله.
          فإن قلت: فإنك تجيز للرجل أن يأخذ من أطراف لحيته وعوارضه إذا كثرت، ومن الشارب وإطاره إذا أوفى، فالمرأة أحق أن يجوز لها إماطة ذلك من الرجل؛ إذ الأغلب من النساء أن ذلك فيهن قليل، وإنما ذلك من خلق الرجال فجعلت أخذ ذلك من النساء تغييراً لخلق الله وجعلته من الرجال غير تغيير.
          قلت: إنا لم نحظر على المرأة إذا كانت ذات شارب أن توفي شاربها أن تأخذ من إطاره وأطرافه أو كانت ذات لحية طويلة أن تأخذ منها، وإنما نهاها عن نمص ذلك وحلقه للعنه الشارع النامصة والمتنمصة، ولا شك أن نمصها لحية أو شاربا إن كان لها نظير نمصها شعراً بوجهها أو جبينها، وفي فرق الله على لسان رسوله بين حكمها في ما لها من أخذ شعر رأسها، وما ليس لها منه، وبين حكم الرجل في ذلك أبين الدليل على افتراق حكمهما في ذلك، وذلك أنه ◙ أذن للرجال في قص شعر رءوسهم كلما شاءوا، وندبهم إلى حلقه إذا حلوا من إحرامهم، وحظر ذلك على المرأة في الحالين، إلا أن تأخذ من أطرافه، فكذا افتراقهما في الإحفاء وقص النواصي وحلقها.
          وإنما أبحنا لها أن تأخذ من أطراف لحيتها وإطار شاربها كما أبحنا لها أن تأخذ من أطراف شعر رأسها إذا طال؛ لما روى شعبة عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة قال: كان أزواج رسول الله يأخذن من شعورهن حتى يدعنه كهيئة الوفرة.
          وروى ابن جريج بسنده عن ابن عباس قال: نهى رسول الله أن تحلق المرأة رأسها، وقال: ((الحلق مثلة)).
          وقال مجاهد: لعن رسول الله صلعم الحالقة(1).
          ونص أصحابنا / على أن المرأة إذا نبتت لها لحية يستحب إزالتها.
          قلت: فما وجه قول من أطلق النمص والوشم وأحله؟ وقد علمت ما روى شعبة عن أبي إسحاق، عن امرأته أنها دخلت على عائشة ♦ فسألتها وكانت امرأة شابة يعجبها الجمال فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها؟ فقالت: أميطي عنك الأذى ما استطعت.
          كذا قال ابن المثنى: تحف، وهو غلط، كما قاله الطبري؛ لأن الحف بالشيء هو الإطافة به، وإنما هو تحفي بمعنى تستأصله حلقاً أو نتفاً. وما حدثك تميم بن المتيم ثنا يزيد، عن إسماعيل عن قيس قال: دخلت أنا وأمي على أبي بكر فرأيت يد أسماء موشومة.
          قلت: أما عائشة، فإن في الرواية عنها اختلاط، وذلك أن عمران بن موسى روى بسنده عن معاذة أنها سألت عائشة عن المرأة تقشر وجهها؟ فقالت: إن كنت تشتهين أن تتزيني فلا يحل، وإن كانت امرأة بوجهها كلف شديد فما، كأنها كرهته، ولم تصرح بهذه الرواية بالنهي عن قشر المرأة وجهها للزينة، وذلك نظير إحفائها جبينها للزينة، وإذا اختلفت الرواية عنها كان الأولى أن يضاف إليها أشبهها بالحق.
          وأما أسماء فإنها كانت امرأة أدركت الجاهلية، وكانت نساء الجاهلية يفعلن ذلك ويتزين به، فلعل ذلك منها كان في الجاهلية ولم يخبر قيس عنها أنها وشمت يدها في الإسلام، وقد يجوز أن تكون وشمتها في الجاهلية، قبل أن ينهى عنه، فمن زعم أن ذلك كان في الإسلام بعد النهي فعليه البيان ولا سبيل إليه.
          قال ابن بطال: أما ما ذكرته من أن المرأة منهية عن حلق رأسها في الإحرام وغيره لحديث ابن عباس، وقوله ◙: ((إن الحلق مثلة))، فإن حديث ابن عباس ليس معناه التحريم، بدليل أن المرأة لو حلقت رأسها في الحج مكان التقصير اللازم لها لم تأت في ذلك حراماً.
          ودل قوله: ((إن الحلق مثلة)) أن معنى النهي عن ذلك إنما هو خيفة أن تمثل المرأة بنفسها فينتقص جمالها فيكره ذلك بعلها، والمثلة ليست بحرام، وإنما هي مكروهة، وقد قال مالك: حلق الشارب مثلة، وثبت حلقه عن كثيرٍ من السلف، واحتجوا بأمره بإحفاء الشوارب.
          وأما قول مجاهد: لعن رسول الله الحالقة. ليس من هذا الباب في شيء، وإنما لعن الحالقة لشعرها عند المصيبة إتباعاً لسنن الجاهلية، وبهذا جاء الحديث كما سلف في الجنائز أنه ◙ برئ من الحالقة.، وترجم له باب ما ينهى عنه من الحلق عند المصيبة، فبان بهذا معنى النهي عن الحلق أنه عند المصيبة كفعل الجاهلية وأما إن احتاجت المرأة إلى حلق رأسها فذلك غير حرام عليها كالرجل سواء.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: إنما لعن رسول الله الحالقة عند المصيبة لا لإزالة الشعر والأذى عنها)).